دمرت الحرب منزل أبو زياد ودفعته للفرار من قريته القريبة من دمشق، فتحولت الشاحنة الصغيرة التي يملكها إلى مسكنه ومصدر رزقه.
منذ أن دمرت الحرب منزل أبو زياد ودفعته للفرار من قريته القريبة من دمشق، تحولت الشاحنة الصغيرة التي يملكها رب العائلة الستيني إلى مسكنه ومصدر رزقه.
ويقول أبو زياد (62 عامًا) وهو يتكئ على سيارته ويعرض أمامه أنواعا عدة من السجائر للبيع في ساحة المرجة في وسط دمشق "سيارتي هذه كزوجتي، أحدّثها نهارًا وألجأ إليها ليلًا، لكنها باتت اليوم عجوزًا لا تقوى على الحركة"، مضيفًا "أملك هذه السيارة منذ العام 1978، كبرنا سويًّا وهرمنا معًا".
وأبو زياد أب لتسعة أولاد بعضهم متزوج، وهو واحد من ملايين السوريين الذين اضطرتهم الحرب التي تشهدها البلاد منذ أذار/ مارس 2011 إلى النزوح من مناطقهم وترك كل شيء خلفهم بحثًا عن الأمان.
خسر منزله في بلدة سبينة جنوب دمشق مطلع العام 2012، ما دفعه وأسرته إلى الانتقال إلى دمشق، قبل أن تتوفى زوجته لاحقًا ويقتل أحد أبنائه جراء إصابته بقذيفة هاون.
ويتابع الرجل الذي يرتدي سترة جلدية ويلف رأسه وعنقه بوشاح صوف رمادي اللون "لا أستطيع العودة إلى منزلي؛ لأنه أمسى ضمن منطقة عمليات عسكرية، ولا أستطيع استئجار بيت جديد بسبب ارتفاع بدل الإيجار، ولا أقدر حتى على تأمين أجرة المواصلات للذهاب إلى أولادي والنوم عندهم".
ويتوزع أولاده بين بلدتي جرمانا والكسوة في ضواحي دمشق حيث يقطنون في منازل ضيقة بالكاد تتسع لهم ولأولادهم.
ويقول: "حين يكون العمل جيدًا ويتوفر لدي مبلغ إضافي من المال، استأجر غرفة داخل فندق بسيط، بالمشاركة مع ثلاثة أشخاص آخرين كي أرتاح قليلًا، أو أزور أولادي وأقاربي".
ويعمل أبو زياد منذ ثلاثين عامًا على شاحنته البيك آب من طراز "سوزوكي"، وكان يستخدمها في نقل البرادات داخل دمشق، ولكن بعدما كثرت الأعطال فيها ولم يعد لديه المال الكافي لإصلاحها، قرر ركنها في ساحة المرجة والمبيت فيها ليلًا.
في الأيام الباردة في الشتاء، يلجأ إلى حرق علب كرتون يجمعها في صندوق شاحنته الخلفي للتدفئة، أما في الصيف فينتقل مع شاحنته الصغيرة إلى جوار جدار او مبنى يقيه حرّ الشمس.
وعند استيقاظه صباح كل يوم، يعرض أبو زياد على صندوق خشبي مجموعة من علب السجائر المخصصة للبيع، مصدر رزقه الوحيد.
- مليونا مسكن مدمر -
وأسفرت الحرب السورية عن دمار وخراب هائلين جراء العمليات العسكرية المستمرة منذ نحو خمسة أعوام، ويقول الباحث الاقتصادي عمار يوسف لوكالة فرانس برس "سجل حتى نهاية العام 2015 ما يزيد عن 2,3 مليون مسكن مدمّر في سوريا وغير قابل للاستثمار العقاري، وكانت هذه المنازل تأوي حوالى سبعة ملايين شخص نزحوا إلى مناطق أخرى".
ويضيف يوسف الذي يعد دراسة سنوية حول نسبة الدمار جراء النزاع، "أكثر المناطق التي توجد فيها منازل متضررة هي ريف دمشق؛ إذ كانت تضم قرى مسحت عن الخارطة، تليها مدينة حمص التي سجل فيها دمار أكثر من 800 ألف مبنى بينها شقق ومدارس ودور عبادة حتى نهاية العام 2015".
ويوضح أن "كلفة إعادة إعمار المساكن المتضررة والبنى التحتية حتى نهاية العام 2015 بلغت أكثر من 250 مليار دولار".
وبحسب تقرير صادر في أيار/ مايو 2014 عن المركز السوري لبحوث السياسات، وهو مركز غير حكومي تستند إليه الأمم المتحدة في إصدار تقاريرها، أصبح ثلاثة أرباع السوريين من الفقراء، وأكثر من نصف السكان يعيشون في فقر شديد.
وتسبب النزاع الدامي الذي تشهده البلاد منذ العام 2011 بمقتل أكثر من 250 ألف شخص، ودمار هائل في البنى التحتية بالإضافة إلى نزوح أكثر من 11 مليون شخص داخل البلاد.
ويقدر يوسف حاجة سوريا إلى "ثلاثة ملايين مسكن بشكل عاجل" لمواجهة أزمة السكن، على ضوء "ارتفاع عدد الأشخاص الذين يقطنون داخل المسكن الواحد بمعدل خمسة أشخاص قبل اندلاع الحرب، وصولًا إلى عشرين في الوقت الراهن".
ويوضح يوسف ان "المعيار الأساسي لسعر العقار أو بدل استئجاره هو نسبة الأمان في المنطقة التي يوجد فيها"، لافتًا إلى أن "بدل الإيجار تضاعف أكثر من عشر مرات منذ بدء الحرب، في ظل ارتفاع الطلب على المساكن جراء نزوح مئات الآلاف من المناطق غير الآمنة".
- عراء وخراب -
على طرف آخر من العاصمة، تعيش مئات العائلات في منازل وأبنية قيد الإنشاء، تفتقد إلى الأبواب والنوافذ، ويتطلب الوصول إليها سلوك طرق ترابية.
وتقيم ام وليد (52 عامًا) مع أولادها الخمسة وعائلاتهم داخل أحد هذه المنازل في حي دف الصخر في جرمانا بعد نزوحهم من بلدة الذيابية جنوب دمشق.
وتقول: "كان لكل ولد شقة كاملة، أما اليوم فنسكن جميعنا في شقة واحدة لنؤمن بدل الإيجار الشهري".
وتتذمر أم وليد التي يلهو أحفادها حولها من حال المسكن، "يدخل البرد مع الحشرات والقوارض، لا مياه ولا كهرباء ولا تدفئة (...) ليس لدينا إلا سقف وجدران غير مطلية، ومع ذلك كله الإيجار عبء ثقيل".
وتتابع بتنهد وهي ترتدي عباءة طويلة فوقها سترة تقيها من البرد، بينما النوافذ والأبواب من حولها مغلقة بقطع من البلاستيك أو الكرتون، "أحلم بالعودة إلى منزلي يومًا ما، لن أنام مرتاحة إلا على وسادتي القديمة". وتضيف "مللت من العراء والتنقل، هذا ليس منزلًا يُعاش فيه، هذا أشبه بالخراب".
aXA6IDMuMTcuMTU1LjE0MiA= جزيرة ام اند امز