أفلام الفنون في بيروت.. حكايات بصرية
خلال 4 أيام متتالية، أُقيم في بيروت مهرجان سينمائي جديد، يتّخذ شكل التظاهرة الفنية لاكتفائه بعرض أفلامٍ مختلفة المضامين
خلال أربعة أيام متتالية (5 ـ 8 نوفمبر 2015)، أُقيم في بيروت مهرجان سينمائي جديد، يتّخذ شكل التظاهرة الفنية لخلّوها من كل مسابقة أو برامج متنوّعة، ولاكتفائها بعرض أفلامٍ مختلفة المضامين والأشكال، وإن تجمّعت كلّها تحت عنوان الفنون العامّة.
"مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية" مختصّ بأعمالٍ بصرية مختلفة (أفلام سينمائية، أفلام فيديو، تحقيقات/ ريبورتاجات متلفزة، إلخ)، تتشارك موضوعاً واحداً هو الفن بشتّى أنواعه. ذلك أن العناوين المختارة (لا تحديد لتواريخ إنتاجها، بل اختيارات مهتمّة بالمحتوى الفني أساساً) منصبّة كلّها على تصوير شؤون فنية أو شخصيات تصنع شؤوناً فنية، كالسينما والرسم وتصميم الأزياء والعمارة والرقص والموسيقى والغناء والمتاحف وغيرها.
كما أنه يتجوّل في مناطق لبنانية مختلفة، لاعتماده ـإلى جانب صالة سينما "متروبوليس" (صالة فنّ وتجربة) في بيروتـ قاعات وصالات أخرى تابعة لجامعات خاصّة داخل العاصمة اللبنانية وخارجها.
بهذا المعنى، يُمكن القول إن تجربة "نوعية" جديدة شهدتها المدينة عبر مهرجان "أفلام الفن". فالاختصاص واضح المعالم، والأفلام المختارة تتناول فنوناً كثيرة تتراوح بين الشعبيّ والنخبويّ، وتُقدّم صُوراً عديدة لشخصيات فاعلة في الفنون هذه. أما الأمكنة المنتقاة، فمنتشرة هنا وهناك، كمن يريد الذهاب إلى مشاهدين محتملين، بدلاً من الاكتفاء بصالة واحدة في حيّز جغرافي واحد، علماً بأن اختيار الجامعات مرتكز، بدوره، على أولوية التواصل مع جيل شبابيّ ـ جامعيّ لا شكّ في أنه يعثر في الأفلام المعروضة أمامه على تفاصيل وحكايات تُسهم في إثارة نقاش، أو في مزيد من الوعي المعرفيّ.
على مستوى الشخصيات الفنية، فإنّ المهرجان معنيّ بتقديم صُوَر عديدة عن صانعي إبداع فاعلين في بلدانهم وخارجها، كفيروز وأم كلثوم مثلاً، إذ تمّ افتتاح الدورة الأولى هذه بعرض الريبورتاج الوثائقي المتلفز "فيروز" (1998) للفرنسي فريديريك ميتران، كما اختير "أم كلثوم، كوكب الشرق" (2008) للتونسية فريال بن محمود.
كما أن ماريا كالاس موجودة في التظاهرة السينمائية، من خلال "كالاس في مقابل تيبالدي، النمرة والحمامة" (2013) لريني ـ جان بوييه: يكتفي الأول بما يُشبه حواراً طويلاً مع فيروز، عن مفاصل أساسية في حياتها الفنية؛ وينشغل الثاني بمعاينة مسارٍ مفتوح على أسئلة الفن والصوت والنبرة والإيقاع، بالإضافة إلى السياسة والتحوّلات التاريخية في زمن أم كلثوم؛ ويسرد الثالث حكاية الصراع الإبداعي والإنساني والثقافي والحياتي بين مغنيتين اثنتين من عمالقة الأوبرا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ريناتا تيبالدي وماريا كالاس، بما يُسهم في إعادة رسم ملامح شخصيتين وعوالمهما المتشعّبة وزمنهما التاريخي والاجتماعي والثقافي.
هذا كلّه إلى جانب أفلام عن كبار مُصمّمي الأزياء في العالم، أمثال كارل لاغرفيلد وكوكو شانيل وإيف سان لوران، أو عن راقصين أمثال رودولوف نورييف، بالإضافة إلى سينمائيين تنعكس حكاياتهم في أفلام مختصّة بجانب أو أكثر من حيواتهم اليومية والفنية، أمثال فيديريكو فيلّيني ولوتشينو فيسكونتي.
من العناوين الأساسية: "شغف نورييف" (2013) لفابريس هيرّو، و"تصميم الأزياء واحد: ليلاّ وماسيمو فينيالّي" (2013) لكاتي برو وروبرتو غيرّا، مثلان اثنان عن كيفية تحويل عدسة الكاميرا السينمائية إلى نبضٍ يتابع وقائع ابتكار روحٍ لنصّ مترجم إلى رقصٍ (نورييف) أو إلى تصميم أزياء يجعل الأزياء، أحياناً، لغةً تبوح بمكنونات أو خفايا في النفس الفردية (الإيطاليان فينيالّي). فالكاميرا لا تقف عند سرد تاريخي للحكاية، بقدر ما تُفكّك التفاصيل المتعلّقة بحياة ومسارات، لكن أيضاً وأساساً بكيفية صناعة إبداع.
التنويع الفني كبير.القضايا أساسية: إنقاذ متحف "لوفر" من السرقات النازية عائدٌ إلى رجل يُدعى جاك جوجار (مدير المتحف آنذاك)، وهذه قصّة مروية في "الرجل الذي أنقذ اللوفر" (2014) لجان ـ بيار دوفيلّي وبيار بوشار. بينما يستعيد "غورليت وسرّ الكنز النازي" (2014) لموريس فيليب ريمي إحدى أبرز الفضائح الفنية، عبر إعادة سرد حكاية كورنيليوس غوليت والمجموعة الفنية الكبيرة التي يُعثر عليها في منزله في العامين 2012 و2014، بعد فقدان الأمل في معرفة مصيرها. في حين أن الانصراف إلى العوالم الخاصّة بسلفادور دالي، معقودٌ على "دالي، آخر التُحف" (2015) لديفيد بوجول.
علماً أن للتصوير الفوتوغرافي حضوراً خاصّاً، عبر "دوروثيا لانغ، الاستيلاء على قطعة كبيرة من الورق" (2014) لديانا تايلور، متّخذاً من المصوّرة الفوتوغرافية لانغ محوراً لسرد مقتطفات من معاني الصورة وارتباطها بواقع إنساني.
هذه نماذج مستلّة من برمجة ممتدّة على 4 أيام، تجمع فنوناً كي تؤكّد مجدّداً قدرة السينما على اختراق العوالم كلّها، وتحويل الفنون إلى صُور معنية بإعادة قراءة الحياة والإبداع والتاريخ.
aXA6IDMuMTQzLjIzNy4xNDAg جزيرة ام اند امز