السلاح والهجرة والعنصرية.. إرث أوباما الثقيل لخليفته
انكماش الاقتصاد مأزق القاطن الجديد للبيت الأبيض
السلاح والهجرة والعنصرية إرث أوباما الثقيل للرئيس المقبل الذي سيواجه أيضًا مأزق انكماش الاقتصاد الأمريكي
يأتي خطاب الاتحاد الأخير للرئيس الأمريكي باراك أوباما في توقيت حرج من حيث التحولات الداخلية، والتحديات الخارجية للولايات المتحدة.
ففي حين أن أوباما قد ركز في خطابه على الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية في أثناء فترة رئاسته، إلا أن هناك تحديات عدة تواجه رئيس أمريكا الحالي، والقادم أيضا.
ومن أبرز هذه التحديات قضية السلاح المنتشر في عدة ولايات، ومشكلة القتل العرقي من قبل الشرطة، التي أصبحت قضية شائكة تفجرت في عدة مدن مختلفة في الولايات المتحدة، إضافة الى الركود الاقتصادي طويل المدى الذي يمحو أي إنجازات لأوباما، لذا.. يطرح سؤال مهم على الساحة الأمريكية: هل عمل أوباما على تغيير أمريكا إلى الأفضل؟ أم أن المشاكل التي تعصف بها داخليا وخارجيا ستصبح تركة ثقيلة لمن سيتولى الراية من بعده؟
يعتبر باراك أوباما أول رئيس يقر تعديلات واسعة وتحويلية، إضافة إلى أنه أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية.. أبرز إنجازاته في الفترة الرئاسية هي إصلاح نظام الرعاية الصحية، وإقرار الحوافز المالية في سنة 2009 التي ساعدت في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي، وخلق أكثر من 14 مليون وظيفة التي تم إنشاؤها في امتداد 70 شهرًا من النمو، ثم هناك الإصلاحات الضريبة التصاعدية والتقدم المحرز في شئون تغير المناخ، إضافة إلى الاتفاق النووي مع إيران، والانتقال إلى تطبيع العلاقات مع كوبا، وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق.
لكن في الفترة نفسها، التي يتغنى الكثير من مؤيدي أوباما بأنها اعظم فترة رئاسية مرت على أمريكا، تفاقمت عدة مشاكل هزت المجتمع الأمريكي ولا تزال تؤثر فيه، فقضية انتشار السلاح وجرائم القتل في مختلف الولايات في أمريكا من أكثر القضايا التي تؤثر على مختلف قطاعات أمريكا الاجتماعية والاقتصادية؛ حيث قدمت صحيفة الجارديان البريطانية بحثًا عن كم الجرائم المنوطة بالسلاح خلال 1066 يومًا (الفترة بين 2012 و2015)، ووصلت إلى أن هناك أكثر من 1052 حادثة إطلاق نار حدثت في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة، أدت إلى مقتل 1347 وجرح 3817 شخصًا.
مشكلة السلاح الأمريكية عويصة ومتغلغلة، بالذات في الولايات الجنوبية؛ حيث إن الأسلحة النارية هي ثاني سبب رئيسي للوفاة (بعد حوادث السيارات) للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15- 19 عاما في الولايات المتحدة، إضافة إلى أن تكلفة العلاج الطبي، وإجراءات العدالة الجنائية، والاحتياطات الأمنية الجديدة تكلف 100 مليار دولار سنويا، وتقدر التكلفة الطبية لجميع ضحايا العنف المسلح وحدهم في الولايات المتحدة 2.3 مليار دولار، أي ما يقرب من نصف التكاليف التي يتحملها دافعو الضرائب، لذا فمهما عمل رئيس الولايات المتحدة، سواء الحالي أو القادم، من إصلاحات في نظام الضرائب فلا تزال مشكلة السلاح تنخر في عصب الاقتصاد الأمريكي.
هناك 43 ولاية في أمريكا تسمح بحمل السلاح، و17 ولاية منها تجبر حامل السلاح أن يكون مرخصًا، لذلك أصبحت قواعد التعامل بالنسبة للشرطة الأمريكية أكثر حزمًا؛ حيث مع الشعور بأي تهديد تجاه أي شخص يتم التعامل بما تسميه الشرطة "القوة المميتة"، وكانت تلك القواعد سببًا في قيام الشرطة بقتل المئات من الأمريكيين من ذوى الأصول الإفريقية في الكثير من الولايات الأمريكية، وتقدر منظمة Black Lives Matter، المنوطة برصد انتهاكات الشرطة للمواطنين من ذوي الأصول الإفريقية، عدد القتلى على يد الشرطة وحدها 776 شخصًا تركزت أعمارهم بين 15 إلى 25 عامًا خلال سنة 2015، وكشفت أن 161 حالة منهم لم تكن مسلحة، وكانت تحدث بسبب اشتباه الشرطة في وجود سلاح معهم.
وقد فجرت تلك الحوادث غضبًا كبيرًا في وسط المجتمع الأمريكي؛ حيث يشكل المواطنون من أصول إفريقية 20% من السكان، بواقع 41.7 مليون شخص، لكن الشرطة في مختلف الولايات تعاني من سقوط قتلى في صفوفها أيضا؛ حيث ارتفعت النسبة المحلية إلى 24 شرطيًّا في الشهر، التي تعد الأعلى خلال المئة سنة الماضية.
وبرزت أزمة ولاية أوريغون الأمريكية لتضفي بعدًا آخر على عدم قدرة أوباما في السيطرة على مشكلة انتشار السلاح؛ حيث انتشار المليشيات في المقاطعات الزراعية وتهديدها المباني الفدرالية في عدد من المقاطعات أصبح مشهدًا مألوفًا على شاشات الكثير من القنوات الإخبارية الأمريكية.
في حين أن هناك عددًا من القضايا، التي يعتبرها الكثير من مؤيدي أوباما ناجحة، لا تزال في خطاها الأولى؛ أبرز تلك القضايا هي مشروع أوباما-كير لتعميم الخدمات الصحية، التي لم تنجح تماما في تغطية جميع الأمريكيين، نظرًا للمشاكل مع شركات التأمين الأمريكية والمستشفيات الخاصة.
ومشكلة الهجرة، التي كانت سببًا في الانقسام السياسي والاجتماعي في الداخل الأمريكي، لعدم وضوح المعالم والقوانين الخاصة بها، بالذات أن لها بعدًا عنصريًّا برز مع مشكلة اللاجئين السوريين مؤخرًا.
ومشكلة الجنود العائدين الذين رجعوا دون وظائف أو معاشات تكفيهم؛ حيث يشكل الجنود السابقون 66% من إجمالي المشردين في الولايات المتحدة وفقا لعدة منظمات للمجتمع المدني.
أوباما أكد -في خطابه الأخير- أن المشاكل الاقتصادية تم حلها بشكل كبير، إلا أن الكثير من الخبراء في وال ستريت وعددًا من المنظمات الاقتصادية الأمريكية أكدوا أن الولايات المتحدة قد دخلت في مرحلة ركود اقتصادي طويل المدى بسبب التغيرات المتلاحقة للاقتصاد الأمريكي.
وعلى الرغم من أن أوباما قد أكد خلق أكثر من 14 مليون وظيفة خلال فترة رئاسته، إلا أن ذلك لم يمنع اعترافه بالتغيرات الاقتصادية التي لم تعد تعطي حقوق العمال بشكل كامل، لما وصفه "بقابلية ميكنة أي عمل الآن للتطور التكنولوجي".
وفي النهاية، يضع ميراث أوباما الأمريكيين في مآزق التردي الاقتصادي البطيء، وانتشار السلاح وعنف الشرطة، لذا ستكون مهمة الرئيس القادم لأمريكا صعبة جدا، خصوصا مع المتغيرات الكثيرة، وحالة عدم الرضا التي يواجهها الأمريكيون سياسيا واقتصاديا، التي تؤثر عليهم بالتبعية اجتماعيا؛ حيث وعود أوباما في خطابه الأخير حول محاولة ضبط الأمور ليست سوى لتلميع صورته قبل الخروج، إلى الأبد، من منصب الرئاسة، لذا، فالمتوقع أن الحالة الداخلية الأمريكية ستتدهور إن لم توضع خطة شاملة حقيقية رأب الصدع الاقتصادي والاجتماعي الذي خلفه من سبقوا أوباما بحروبهم المتوالية.
aXA6IDMuMTUuMTIuOTUg جزيرة ام اند امز