مجلس التعاون الخليجي.. 4 عقود من "وحدة" وضع زايد لبنتها الأولى
تحل، اليوم الثلاثاء، ذكرى مرور 40 عاما على إنشاء مجلس التعاون الخليجي الذي رأى النور في العاصمة الإماراتية أبوظبي في 25 مايو/أيار 1981.
4 عقود نجح خلالها مجلس التعاون في مواجهة العديد من التحديات وتحقيق العديد من الإنجازات، حتى أضحى مظلة سياسية واقتصادية وثقافية تجمع أبناء الخليج العربي، وصمام أمان لتحقيق استقرار وأمن المنطقة.
تحل الذكرى لتعلن نجاح المجلس على مدار 40 عاما في الصمود والاستمرار وتطوير آليات عمله والمحافظة على منظومة العمل الخليجي المشترك لخدمة مصالح أعضائه وصون أمنهم واستقرارهم.
وتأتي أيضا لتؤكد الرؤى الحكيمة لقيادات دول الخليج منذ تأسيس المجلس وحتى اليوم ومواقفهم الثابتة والمبدئية التي تنطلق من هدف أساسي هو خدمة شعوبهم والمحافظة على مكتسباتهم التنموية.
الشيخ زايد.. الدعوة للتأسيس
وتعيد ذكرى تأسيس المجلس إلى الأذهان الدور الرائد للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ترأس أول قمة لمجلس التعاون.
انطلاقا من رؤيته الثاقبة وقناعته الراسخة بأن أبناء الخليج ينتمون إلى أسرة واحدة، اتجه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بعد نجاح جهوده المخلصة في بناء اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة وإعلان قيامها في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1971، إلى قادة دول الخليج العربية.
وفي حديث له لصحيفة "الأضواء" البحرينية في 24 يونيو/حزيران 1973، انطلقت أولى دعوات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى عقد لقاء قمة بين قادة دول الخليج العربية.
وقال آنذاك: "إن هناك مصالح اقتصادية مشتركة وجوانب أخرى من المستحسن تبادل الرأي فيها تتعلق كلها بأمن الخليج واستقراره.. وأعتقد أن لقاء القمة لو قدر له أن يتم فإنه يمكن أن يحقق إجماعا خليجيا على خطة سياسية واحدة وفوائد ومصالح اقتصادية يفيد منها الجميع بما في ذلك الدول العربية غير الخليجية ".
وإدراكا منه لأهمية هذا الأمر، حمل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لواء هذه الدعوة إلى أكبر تجمع إقليمي بإعلانه أمام أقطاب مؤتمر قمة دول عدم الانحياز الذي عقد في الجزائر في عام 1973 المساعي التي تقوم بها دول الخليج العربية لتحقيق الوحدة فيما بينها.
وبدأ في تحرك سياسي نشط في وقت مبكر من مطلع السبعينيات لتبادل الآراء والتشاور مع إخوانه قادة دول المجلس، وخلال زيارته لمملكة البحرين في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1974، أكد "أن الوقت حان كي تعمل دول الخليج العربية على تعزيز التعاون بينها في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وإن دولة الإمارات تعد هذا التعاون أمرا ضروريا وحيويا للمنطقة".
وأعلن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مؤتمر صحفي في 12 مايو 1975 بأبوظبي :"أن كل الأطراف المعنية تعمل على عقد مؤتمر القمة الخليجي بعد أن لمست أهمية الوفاق وأن سياج السعادة لا يتحقق إلا بالتلاقي".
وبين "أن هناك اتصالات عديدة ومناقشات وتبادلا للآراء حول عقد هذا المؤتمر الخليجي.. ولقد قلت قبل ذلك إن عقد هذه المؤتمر ضرورة للتنسيق بين دول المنطقة ذات المصير الواحد ".
ووجدت دعواته وجهوده تجاوبا صادقا من أشقائه قادة دول الخليج العربية؛ حيث شهدت المنطقة سلسلة من الزيارات المتبادلة بين قادتها بعد أن التقت إرادتهم وعزيمتهم السياسية على ضرورة التنسيق والتكامل.
وبعد سلسلة من الاجتماعات التحضيرية، عقد وزراء خارجية الدول الخليجية الست (الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والبحرين وسلطنة عُمان، والكويت وقطر ) مؤتمراً في الرياض بتاريخ 4 فبراير/شباط 1981، ووقعوا في ختام أعمال ذلك المؤتمر على وثيقة إعلان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ حيث أعلنها حينها وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل.
وتبنت الوثيقة التأسيسية ما يربط الدول المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي، من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابه أساسها العقيدة الإسلامية، ووحدة تراث هذه الدول، وتماثل تكوينها السياسي، والاجتماعي والسكاني، وتقاربها الثقافي والحضاري.
النظام الأساسي للمجلس
عقدت القمة الخليجية الأولى يومي 25 و26 مايو/أيار 1981 في أبوظبي تلبية لدعوة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيـان.
واتفق خلالها قادة دول الخليج الست رسميا على إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقام القادة خلال القمة بالتوقيع على النظام الأساسي للمجلس الذي يهدف إلى تطوير التعاون بين هذه الدول، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
وحدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشؤون التعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والإعلامية والسـياحية، والتشـريعية، والإدارية، ودفع عجلـة التقـدم العلمـي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكـز بحـوث علميـة وإقامـة مشـاريع مشـتركة، وتشـجيع تعـاون القطاع الخاص.
أجهزة مجلس التعاون
ولضمان الانسيابية والمرونة في خطوات وقرارات مجلس التعاون الخليجي، تم الاستقرار على 3 أجهزة، كان أولها المجلس الأعلى، وهو السلطة العليا لمجلس التعاون.
ويتكون من رؤساء الدول الأعضاء، ورئاسـته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول، ويجتمع في دورة عادية كل سـنة، ويجوز عقد دورات اسـتثنائية بناء على دعوة أي دولة عضو، وتأييد عضو آخر.
وفي قمة أبوظبي لعام 1998، قرر المجلس الأعلى عقد لقاء تشاوري فيما بين القمتين السابقة واللاحقة.
وتتبع المجلس الأعلى "الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى" وهي مكونة من ثلاثين عضوا على أساس خمسة أعضاء من كل دولة عضو يتم اختيارهم من ذي الخبرة والكفاءة لمدة ثلاث سنوات. وتختص الهيئة بدراسة ما يحال إليها من المجلس الأعلى.
أيضا تتبع المجلس الأعلى هيئة تسوية المنازعات التي يشكلها المجلس الأعلى في كل حالة حسب طبيعة الخلاف النظام الأساسي.
ثاني أجهزة مجلس التعاون هي المجلس الوزاري ويتكون من وزراء خارجية الدول الأعضاء أو من ينوب عنهم من الوزراء، وتكون رئاسته للدولة التي تولت رئاسة الدورة العادية الأخيرة للمجلس الأعلى، ويعقد المجلس اجتماعاته مرة كل ثلاثة أشهر ويجوز له عقد دورات استثنائية بناء على دعوة أي من الأعضـاء وتأييد عضـو آخر.
وتشمل اختصاصات المجلس الوزاري، من بين أمور أخرى، اقتراح السياسات ووضع التوصيات الهادفة لتطوير التعاون بين الدول الأعضاء، والعمل على تشجيع وتنسيق الأنشطة القائمة بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، وتحال القرارات المتخـذة في هـذا الشـأن إلى المجلـس الـوزاري الـذي يرفع منهـا بتوصية إلى المجلـس الأعلـى ما يتطلب موافقته.
كما يضطلع المجلس بمهمة التهيئة لاجتماعات المجلس الأعلى وإعداد جدول أعمالـه. وتماثل إجـراءات التصويت في المجلـس الـوزاري نظيرتهـا في المجلــس الأعلى.
ثالث أجهزة مجلس التعاون هي الأمانة العامة وتتلخص اختصاصات الأمانة العامة في إعداد الدراسات الخاصة بتعزيز التعاون والتنسيق والتكامل في خطط وبرامج ومشروعات العمل الخليجي المشترك، وإعداد تقارير دورية عن أعمال المجلس، ومتابعة تنفيذ القرارات، وإعداد التقارير والدراسات التي يطلبها المجلس الأعلى أو المجلس الوزاري، والتحضير للاجتماعات وإعداد جداول أعمال اجتماعات المجلس الوزاري ومشروعات القرارات، وغير ذلك من المهام المنصوص عليها في النظام الأساسي لمجلس التعاون.
ويأتي على رأس الجهاز الإداري للأمانة العامة أمين عام يعينه المجلس الأعلى لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وهو المنصب الذي يشغله حاليا الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف.
ويعاون الأمين العام أمناء مساعدون، وما تستدعيه الحاجة من موظفين من بين موظفي الدول الأعضاء.
66 قمة خليجية
ومنذ أول قمة لقادة مجلس التعاون الخليجي عقدت في العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال شهر مايو/أيار عام 1981، شهد مجلس التعاون لدول الخليج 66 قمة أسهمت في تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، كان آخرها قمة العلا شمال غرب السعودية 5 يناير الماضي.
وشملت مسيرة القمم الخليجية منذ تأسيسها انعقاد 66 قمة خليجية، هي 41 اعتيادية، و17 تشاورية، و4 استثنائية (بينهم قمة خليجية أمريكية) وقمتان أخريان خليجية أمريكية، إضافة إلى قمة خليجية مغربية بالرياض، وقمة خليجية بريطانية بالمنامة.
وحققت مسيرة العمل الخليجي المشترك، خلال السنوات الماضية العديد من الإنجازات والمشروعات التكاملية، وسط سعي متواصل لتعزيز التعاون في مختلف المجالات الدفاعية والأمنية والتنموية.
وأسهم مجلس التعاون الخليجي في تعزيز الشراكات الاستراتيجية الإقليمية مع عدد من الدول العربية والتكتلات السياسية؛ إذ إن من بين الأهداف الرئيسة للمجلس تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دوله في جميع الميادين بما في ذلك تنسيق سياساتها وعلاقاتها تُجاه الدول الأخرى، والتكتلات والتجمعات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
مرحلة جديدة من مسيرة التعاون
وفي كلمة له بمناسبة الذكرى الـ 40 لقيام مجلس التعاون، قال الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إنها تؤكد ثبات هذه المسيرة المباركة لخدمة دول المجلس وأبنائها من خلال الإنجازات والتنمية والتي شهدتها الأربعون عاما الماضية منذ قيام المجلس في 25 مايو 1981، والتي كان محورها الأساسي هو المواطن الخليجي.
وبين الحجرف أن الذكرى الـ40 لقيام مجلس التعاون تأتي بعد أقل من ستة أشهر من قمة السلطان قابوس والشيخ صباح، والتي احتضنتها محافظة العلا في المملكة العربية السعودية في الخامس من يناير 2021، تلك القمة التي شكلت مخرجاتها انطلاق مرحلة جديدة من مسيرة التعاون المباركة.
كما أشار إلى أن الذكرى تأتي هذا العام ودول العالم في حراك سريع ومتسارع لتنفيذ برامجها وخططها للتعامل مع عالم ما بعد جائحة كورونا وتأثيرها غير المسبوق على مختلف مناحي الحياة، الأمر الذي يحتم علينا أن نكون جزءا من هذا الحراك، لاستيعاب ما فرضته الجائحة من تحديات ولاقتناص ما أبرزته من فرص، ركيزته الأساسية هي العمل الجماعي، ومحركه الفاعل هو التكامل الاقتصادي والذي يجب أن يكون على قائمة أولويات العمل الخليجي المشترك، وليكون العقد الخامس اقتصاديا بأولوياته وبرامجه ومشاريعه وأهدافه.
وأكد الحجرف أن "مسيرة مجلس التعاون تمضي في عقده الخامس أشد منعة وأقوى عزيمة، ترعاها عين الله، وتستهدي بتوجيهات وحكمة قاده دول المجلس، وبسواعد أبنائه وبقوتهم وعزيمتهم تسخر الإمكانات والجهود لمستقبل الخير والأمان والنماء، ليبقى مجلس التعاون (كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)".