متطرفون يحرقون "مؤسسة السعيد" في اليمن.. الثقافة اليمنية على فوهة مدفع
أقدم مسلحون متطرفون على إحراق "مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة" أكبر مؤسسة ثقافية في اليمن تتبع القطاع الخاص.
يعيش المشهد الثقافي اليمني أزمة حقيقية منذ انقلاب المتمردين الحوثيين والمخلوع صالح على الدولة في سبتمبر 2014، وبرزت ملامح الأزمة التي يعيشها المشهد الثقافي في غياب الفعل الثقافي المستمر بسبب الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تمر به البلاد المختطفة من قبل جماعات مسلحة لا تؤمن بالثقافة ودور المثقف في تنوير المجتمع، وكذا تدمير ونهب المعالم التاريخية والاعتداء على المؤسسات الثقافية والمثقفين.
وأقدم مسلحون متطرفون على إحراق "مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة" أكبر مؤسسة ثقافية في اليمن تتبع القطاع الخاص، وتقع بعاصمة الثقافة مدينة تعز اليمنية حينما أضرموا النيران فيها.
وقال مسؤول في المؤسسة لبوابة "العين" الإخبارية: إن مسلحين أقدموا على إحراق مؤسسة السعيد للثقافة والعلوم في محافظة تعز، التي كانت تعني بالثقافة والمثقفين والأدباء.
وفيما تشير مصادر إلى أن الحريق التهم الطابق الأخير الذي يحوي قاعات التدريب ومركز تعليم الحاسوب.. وتوضح مصادر أخرى وصور بأن الحريق التهم محتويات المؤسسة بما تحويه طوابقها من كتب متنوعة تتعدى قيمتها المادية المليار ريال (خمسة مليون دولار)، ناهيك عن قيمتها المعرفية التي لا تقدر بثمن.
وكشفت مصادر خاصة في المؤسسة أن المخطوطات الأثرية والعملات النقدية تم إخراجها من المؤسسة قبيل شهر مايو 2015 قبل حدوث عملية إحراق أولية تعرضت لها المؤسسة.
وأوضحت المصادر أن المعمل الخاص بالأسر المنتجة أصبح أثرًا بعد عين؛ حيث التهمت النيران ما تبقى من الأثاث فيما ماكينات المعمل تعرضت للسرقة في مايو الماضي.
وأوضح مدير عام مؤسسة السعيد فيصل سعيد فارع، أن حريقًا شب في الدور الثالث من مبنى المؤسسة وتحديدًا في صالة منتدى السعيد المعرفي ألحق أضرارًا فادحة بمكوناته المختلفة، ونفى فارع معرفته على وجه الدقة حتى اللحظة بحجم الأضرار التفصيلية، وما إن كان ذلك ناجمًا عن حريق داخلي أم نتيجة تعرض المبنى لقذائف.
وقال: "لم يصلنا بهذا الصدد معلومات رسمية من الإدارة العامة لمجموعة هائل سعيد؛ حيث هي الجهة المخولة بالتحقق من ذلك وإعلانه، وعلى كل هي كارثة بكل المقاييس، وتدمير لمكان ذي دلالة رمزية في تعز بحضوره ودوره المهم خلال عقد ونصف من الزمن، ولمساهمة طيف واسع من العلماء والمثقفين والمبدعين اليمنيين والعرب والأجانب فيه، بما شكله كل ذلك من تراكم لتقاليد حوار راقية ومسؤولة ولقيم وثروة معرفية لا تقدر بثمن.. من المؤسف أن تتعرض لهذا التدمير الفاجع".
وتعد مؤسسة السعيد من أبرز المؤسسات الثقافية في اليمن، بل أندرها منذ افتتاحها في عام 1993، وحسب المعلومات تحوي مكتبة المؤسسة ما يربو عن 300 ألف كتاب، وتعد السعيد من أكبر المؤسسات الثقافية في الوطن العربي.
ودأبت مجموعة هائل سعيد على إثراء المؤسسة بكل جديد من العلوم المعرفية بشتى أنواعها، ولم يترك مديرها العام الكاتب والخبير الاقتصادي فيصل سعيد فارع معرضًا للكتاب إلا وشارك فيه، مقتنيًا ما ينقص المكتبة، حتى أصبحت منارة ثقافية تزهو بها تعز، لكن حماة الظلام أبوا إلا أن تغلق هذه المنارة أبوابها.
أحفاد المغول
وعلق مدير عام المؤسسة فيصل سعيد فارع على حادثة إحراق المؤسسة بالقول: "في هذا الزمن الرديء حتى قلعة الثقافة ورمز تعز لم تسلم من حرق المكتبة، لم يفكر كم كتاب ومرجع ديني وفرته المؤسسة لكل من يرغب في الاطلاع".
وأضاف -في منشور له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"-: "يقيني أن هؤلاء ليسوا سوى أحفاد المغول الذين أحرقوا دار الحكمة في بغداد، ولكن الزمن تغير والرجال غير الرجال، فلن يمروا بفعلتهم، فقد بلغ السيل الزبى؛ حيث أراقوا الدماء وسفكوا الحبر الذي نسج الفكر الإنساني، ولا أجانب الصواب إن قلت إن شمس الحرية والكرامة قد أشرقت ولن تغيب حتى يرث الله ومن عليها".
السعيد الرائدة
ومؤسسة السعيد للثقافة والعلوم مؤسسة علمية وثقافية يمنية تأسست في عام 1996 في تعز، بقرار من مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاه تكريمًا لذكرى المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم، لما قدمه من خدمات لمجتمعه في الميدان التنموي بصورة عامة وفي المجال الخيري بصورة خاصة، انطلاقاً من حسه الوطني والقومي وتجسيدًا لأمانيه في تطوير العلوم والثقافة والتكنولوجيا في بلاده اليمن والوطن العربي.
وتعني المؤسسة بتشجيع البحث العلمي الجاد وتنشيطه، شريطة أن يؤدي إلى زيادة المعرفة، وأن يكون ذا فائدة عملية، والإسهام في تخريج وتطوير جيل من العلماء والخبراء والمتخصصين في ميادين العلوم الطبيعية الأساسية والتطبيقية والتكنولوجية والتنموية، والسعي لتنظيم المسابقات والتجارب العلمية المبتكرة أو المطورة، وتقديم جوائز للبحوث الفائزة في المجالات التي تتفق وأهداف المؤسسة، كما تهدف إلى دعم وتنشيط الحركة الثقافية والإبداعية والمساهمة في ترسيخ المفاهيم الثقافية النبيلة والسعي المثابر لتوطيد العلاقات مع المؤسسات الثقافية الأخرى ضمن هذا الإطار.
تدمير وتغييب
وتعاني معالم اليمن التاريخية من التدمير والنهب والإهمال نتيجة الحرب؛ حيث تعرض أكثر من 25 من المعالم الأثرية لأضرار بالغة.
وأدى تصدع الأوضاع في اليمن إلى غياب شبه تام لدور المثقف في عملية السلم، أو حتى اقتراح حلول تؤدي إلى تلاحم الشرخ الاجتماعي الذي أصبح يتسع بشكل كبير منذ سيطرة المليشيات المسلحة على المدن والمحافظات.
ويؤكد مثقفون يمنيون أن الحراك الثقافي في بلادهم يعاني من تدهور غير مسبوق، مرجعين ذلك إلى "تكميم الحوثيين أفواه المبدعين، وتعطيل الجماعة دور الثقافة"، وأعربوا عن أسفهم لما وصفوه بانقسام بين الكتاب والأدباء اليمنيين نتيجة الصراعات الراهنة، مشيرين إلى أن "الغالبية ترفض مشروع الحوثي الطائفي الفاشي، بينما هناك قلة قليلة تؤيد هذا المشروع وتبرر تصرفاته واعتداءاته".
تصاعد الانتهاكات
ومنذ انقلاب الحوثيين والمخلوع صالح على الدولة تصاعدت الانتهاكات بحق مثقفي اليمن الذين تعرضوا للقتل والاعتقال والاختفاء القسري بصورة مباشرة وممنهجة، وكشف تقرير صادر عن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة من 21 سبتمبر 2014 حتى 15 أغسطس 2015، حصلت بوابة العين الإخباري على نسخة منه، عن استهداف حقيقي ومتعمد بحق المثقفين والإعلاميين والكتاب والناشطين السياسيين والحقوقيين بصورة مباشرة منذ انقلاب المليشيات التي قوضت أركان الدولة.
ووثق التقرير انتهاكات في هذا الجانب لـ 5894 شخصًا معظمهم من مثقفي اليمن، الذين عبروا عن رفضهم لسياسة الهمجية والهدم المجتمعي الذي تمارسه المليشيات الحوثية وحلفاؤهم من أتباع المخلوع صالح، انتهاكات وصلت إلى الحق في الحياة والحق في الحماية من الاعتقال التعسفي والإخفاء والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وإنكار الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي.
عام الانهيار
ويصف مثقفون عام 2015 بأنه رحل مخلفًا سحابة داكنة في سماء المشهد الثقافي اليمني، الذي أنهكته الحرب والصراعات وقطعت أوصاله وحولته إلى وسيلة سهلة للاستقطابات السياسية.
كان عام 2015 هو الأسوأ في تاريخ الثقافة اليمنية، حسب تعبير مثقفين يمنيين، وصفوه بالأشد قسوة مما كان ينتظر منه على الصعيد الثقافي.. لا فعاليات ولا مهرجانات ولا معارض للكتب، كما توقف النزر اليسير من الإصدارات الأدبية الخاصة التي كانت تنير ظلمة الرواق الثقافي اليمني الذي أخذ يغرق في العتمة شيئا فشيئا، كنتيجة للحرب والصراعات السياسية التي أطلت برأسها في السنوات الأخيرة، وكانت الثقافة والأدب أيسر ما أخذته في طريقها نحو المجهول، وتصاعد مسلسل الانهيار الذي لحق كل مقومات الثقافة اليمنية.
aXA6IDMuMTQyLjIxMi4xNTMg جزيرة ام اند امز