صراع إيران وإسرائيل.. من ميادين الحرب إلى الساحات السيبرانية

قال خبراء في مكافحة التجسس إن منصات التواصل الاجتماعي تحولت ساحة رئيسية لتجنيد الجواسيس في حرب رقمية واسعة النطاق بين إيران وإسرائيل.
وأشار الخبراء، الذين تحدثوا إلى صحيفة "تليغراف" البريطانية، إلى أن أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية في الشرق الأوسط، خاصة الحرس الثوري الإيراني، تستخدم هذه المنصات بشكل مكثف لتجنيد الأفراد.
كما حذر رئيس سابق لجهاز الموساد الإسرائيلي من أن إيران طورت "مفهوماً جديداً" في التجسس، يعتمد على استهداف عشرات الآلاف من الإسرائيليين عبر الإنترنت، مستخدمة تشبيهاً بـ"صيد السردين الجماعي" بدلاً من الصيد الانتقائي للأسماك الكبيرة.
في المقابل، تتهم السلطات الإيرانية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وعلى رأسها الوحدة 8200 المتخصصة في الحرب السيبرانية، باستخدام منصات فارسية لتجنيد جواسيس داخل إيران وجمع معلومات حساسة.
وجاء هذا التصعيد في أعقاب اعتقال إسرائيل لثلاثة مواطنين الأسبوع الماضي بتهمة التجسس لصالح إيران، حيث أشارت التقارير إلى تجنيدهم جميعاً عبر وسائل التواصل.
وكان من بين المعتقلين ديميتري كوهين من حيفا، الذي يُزعم أنه جمع معلومات عن خطيبة ابن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو حادث تزامن مع تأجيل حفل الزفاف بسبب التوترات الإقليمية.
استراتيجية الأعداد الكبيرة:
وصف أوديد آيلام، الرئيس السابق لقسم مكافحة الإرهاب في الموساد، الاستراتيجية الإيرانية بأنها تعتمد على "لعبة الأرقام". أوضح آيلام أن العملية تبدأ بالتواصل مع أعداد هائلة (قد تصل إلى 10,000 هدف)، حيث يستجيب نسبة صغيرة فقط (2-5%) ويوافقون على التعاون.
وبحسب التقرير، يتم استهداف فئات محددة مثل المهاجرين اليهود ذوي الوضع الاقتصادي المتدني والولاء الأيديولوجي الضعيف لإسرائيل. وتتميز هذه الاستراتيجية بسرعة "شبيهة بالوجبات السريعة"، حيث يبدأ التجنيد بمهام بسيطة كرسم شعارات معادية أو تخريب ممتلكات، ثم تتطور إلى جمع معلومات عسكرية أو حتى التخطيط لعمليات اغتيال.
وأشار آيلام إلى أن الإيرانيين لا يهتمون باحتمال القبض على العملاء، معتبرينهم "أصولاً قابلة للتضحية".
ردود فعل قاسية وإعدامات:
رداً على هذه التهديدات، اتخذت إيران إجراءات صارمة حيث أعلنت اعتقال أكثر من 700 شخص بتهمة التعاون مع الموساد خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوما، وأعدمت ما لا يقل عن 6 أشخاص، بينهم محمد أمين مهدوي شيسته الذي وصف بـ"زعيم شبكة سيبرانية مرتبطة بالموساد".
بالإضافة إلى ذلك، حذرت السلطات الإيرانية المواطنين من متابعة صفحات "مرتبطة بإسرائيل"، واتهمت تطبيقات مثل واتساب وفيسبوك بتسهيل "الاغتيالات والتفجيرات".
تكتيكات إسرائيلية وتقييد للإنترنت:
من ناحيتها، كثفت الوحدة 8200 الإسرائيلية أنشطتها على المنصات الفارسية، وفقاً للمسؤولين الإيرانيين.
وتعتمد التكتيكات على إنشاء حسابات وهمية تبدو واقعية، حيث ينخرط العملاء في نقاشات يومية وثقافية لبناء الثقة قبل التطرق لمواضيع أمنية حساسة.
كما اتُهم الموساد باختراق حسابات حقيقية على تطبيق "تليغرام" لإرسال رسائل مباشرة.
ورداً على هذا، لجأت إيران إلى قطع الإنترنت بشكل متكرر، خاصة خلال الاحتجاجات أو التوترات الأمنية، حيث انخفضت قدرة الوصول للإنترنت العالمي إلى 3 % خلال الحرب الأخيرة.
ويرى مراقبون أن قطع الإنترنت يستهدف كبح المعارضة الداخلية أكثر من مواجهة التجسس، كما حدث في احتجاجات 2019 ("انتفاضة الوقود") و2022 ("المرأة، الحياة، الحرية")، حيث وثقت منظمات حقوقية سقوط مئات القتلى خلال فترات الانقطاع.
مواجهة دبلوماسية ورمزية
وفي خطوة رمزية لافتة، نشر الموساد عبر حسابه الفارسي على منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي عرضاً لتقديم مساعدة طبية للمواطنين الإيرانيين المتضررين من النزاع، مشيراً إلى إهمال النظام لرعايتهم، ومؤكداً توفر أطباء يتحدثون الفارسية في تخصصات متنوعة.
وبينما يواصل الجانبان اتهامات متبادلة، يبقى المدنيون في كلا البلدين عرضة لتبعات هذه الحرب السيبرانية المتصاعدة، سواء عبر التجنيد أو القمع أو تقييد الحريات الرقمية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAzIA== جزيرة ام اند امز