الإخوان المسلمون بالأردن.. تنازعوا فانشقّوا فذهبت ريحهم
تفتح الانشقاقات في حزب "جبهة العمل" الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، البابَ أمام صعود كيانات حزبية جديدة
تفتح الانشقاقات والاستقالات الأخيرة في حزب "جبهة العمل" الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، البابَ واسعاً أمام صعود كيانات حزبية جديدة من رحم "الجماعة" لكنّها، ستحاول، كما تقول بيانات المنشقين والمستقيلين، أن تستفيد من التجربة السابقة، وأن تتعلّم من الأخطاء، بيْد أنّ المراقبين، في المقابل، يتوقّعون أنّ زمان "الإخوان" في الأردن، قد ولّى بلا رجعة، ولن يعود إلى سابق عهده.
وكانت الآونة الأخيرة شهدت استقالة زهاء 400 عضو من أعضاء حزب جبهة العمل، بينهم أمين عام الحزب حمزة منصور، فيما يتوقع أن يتبع ذلك استقالاتٌ أخرى تطاول 1500 آخرين، ما يضع مشروع "الجماعة" برمته في مهبّ الريح، خصوصاً وأنّ بين المستقلين قيادات من الصف الأول في الحزب والجماعة وهم يشكّلون ما يعرف بتيار "الحمائم" في مقابل تيار "الصقور" الذي يقوده المراقب العام همام سعيد، ومساعده الذي أفرجت عنه، مؤخراً، السلطات الأردنية زكي بني إرشيد، بعد أن كان اعتقل أواخر العام 2014 بسبب إساءته وتهجّمه على دولة الإمارات.
بيْد أنّ المعضلة الكبرى التي تؤشر إليها هذه الانشقاقات والتفسّخات في هيكل جماعة الإخوان في الأردن، التي انبثقت عام 1945 بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ليست في التصدّعات التنظيمية التي أصابت الجماعة، وإنما في عدم فهم حركات الإسلام السياسي، ومنطق التحوّلات التاريخية التي عصفت بالمنطقة في أعقاب إخفاق انتفاضات "الربيع العربي"، حيث ظلت تلك الحركات، وفي طليعتها الإخوان المسلمون، تعيش حالة إنكار، ووهْم القدرة على الاستعاضة عن العمل السياسي الذي أخفقت في إدارته، بعمل آخر، لطالما هدّدت به جماعة الإخوان، وهو ما قاد إلى تصنيفها بوصفها "جماعة إرهابية".
"الهبل السياسي"
ويؤكد هذا الإنكار المحللُ السياسي حلمي الأسمر الذي عمل في السابق، قبل أن ينشق عن الجماعة ويستقيل منها، رئيساً لتحرير صحيفة "الرباط" الناطقة باسم الإخوان، حيث يرى أن "الإخوان" يعانون مما سماه "الهَبَل السياسي"، موضحاً أن "نزعة الاستحواذ بكل الكعكة، ووهم التمكين واعتقادهم بأن الشعب موقّع لهم شيكا على بياض جعلهم خارج اللعبة السياسية، وبل وخارج التاريخ، لا سيما بعد هزيمتهم في مصر التي فجّرت قنابل موقوتة كانت في حالة كمون، مثل الصراع بين الأجيال".
ويقول الأسمر لـ"بوابة العين" إنّ "ثورات الربيع التي ضربت الأنظمة، ضربت أيضا تنظيم الإخوان، وأحدثت نوعاً من المراجعة الجذرية لكل المسلّمات التي حكمت الحركة، بما في ذلك، طبعاً، الطاعة العمياء للقيادة، بحجة مقتضيات البيعة".
هذه القيم المبنية على "السرية والطاعة والولاء التي دأبت الجماعة على تكريسها لدى الأعضاء والمؤيدين" عصفت بها مرحلة جديدة من الشبكية الإعلامية والتواصلية لم تتمكن "الجماعة" من الاستجابة لتحدياتها، كما يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية إبراهيم غرايبة.
ويرى غرايبة أن هناك "أولويات واهتمامات جديدة في العمل العام قد نشأت وذات صلة بالتنمية والإصلاح كما الحريات والديمقراطية؛ ما جعل الجماعة في مواجهة أفكار وضغوط جديدة للمراجعة لصالح الاتجاهات الجديدة والناشئة في العمل العام، وبالطبع فقد كان الدرس الأول للأنظمة السياسية العربية في الربيع إعادة موضعة الحركات الإسلامية في سياق يمنع سيطرتها على الشارع ونتائج صناديق الانتخابات".
ويضيف غرايبة، لـ"العين"، أنّ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، واجهت مجموعة من الاستحقاقات القانونية والسياسية، "التي تجعل اختفاء الجماعة من الخريطة السياسية والوجود الواقعي ممكناً أو قابلاً للتحقّق بهدوء ومن دون مواجهة مع السلطة"، ما يجعلها تتوارى إلى الظل أو تتحوّل إلى "تركة يتقاسمها شركاء متشاكسون كثر".
فبعد انسحاب عدد كبير من أعضاء الجماعة ليشكلوا حزب الوسط الإسلامي، انسحبت مجموعة أخرى كبيرة لتشكّل المبادرة الوطنية للبناء، والتي اشتهرت بالتسمية الإعلامية "زمزم" نسبة إلى اسم الفندق الذي عُقد فيه الاجتماع التأسيسي للمبادرة، ثم تقدّمت مجموعة من الإخوان المسلمين وعلى رأسهم رئيس الجماعة الأسبق عبدالمجيد الذنيبات (1994 – 2006)، لتسجيل جمعية الإخوان المسلمين، واعتبرت الجماعة المسجّلة نفسها أنها الجماعة القانونية، وأن الجماعة السابقة لم تعد قانونية، ثم أعلنت مبادرة زمزم بدعم وتنسيق مع الجماعة "المسجلة"، نيّتها تشكيل حزب سياسي جديد.
وفي خضم هذه الأزمة التي نشأت بسبب عملية التسجيل أو التصحيح القانوني للجماعة، تشكّل تيار إخواني لم يجد نفسه مع الإخوان السابقين ولا الإخوان الجدد، وأطلقت الصحافة على هذا التيار اسم الحكماء، لكنه أعلن عن نفسه أخيراً باسم "مبادرة الشراكة والإنقاذ"، وأعلن في اجتماع تأسيسي حضره حوالي ثلاثمائة من أعضاء الإخوان وقياداتهم، عن التحضير لحزب سياسي جديد، حسبما كشف الناطق الإعلامي باسم لجنة المتابعة للمبادرة خالد حسنين الذي قال لموقع "العين": "نحن الآن بصدد إعداد دراسة معمقة حول مدى نجاح إنشاء حزب سياسي وطني في الأردن، ويعمل على الدراسة مجموعة من الخبراء، ونأمل أن تجهز خلال الأشهر القليلة القادمة، وبناء على تلك الدراسة سيكون القرار".
ونفى حسنين أن يكون هدف الحزب الجديد "تفكيك حزب جبهة العمل الإسلامي، ولا تفكيك جماعة الإخوان"، مؤكداً "نحن حريصون على عضويتنا في الجماعة، وحصر الخلاف مع حزب جبهة العمل الإسلامي، نتيجة السلوك القيادي غير المقبول، بدءاً من الانتخابات الأخيرة وصولاً إلى رفضهم مبادرة الشراكة والإنقاذ".
ويتوقع غرايبة، في ضوء هذه التحولات المتسارعة، أن تواجه الجماعة استحقاقات قادمة سياسية وقانونية وتنظيمية، إذ يفترض أن تُجرى انتخابات تنظيمية لجماعة الإخوان في موعد أقصاه 30 إبريل/ نيسان 2016، وإذا لم تجر هذه الانتخابات في موعدها المستحق، فإنّ قيادة الجماعة التي انتخبت في 2012 تصبح قانونياً منتهية الصلاحية.
كما بدأت الاستعدادات الأردنية الفردية والجماعية للانتخابات النيابية القادمة والمتوقع إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري، "وربما تفضل الحكومة أو تخطط أن يخوض الإسلاميون الانتخابات القادمة في مجموعات عدة متنافسة إن لم تفشل بعضها بعضاً فإنّ المقاعد النيابية التي يحصل عليها المرشحون بفضل الاتجاهات الدينية القائمة ستتوزعها مجموعات وكتل عدة متنافسة فيما بينها"، فيما يرجح أن "السلطة السياسية تخطط لانتخابات قادمة تكون فيها حصة جماعات الإخوان والإسلاميين ضئيلة أو غير مؤثرة".
وبسؤاله إن كانت هذه التحوّلات والانقسامات ستؤثر على التماسك الاجتماعي الداخلي في الأردن، أم أنها ستعمق الخلافات المستترة، وهل ينتهي دور الجماعة التوحيدي بين المكونات الاجتماعية الأردنية، أجاب الغرايبة وهو صاحب كتاب "جماعة الإخوان المسلمين في الأردن 1946-1996" بأنّ هذه "مخاوف قائمة وتزداد حضوراً مع الأزمات والصراعات القائمة في الشرق العربي".
وتابع: "ولكنّ الجماعة لم تعد عاملاً موحداً أو ركناً في التماسك الاجتماعي، كما كانت توصف من قبل، وشهدت انقساماً داخلياً على أسس المكونات الاجتماعية والخلاف الكبير والتاريخي في الأولويات الوطنية، بل وأصبحت الجماعة حالة توتر وانقسام ربما يزيد عما هو عليه في المجتمع، أو في التشكّلات الاجتماعية غير الإخوانية".
ويُفصح الأسمر عن هذا الانقسام الذي أشار إليه غرايبة، فيعتبره جزءاً من "العنصرية والإقليمية" التي جرى تضخيمها "منذ انتخاب همام سعيد (الفلسطيني) مراقباً عاماً لجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن تداعيات ومفاعيل علاقة الإخوان بحركة حماس" وقد ساعد ذلك كله في تفجير "الجماعة" من الداخل وتصدّعها، "ناهيك عن التدخلات الأمنية واستهداف الجماعة لشقها وإضعافها".
وفي نظر الوزير والسفير والبرلماني الأردني السابق محمد داودية، فإنّ أزمة "الإخوان" بنيوية أكثر منها سياسية أو تكتيكية، فالجماعة كما يقول لـ"العين" ومنذ تأسيسها في مارس/ آذار 1928 "تناضل نضالاً عبثياً دؤوباً طويل الأجل، من أجل تحقيق أهدافها المستحيلة المتمثلة في إقامة دولة إسلامية والوصول الى الحكم، وذلك لعدم توفر مقوّمات الدولة الإسلامية".
وأضاف أن "الجماعة وصلت إلى الحكم في غزة على منصات فساد قيادات في حركة فتح، فترتب على وصولهم شقّ الشعب الفلسطيني، وإضعاف موقفه الكفاحي والتفاوضي، وتعدّد مرجعياته، وشكلت نموذج دولة مسخاً لا يُغري بالتقليد أو التأييد. ووصلت الجماعة إلى السلطة في مصر على دماء الربيع العربي، وكان أداؤهم ساذجاً إقصائياً مغالِباً ففشلت التجربة".
ويعتقد داودية، الذي يرأس حالياً "مجموعة الحوار الوطني"، أنّ "أهداف الجماعة غير قابلة للتحقق، وفيها عبث".
ويسوّغ رأيه هذا بالقول إن "جماعة الاخوان المسلمين التي ترفع شعارات الإصلاح تعاني- كالأنظمة السياسية العربية- من جمود وعجز عن التجديد وفشل في إصلاح محركاتها، لازمها منذ عقود".
ويتابع الوزير الأردني السابق: "أسفرت التحرّكات الاحتجاجية في الجماعة عن (المبادرة الأردنية للبناء- زمزم) التي قادها إرحيّل الغرايبة، ونبيل الكوفحي، ومحمود الدقور، وأحمد القرالة، وتبعتها الحركة الحلولية الانقلابية التي قادها المرشد السابق عبد المجيد الذنيبات، وشرف القضاة، وخليل عسكر، وجميل الدهيسات، بدعم رسمي كامل وإسناد معلن. وبرز وسط هؤلاء تيار الحكماء التوفيقي الإصلاحي الذي قاده الآباء إسحق الفرحان، وعبد اللطيف عربيات، وحمزة منصور".
وعن مخاطر تفكّك "الإخوان" قال داودية إن ذلك "وارد، ويزيد من خطورة التفكك أن يعزف شباب الجماعة ويتمرّدوا ويشبّوا على القيادات الهرمة المتصارعة التي مزّقت الجماعة، وقادتها للانفراط ويصبحوا بلا رأس وبلا مرشد".
إنّ حل التقسيم والإنهاك، بدل حل "الحل"، الذي اختاره مركز القرار الأردني، هو "أسلوب مختلف عن الحلول التي لجأت إليها الدول العربية، ويعبر نجاح هذا الاجتهاد عن الاقتدار والسيطرة ودرجة النفاذ والتغلغل في جسم جماعة الاخوان المسلمين في الأردن" كما يرى داودية الذي وصف حال "الجماعة" بأنه "جسم عجوز متصدّع عالجه مركز قرار مهيمن".
aXA6IDE4LjE5MS4yNy43OCA= جزيرة ام اند امز