"العائد" الفائز الأكبر في "غولدن غلوب"..استعادة الـ"وسترن" عبر لغة سينمائية آسرة
دي كابريو، ومات دايمون، وجنيفر لورانس، وبري لارسون الأفضل تمثيلًا
أعلنت جوائز "غولدن غلوب"، وتوَّج "العائد" لأليخاندرو إيناريتو بـ 3 منها ليكون الفائز الأبرز، وتلاه "المريخي" الفائز بجائزتين.
توصف جوائز "الكرة الذهبية" (Golden Globes) بأنها التقديم الرسمي لجوائز "أوسكار" اللاحقة بها بعد 48 يومًا، فالأولى، التي تمنحها "جمعية الصحافيين الأجانب في هوليوود" سنويًا منذ 73 دورة، ترسم معادلات أساسية في مسار الأفلام الأميركية المُنتجة في العام السابق. والثانية، التي توزّعها "أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية" سنويًا أيضًا منذ 88 دورة، تجعل الفائزين بها في مقدّمة المشهد الدولي، وتساهم في الترويج الجماهيري لأفلامهم الجديدة.
مساء 10 يناير 2016 (بتوقيت لوس أنجلوس)، أعلنت جوائز الدورة الأخيرة لـ "غولدن غلوب" السينمائية، وتوَّج "العائد" لأليخاندرو غونزاليس إيناريتو بـ 3 منها (من أصل 4 ترشيحات): أفضل فيلم درامي، وأفضل إخراج، وأفضل ممثل في فيلم درامي لليوناردو دي كابريو (الترشيح الرابع في فئة أفضل موسيقى لليابانيّ رويتشي سكاموتو). جوائز "العائد" جاءت على حساب فيلم "كارول" الذي لم ينل أي من الجوائز التي رُشح لها.
العنوان الإنكليزي للفيلم (The Revenant) يحمل معنى أعمق من مجرّد "العائد"، إذ تقول ترجمته العربية، إنه "العائد من الموت". والفيلم المأخوذ من كتاب "العائد: قصّة عائد من الموت" لمايكل بونك، مستوحى أيضًا من فيلم قديم، يُحقّقه الأميركي ريتشارد سي، سارافيان في العام 1971 بعنوان "رجل في البرّية".
منذ بداية عرضه التجاري في 25 ديسمبر 2015، يُحقّق "العائد" إيرادات أمريكية ودولية تساوي 59 مليونًا و756 ألفًا و901 دولار أمريكي (في مقابل ميزانية تبلغ 135 مليون دولار أمريكي) لغاية 10 يناير 2016، موعد فوزه بجوائز "جمعية الصحافيين الأجانب".
فيلم قاسٍ بحكايته، المروية في زمن قديم داخل أمريكا وحشية، وبديع بلغته السينمائية المنفتحة على إيقاع إيناريتو المعروف بسرده الهادئ قصصًا مليئة بغليان ذات وروح وبيئات، وهو غليان يؤدّي إلى اشتعال غضب، أو إلى احتدام صدام، أو إلى تمزّق هاتين الذات والروح.
صائد فراء (دي كابريو) يسرد، بعينيه وحركته الجسدية ونُطقه النابع من أعماق الخراب إلى أقصى انهيار، مجريات أحداث تُفكّك مكامن الخلل من دون إصلاحه، وتعمل على نبش مكنونات المرء من دون رغبة في إنقاذه (أو ربما يتمّ النبش مع عجز عن الإنقاذ أيضًا) فالنصّ (156 دقيقة) معقود على تشعّبات ومتاهات ودهاليز تضع الجميع أمام ذواتهم، وتفتح لهم نوافذ لمحاولة استعادة أمل النجاة من خراب البيئة والدنيا والحياة.
غير أن الـ "غولدن غلوب" مثيرة لسؤال الترتيب المعتَمَد في توزيع جوائزها؛ إذ كيف يُعقل تخصيص بعضها بفئة واحدة فقط (أفضل إخراج، أفضل سيناريو، أفضل ممثل/ ممثلة في دور ثانٍ مثلًا)، في حين أن هناك جوائز موزّعة على فئتين اثنتين (أفضل ممثل/ ممثلة في دور درامي، أفضل ممثل/ ممثلة في دور كوميدي). مع هذا، وفي احتفال قدِّمه الكوميدي البريطاني ريكي جيرفي للمرة الرابعة في تاريخ الجوائز (بعد دورات الأعوام 2010 و2011 و2012)، ومبثوثٌ عبر شاشة المحطة التلفزيونية الأميركية NBC.
تابع ملايين المشاهدين وقائع حيّة لتكريمٍ تريده "جمعية الصحافيين الأجانب في هوليوود" نوعًا من قراءة نقدية جماهيرية لنتاجات حديثة؛ إذْ يحاول أعضاؤها إيجاد توازن بين حيوية اللغة السينمائية ومدى جماهيرية العمل البصريّ، من دون إخضاع الأخير لمزاجية جماهيرية بحتة.
المزاجية الجماهيرية كامنةٌ في الجانب التلفزيوني للجوائز، فالجمعية نفسها تمنح جوائز "الكرة الذهبية" لأعمال تلفزيونية أيضًا، تلقى نجاحًا شعبيًا لا شكّ في أنه يبقى أكبر وأهمّ من نجاح فيلم سينمائيّ على المستوى الجماهيري، فـ "العائد" لن يكون شعبيًّا، جماهيريًا لانغماسه في بؤر حسّاسة داخل العلاقات الإنسانية، كما في أعماق الذات والروح، هذا ينسحب على بعض العناوين السينمائية الفائزة، كـ "المريخيّ" لريدلي سكوت، الذي ينال جائزتي أفضل فيلم كوميدي وأفضل ممثل في فيلم كوميدي/ كوميدي موسيقيّ لمات دايمون. بالإضافة إلى "ستيف جوبز" لداني بويل، الحائز بدوره على جائزتين اثنتين في فئتي أفضل سيناريو لآرون سوركين، وأفضل ممثلة في دور ثان لكايت وينسليت، بينما يُمنح سيلفستر ستالون جائزة أفضل ممثل ثانٍ عن دوره في "كريد" لراين كووغلر، الذي يحمل عنوانًا ثانيًا هو "ميراث روكي بالبوا"، إذْ يروي الفيلم حكاية الشاب أدونيس جونسن كريد (مايكل ب. جوردان)، الذي لم يعرف والده الملاكم أبّولو كريد (يتوفى قبل ولادته بقليل)، فيرغب في اكتشاف تاريخه، ما يؤدّي به إلى لقاء روكي بالبوا (ستالون) الذي يواجهه ذات زمن بعيد في فيلادلفيا.
"ستيف جوبز" يستعيد 3 محطات أساسية في حياة صانع الكمبيوتر ومشتقاته، هي عمليًا 3 صناعات جديدة: "ماكنتوش 128K"، و NeXT Computer، و ImAC. محطات مفتوحة على قراءة دقيقة لشخصية جوبز نفسه، ولبنائها النفسي والروحي، كما على مسارٍ تكنولوجيّ ذاهبٍ حينها إلى أقصى تحدّيات ممكنة في صناعة كلّ جديد غير متوقّع. ومع أن نقّادًا عديدين لم يستسيغوا النسخة السينمائية هذه عن لحظات مصيرية في سيرة جوبز، إلاّ أن الفيلم ينتزع جائزتين اثنتين، تمامًا كما أنهم لم يستسيغوا "المريخيّ" المنتزع، هو أيضًا جائزتين اثنتين: رائد فضاء يجد نفسه وحيدًا على كوكب المريخ، فيعاند كلّ شيء حوله للانتصار للحياة، وسط فراغ مدوٍّ.
في التمثيل النسائي، تفوز جينيفر لورنس بجائزة أفضل ممثلة في فيلم كوميدي/ كوميدي موسيقيّ عن دورها في "جوي" لديفيد أو. راسّل، وبري لارسن بالجائزة نفسها في فيلم درامي عن دورها في "غرفة" لليني أبراهامسون، الأول عن امرأة تخترع ممسحة تعمل بذاتها، من خلال سرد مسار حياة يومية في "ماساتوشستس" الأميركية في ثمانينيات القرن الـ 20، ومصائر أناس قابعين في عوالم ضيّقة ومحاصرة بلا شيء تقريبًا، والثاني عن أمّ تجد نفسها في غرفة من دون نوافذ مع ابنها (5 أعوام)، إذْ يسجنها رجلٌ قبل ولادة الابن بعامين، حيث تتولّى هي تربية صبيّ يتفتّح على عوالم سحرية وغامضة، ولا يُدرك شيئًا عن العالم الخارجي.
النمط السينمائيّ الآيل إلى أفولٍ منذ سنين بعيدة، والمعروف باسم الـ "وسترن" (أو "أفلام الغرب الأمريكي"، أو "أفلام رعاة البقر")، يستعيد بهاءه وجمالياته البصرية والإنسانية والفنية ليس فقط بفضل البراعة الإبداعية للمكسيكيّ أليخاندرو غونزاليس إيناريتو ورائعته "العائد"، بل أيضًا عبر "جنون" الأميركي المشاغب والمتمرّد كوانتين تارانتينو، و"الأوغاد الثمانية"، الفائز بـ "غولدن غلوب" واحدة في فئة أفضل موسيقى ينالها الإيطالي إِينّيو مورّيكوني (1928)، أحد أبرز مؤلّفي موسيقى أفلام الـ "وسترن" القديمة. تارانتينو لا يُضيّع بوصلته، فاختياره الـ "وسترن" العابق بغرائبية اشتغالاته وسحرها، لن يبقى أسير تقليد عابر؛ لأنه يُضمّن شريطه (تدور أحداثه في مكان وزمان محدّدين) إسقاطات تتناول العنصرية والراهن السياسيّ في الولايات المتحدّة الأمريكية.
أما أفضل فيلم أجنبي فهو "ابن شاول" للهنغاريّ لازلو نيميس (يمكن الإطلاع على قراءة الفيلم في موقع "العين"، 7 نوفمبر 2015)، الذي يُعيد طرح سؤال سينما المحرقة عبر لغة سينمائية شفّافة ورائعة وقاسية، من دون تصوير مباشر لهول الجريمة، مكتفيًا بعينيّ الشخصية الرئيسية التي تنقل وقائع ما يجري حولها أثناء بحثها عن كيفية دفن صبيّ مراهق بطريقة دينية يهودية شرعية.
الشاشة الفضية
كما هو معروف، تنقسم جوائز "غولدن غلوب" إلى فئتين منفصلتين - هما جوائز أفلام الدراما وجوائز الأفلام الكوميدية أو الموسيقية، هكذا فاز مسلسل "موتسارت إن ذا جانجل" ، الذي أنتجته شركة أمازون، بجائزة أفضل مسلسل تلفزيوني كوميدي علاوة على جائزة أفضل ممثل في مسلسل كوميدي، والتي حصل عليها جايل جارسيا برنال.
ونال مسلسل "مستر روبت"، الذي انتجته شبكة (يو إس ايه)، جائزة أفضل مسلسل درامي، وجائزة أفضل ممثل مساعد في مسلسل درامي والتي حصدها النجم كريستيان سلاتر.
وفاز الممثل جون هام بجائزة أفضل ممثل في مسلسل تلفزيوني درامي عن دوره في مسلسل "ماد مين"، لكنها المرة الثانية التي يفوز فيها، كما أنه الترشيح السادس للمسلسل الذي أذيعت آخر حلقاته في مايو 2015. بدروها فازت نجمة موسيقى البوب ليدي غاغا بجائزة "غولدن غلوب" أفضل ممثلة مساعدة في فيلم تلفزيوني أو مسلسل قصير عن دورها في مسلسل الرعب "أمريكان هورور ستوري: اوتيل".
ينتهي الاحتفاء السينمائي بـ "غولدن غلوب"، ويبدأ انتظار "أوسكار" (28 فبراير 2016) ونتائجه، إنها بداية موسم الجوائز السينمائية الدولية، التي يبقى "أوسكار" أكثرها انتظارًا وشعبيةً وحيويةً.