الطباعة ثلاثية الأبعاد في التصنيع.. الإمارات نموذج رائد يحتذى

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، تواصل دولة الإمارات وعلى رأسها مدينة دبي، ترسيخ مكانتها كنموذج عالمي يُحتذى به في تطوير واستخدام أحدث التقنيات في قطاع البناء.
من خلال مبادرات استراتيجية ورؤى طموحة، تضع الإمارات معايير جديدة تجمع بين الابتكار والاستدامة، مؤكدةً ريادتها الإقليمية والدولية في تبني حلول الطباعة ثلاثية الأبعاد وإعادة تشكيل مستقبل البناء الحديث.
استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد
في أبريل/نيسان 2016، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي مبادرة تهدف إلى الاستفادة من هذه التكنولوجيا الواعدة لخدمة الإنسان، وتعزيز مكانة دولة الإمارات ودبي كمركزٍ رائدٍ على مستوى المنطقة والعالم في مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد بحلول 2030.
وتركز الاستراتيجية على ثلاثة قطاعات رئيسية منها المنتجات الطبية، التي تشمل طباعة أطقم الأسنان، والعظام والأعضاء الاصطناعية، والنماذج الطبية والجراحية وأجهزة السمع، لتمكين الأطباء من طباعة نماذج بديلة لأعضاء بشرية مثل القلب، والكلية، والدماغ إلخ، ما ينعكس إيجاباً على المرضى من حيث انخفاض أوقات الانتظار، وتكاليف علاجية أقل.
التحالف الاستراتيجي للطباعة ثلاثية الأبعاد
أطلق الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل، التحالف الاستراتيجي للطباعة ثلاثية الأبعاد، في خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى المنطقة والعالم لإنشاء شبكة استراتيجية وشاملة تجمع الجهات الحكومية والمراكز البحثية والشركات المتخصصة في الطباعة ثلاثية الأبعاد في دولة الإمارات والعالم.
وفي إطار تعزيز مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي للطباعة ثلاثية الأبعاد، يسعى التحالف الاستراتيجي لإنتاج مجموعة كبيرة من التجهيزات والمنتجات والخدمات في القطاعات الحيوية لتلبية احتياجات السوق وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
منطقة متخصصة لتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد
ووجه الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم باستحداث وإنشاء منطقة متخصصة لتطوير واختبار وتوظيف تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد، لتكون مقراً لمجموعة من المراكز البحثية والشركات العالمية والناشئة والمختبرات الهندسية التطبيقية وبرامج مسرعات الأعمال الخاصة بهذه التقنية وأكبر مستودع في المنطقة لتخزين وتوزيع مواد ومنتجات الطباعة ثلاثية الأبعاد.
ويضم التحالف الاستراتيجي للطباعة ثلاثية الأبعاد كلاً من: مؤسسة دبي للمستقبل، وهيئة الصحة بدبي، وبلدية دبي، وشرطة دبي، وهيئة كهرباء ومياه دبي، وهيئة الطرق والمواصلات بدبي، وجامعة خليفة، وكليات التقنية العليا، إضافة إلى 10 شركات عالمية ومحلية متخصصة في تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد.
وأصبحت دولة الإمارات الأولى إقليمياً وتتصدر خليجياً في تطبيق تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، ما يعكس تحولاً جذرياً في أساليب البناء التقليدية ويضع معايير عالمية جديدة لتحقيق الاستدامة والكفاءة في المشروعات العمرانية.
الابتكار العقاري في الإمارات
ويشهد سوق البناء في دول مجلس التعاون الخليجي نمواً متسارعاً من حيث القيمة والحجم، إذ من المتوقع أن يرتفع من 177.77 مليار دولار في 2025 إلى 226.88 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي متصاعد يبلغ نحو 5%.
ويعكس هذا النمو رغبة المنطقة في تبني أحدث التقنيات وأساليب البناء المتطورة التي تضمن تحقيق متطلبات الاستدامة البيئية وتوفير حلول عملية لمواجهة تحديات كفاءة الطاقة.
ويعد التحول نحو استخدام تقنيات مبتكرة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد جزءا من رؤية استراتيجية شاملة تسعى إلى إعادة تصور المشهد العمراني بما يتوافق مع متطلبات العصر الحديث.
وتعتبر مدينة دبي مثالاً حياً على هذا التحول، إذ تسعى المدينة إلى دمج التكنولوجيا مع التصميم المعماري الحديث لتقديم حلول بنائية تقلل من النفايات وتحقق كفاءة استثنائية في استهلاك الطاقة.
ثورة في أساليب البناء
تُعد تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد واحدة من أكثر الابتكارات التكنولوجية التي أحدثت ثورة في مجال البناء. فقد أصبح بالإمكان الآن تصنيع مكونات المباني بشكل دقيق وفوري باستخدام هذه التقنية، ما يساهم في تقليل هدر المواد وتقليل الفاقد الناتج عن العمليات التقليدية.
ويظهر هذا التأثير الواضح في مشروع "مكتب المستقبل" في دبي، الذي يُعتبر أول مبنى مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في العالم، حيث يجسد كيفية الاستفادة القصوى من الإمكانيات التكنولوجية في تصميم وإنشاء مبانٍ تجمع بين الأداء العالي والكفاءة البيئية.
تصاميم معمارية معقدة ومتطورة
توفر الطباعة ثلاثية الأبعاد إمكانيات غير مسبوقة لتطبيق التصاميم المعمارية المعقدة التي كانت تعتبر في السابق من الصعب تحقيقها باستخدام أساليب البناء التقليدية.
وتمكن القدرة على تصميم أشكال منحوتة بدقة متناهية المهندسين والمعماريين من تقديم هويات معمارية فريدة تعكس الثقافة والتراث المحلي وفي نفس الوقت تتماشى مع أحدث الاتجاهات العالمية في التصميم.
وبفضل هذه التقنية، يمكن للمهندسين تحقيق مستويات عالية من الدقة في تنفيذ التصاميم، مما يساهم في تخفيض التكاليف وتحسين جودة المباني.
استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد 2030
تأتي هذه الابتكارات في إطار استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد 2030، التي تهدف إلى تنفيذ 25% من المباني باستخدام هذه التكنولوجيا المبتكرة بحلول عام 2030.
وتُعد هذه الاستراتيجية جزءاً من رؤية أوسع تهدف إلى جعل دبي مركزاً عالمياً للتكنولوجيا والابتكار في مجال البناء، ما يدعم التحول الرقمي الذي تشهده المدينة ويعزز مكانتها في التصنيف العالمي للمشاريع العمرانية المستدامة.
دور مجلس الكود الدولي
ويلعب مجلس الكود الدولي دوراً محورياً في قيادة التحول نحو تبني ممارسات بناء أكثر أماناً واستدامة في المنطقة، فهو يقدم رؤى استراتيجية وإرشادات فنية تساعد دول الخليج في تطوير معايير البناء بما يتوافق مع أحدث التطورات العالمية.
ويساهم المجلس في تقديم إرشادات تقنية، وتطوير الكفاءات المحلية، وتعزيز الابتكار، ويشمل دوره أياً تشجيع تبني التقنيات التي تعزز من كفاءة البناء وتخفض من الآثار البيئية الضارة.
مشروع “مكتب المستقبل”
يُعد مشروع "مكتب المستقبل" في دبي من أبرز الأمثلة العملية التي توضح الإمكانات الهائلة لتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد في قطاع البناء، حيث هذا المشروع ليس مجرد مبنى عادي، بل هو تجربة شاملة تُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُحدث تغييراً جذرياً في تصميم وبناء المباني.
ومن خلال استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، تمكن الفريق الهندسي من تحقيق تصميم معماري معقد يتناسب مع الهوية البصرية لدبي، وتقليل النفايات الناتجة عن عمليات البناء التقليدية، وتحسين كفاءة استخدام المواد وتقليل التكاليف التشغيلية.
aXA6IDMuMTQ0LjIyNS4xNDQg جزيرة ام اند امز