مجلس التعاون الخليجي.. 41 عاما من التضامن ومواجهة التحديات
مظلة تجمع تحت رايتها أبناء الخليج العربي تطفئ شمعتها الـ41 لتضيء مسارا من العمل المشترك والتضامن لمواجهة التحديات.
ففي 4 فبراير/شباط 1981، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والبحرين وسلطنة عُمان، والكويت وقطر، وثيقة تأسيس مجلس التعاون الخليجي من الرياض، ليرى الأخير النور في أول قمة استضافتها العاصمة أبوظبي في 25 مايو/أيار من العام نفسه.
ولم يكن مجلس التعاون وليد بداية ثمانينيات القرن الماضي؛ بل بدأت الرغبة تتزايد لدى دول المجلس في إنشاء اتحاد اندماجي لهم، منذ إعلان الحكومة البريطانية الانسحاب من دول الخليج في يناير/كانون الثاني عام 1968.
أهمية خاصة
هذا العام، تكتسي ذكرى توقيع وثيقة تأسيس مجلس التعاون الخليجي أهمية خاصة لأكثر من سبب، بينها أنها تأتي في وقت تمضي فيه مسيرة تعزيز التضامن والتكامل الخليجي إلى آفاق أرحب، بعد أن شهد عام 2021 طي صفحة الخلاف مع قطر، ووضع الأسس والقواعد لتعزيز التضامن وتحقيق التكامل.
تلك القواعد والأسس وضعت خلال قمتين خليجيتين عُقدتا في مستهل وختام عام 2021، وبينهما بُذلت جهود حثيثة لتعزيز التضامن الخليجي، كان أبرزها المبادرات الإماراتية الصادقة لطي صفحة الخلاف مع قطر، والجهود السعودية الرائدة لتعزيز الوحدة الخليجية.
أيضا تتزامن الذكرى مع احتفال العالم بيوم الأخوة الإنسانية، تخليدا لخطوة دولة الإمارات التاريخية باحتضان توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية.
ويأتي الاحتفال بتلك المناسبة بعد أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2020 قراراً بالإجماع يعلن 4 فبراير/شباط من كل عام يوما عالميا للأخوة الإنسانية.
قرارٌ جاء بعد مبادرة قدمتها دولة الإمارات بالتعاون مع السعودية والبحرين ومصر، في دلالة على أهمية التعاون الخليجي والعربي لتعزيز الأخوة الإنسانية بشكل عام والخليجية والعربية خصوصا.
ويأتي القرار تقديرا للخطوة التاريخية التي أقدمت عليها أبوظبي في الرابع من فبراير/شباط 2019، وبجهودها في احتضان توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية، التي وقّعها الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، برعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
وساهمت دولة الإمارات في تعزيز الأخوة الخليجية، ليس فقط عبر القمم الخليجية التي استضافتها وكانت محطات فارقة في تاريخ دول الخليج، وإنما من خلال كل إنجاز تحققه على جميع الأصعدة.
وتحل الذكرى أيضا في وقت تستضيف فيه دولة الإمارات "إكسبو 2020 دبي" الذي يعد أول معرض دولي يقام في العالم العربي، وأكبر حدث ثقافي في العالم.
معرضٌ وظفته دولة الإمارات ليكون نافذة دبلوماسية وثقافية واقتصادية مفتوحة لتعزيز التعاون الثنائي مع مختلف دول العالم بشكل عام، والخليج على وجه الخصوص.
ويكاد لا يمر يوم منذ انطلاق "إكسبو دبي" مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا ويشهد حدثا أو رسالة أو لقاء يصب في مسار تعزيز مسيرة التضامن الخليجي، إما من خلال حرص قادة ومسؤولي دولة الإمارات على زيارة أجنحة دول مجلس التعاون الخليجي، ونقل رسائل تعزز الترابط والأخوة.
أو من خلال استقبال مسؤولي دول الخليج بالمعرض وعقد مباحثات أو مناسبات وطنية تعزز التعاون الثنائي وتصب في دعم مسيرة التعاون الخليجي.
كما تأتي الذكرى الخليجية الهامة بعد نحو شهر من بدء عضوية دولة الإمارات، مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين، في إنجاز دبلوماسي أيضا ستوظفه الدولة لدعم الأمن والاستقرار في العالم والخليج.
أيضا تحل الذكرى بعد يوم من نجاح إطلاق القمر الصناعي الإماراتي البحريني المشترك "ضوء 1" إلى مداره الفضائي، في خطوة تستمد أهميتها من سعي دولة الإمارات لنقل خبراتها وتعميم الاستفادة من إنجازاتها على أشقائها في دول الخليج.
ويمثل القمر الاصطناعي "ضوء-1" المهمة العلمية الأولى في المنطقة لرصد ودراسة أشعة غاما الأرضية الصادرة عن البرق والعواصف الرعدية.
كذلك تحل الذكرى بعد 4 أيام من ختام التمرين التعبوي المشترك "أمن الخليج العربي 3" في المملكة العربية السعودية، بمشاركة جميع دول مجلس التعاون الخليجي، ويهدف لتعزيز التعاون الأمني بين الدول الأعضاء.
الولادة
في مثل هذا اليوم من عام 1981، تم الإعلان عن الوثيقة التأسيسية لمجلس التعاون الخليجي، في حدث جاء في أعقاب لقاء جمع وزراء خارجية دول السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان البحرين وقطر، في الرياض.
وتبنت الوثيقة التأسيسية ما يربط الدول المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي من علاقات خاصة وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، ووحدة التراث، وتماثل تكوينها السياسي والاجتماعي والسكاني وتقاربها الثقافي والحضاري.
وأكدت رغبة الدول الست في "تعميق وتطوير التعاون والتنسيق بينها، في مختلف المجالات، بما يعود على شعوبها بالخير والنمو والاستقرار".
الشيخ زايد.. الدعوة للتأسيس
وتعيد ذكرى تأسيس المجلس إلى الأذهان الدور الرائد للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ترأس أول قمة لمجلس التعاون بعد نحو 3 أشهر من إعلان الوثيقة التأسيسية.
وانطلاقا من رؤيته الثاقبة وقناعته الراسخة بأن أبناء الخليج ينتمون إلى أسرة واحدة، اتجه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بعد نجاح جهوده المخلصة في بناء اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة وإعلان قيامها في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1971، إلى قادة دول الخليج العربية.
وفي حديث له لصحيفة "الأضواء" البحرينية في 24 يونيو/حزيران 1973، انطلقت أولى دعوات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى عقد لقاء قمة بين قادة دول الخليج العربية.
وقال آنذاك إن "هناك مصالح اقتصادية مشتركة وجوانب أخرى من المستحسن تبادل الرأي فيها تتعلق كلها بأمن الخليج واستقراره.. وأعتقد أن لقاء القمة لو قُدر له أن يتم فإنه يمكن أن يحقق إجماعا خليجيا على خطة سياسية واحدة وفوائد ومصالح اقتصادية يستفيد منها الجميع بما في ذلك الدول العربية غير الخليجية ".
وإدراكا منه لأهمية هذا الأمر، حمل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لواء هذه الدعوة إلى أكبر تجمع إقليمي بإعلانه أمام أقطاب مؤتمر قمة دول عدم الانحياز المنعقد بالجزائر في عام 1973، المساعي الخليجية لتحقيق الوحدة فيما بينها.
وبدأ في تحرك سياسي نشط في وقت مبكر من مطلع السبعينيات لتبادل الآراء والتشاور مع إخوانه قادة دول المجلس، وخلال زيارته لمملكة البحرين في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1974، أكد أن "الوقت حان كي تعمل دول الخليج العربية على تعزيز التعاون بينها في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وأن دولة الإمارات تعتبر هذا التعاون أمرا ضروريا وحيويا للمنطقة".
وأعلن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بمؤتمر صحفي في 12 مايو/ أيار 1975 بأبوظبي، أن "كل الأطراف المعنية تعمل على عقد مؤتمر القمة الخليجي بعد أن لمست أهمية الوفاق وأن سياج السعادة لا يتحقق إلا بالتلاقي".
ووجدت دعواته وجهوده تجاوبا صادقا من أشقائه قادة دول الخليج العربية؛ حيث شهدت المنطقة سلسلة من الزيارات المتبادلة بين قادتها بعد أن التقت إرادتهم وعزيمتهم السياسية على ضرورة التنسيق والتكامل.
وبعد سلسلة من الاجتماعات التحضيرية، عقد وزراء خارجية الدول الخليجية الست (الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والبحرين وسلطنة عُمان، والكويت وقطر ) مؤتمراً في الرياض بتاريخ 4 فبراير/شباط 1981، ووقعوا في ختام أعماله على وثيقة إعلان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ولاحقا، عقدت القمة الخليجية الأولى يومي 25 و26 مايو/أيار 1981 في أبوظبي تلبية لدعوة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واتفق خلالها قادة دول الخليج الست رسميا على إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وخلال القمة، وقع القادة على النظام الأساسي للمجلس الذي يهدف إلى تطوير التعاون بين هذه الدول، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
67 قمة خليجية
ومنذ أول قمة خليجية، شهد مجلس التعاون 67 قمة أسهمت في تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، كان آخرها قمة الرياض في 14 ديسمبر/ كانون أول الماضي.
وخلال السنوات الماضية، حققت مسيرة العمل الخليجي المشترك العديد من الإنجازات والمشروعات التكاملية، وسط سعي متواصل لتعزيز التعاون في مختلف المجالات الدفاعية والأمنية والتنموية.
2021.. محطة فارقة
شكل عام 2021 محطة فارقة في مسيرة مجلس التعاون، حيث استهل بعقد قمة خليجية في مدينة العلا شمال غرب السعودية في 5 يناير/كانون الثاني، بعد أزمة استمرت أكثر من 3 سنوات بين قطر من جانب ودول الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) من جانب آخر، وتم خلالها الاتفاق على قواعد وأسس لطي صفحة الخلاف.
وفي ختام العام، تم عقد القمة الخليجية الـ42 في 14 ديسمبر/كانون الأول بالرياض، ليصدر عنها بيان ختامي وإعلان حمل اسم "إعلان الرياض"، رسما خارطة طريق شاملة لتحقيق التكامل وتوحيد صف دول المجلس.
كما شهد هذا العام توسع دول الخليج في إنشاء مجالس التنسيق الثنائية لتطوير التعاون بينها، وإنشاء مقر القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون بالرياض، وتحقيق دولة الإمارات إنجازات تاريخية في أكثر من مجال وظفتها لصالح تعزيز التعاون الخليجي.
واستهلت دول الخليج عام 2022، بإجراء التمرين التعبوي المشترك "أمن الخليج العربي 3" بالسعودية، في رسالة تؤكد تعزيز التعاون الأمني بين الدول الأعضاء، والتكامل بين الأجهزة الأمنية لترسيخ دعائم الأمن، وردعاً لكل من يحاول المساس بأمن واستقرار دول المجلس لإكمال مسيرته.