رفع العقوبات عن إيران .. "دول القانون" تكافئ "الخارجين عن القانون"
على وقع تغذية الحروب، ودعم الميليشيات، وانتهاكات دول الجوار، منح الغرب مكافأة ثمينة لطهران برفع العقوبات عنها.
على وقع التهديدات وتغذية الحروب، ودعم الميليشيات المسلحة، وانتهاكات دول الجوار، تمنح الولايات المتحدة ودولٌ أوروبية عديدة، مكافأة ثمينة لطهران من خلال دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، في إشارة إلى أن "دول القانون" تكافئ" الخارجين عن القانون".
فقد أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني، السبت في فيينا، أنّ المجتمع الدولي رفع كل العقوبات الاقتصادية المرتبطة بالبرنامج النووي لطهران، وذلك تنفيذًا للاتفاق النووي الذي وقع في 14 يوليو/ تموز الماضي.
وسيكون رفع العقوبات الدولية، التي تؤثر على اقتصاد إيران، البالغ عدد سكانها 77 مليون نسمة، تدريجيًّا ومراقبًا، على ما أفادت أنباء رأت في الخطوة "انعطافًا تاريخيًّا" عاطفة إياه على الإعلان عن إفراج متبادل عن مساجين في الولايات المتحدة وايران، وهي عملية غير مسبوقة بين البلدين اللذين قطعا علاقاتهما الدبلوماسية منذ 1980.
ويمثّل رفع العقوبات الدولية عن إيران عزمًا مشتركًا على إعادة الوصل بين إيران والغرب، ليس فقط خدمةً لشروط سوق الاستثمار، بل ترشيقًا لوظيفة إيران في لعب دور داخل استراتيجيات الغرب في الشرقين الأوسط والأدنى، على ما تذهب إليه الاستراتيجيات الأمريكية الجديدة خصوصًا، بحسب المحلل السياسي المقيم في لندن محمد قوّاس.
ويرى قواس في حديث لـ"بوابة العين" أن الغرب يكافئ إيران على انصياعها للإرادة الدولية والاستجابة لقرار مراقبة برنامجها الإيراني، "أمر كهذا لم يُقابل به نظام العقيد القذافي في ليبيا مثلًا، حين سلّم أسلحة الدمار الشامل، ذلك أن للغرب مصلحة في استخدام مواطن القوة الإيرانية بلدًا ونظامًا وموقعًا استراتيجيًّا، وهو أمر لم يكن يشكّل تلك الأهمية له بالنسبة لليبيا".
ويوضح أن "الغرب يعود لإعادة تفعيل الوظيفة الإيرانية بامتياز، إذ تمّ بنجاح تدجين البرنامج النووي الإيراني بما يؤجّل استقلاليته النووية، ويجعل إيران مطابقة لمواصفات لا تشكّل خطرًا استراتيجيًّا على إسرائيل".
وبالتالي –بحسب قواس– فقد "أضحى البلد قابلًا للدخول في منظومة مصالح دولية، طالما أن إيران لم تعد تمثّل نقيضًا استراتيجيًّا، وطالما أن أبواقها المعادية للغرب تعمل وفق تكتيكات، هي من عدّة الشغل المحلي والإقليمي".
وينظر الخبير الاستراتيجي عامر السبايلة إلى ما تحقق باعتباره "ثمرة لالتزام إيران وخضوعها فعليًّا للشروط التي فرضت عليها".
ويقول لـ"بوابة العين"، إن نظرة الغرب لإيران قد تغيّرت، حيث صار يتعامل معها باعتبارها "حليفًا مهمًّا في المنطقة"، وهو يعوّل على هذا الحليف من أجل ترجمة رؤيته وتحقيقها.
وبالتزامن مع رفع العقوبات الدولية عن إيران، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنّ "إسرائيل لن تسمح لإيران بحيازة سلاح نووي"، مشددًا على أنّ "إسرائيل ستواصل متابعة جميع الخروقات الدولية التي تقوم بها إيران، بما في ذلك خرق الاتفاق النووي، والاتفاق حول الصواريخ الباليستية وممارسة الإرهاب".
ولا تلقى تهديدات نتنياهو استياءً حقيقيًّا في أعماق التفكير البراغماتي الإيراني، ما يستدعي إلى الأذهان قضية "إيران جيت" التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان اتفاقًا مع إيران عام 1985، بوساطة إسرائيلية، لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجة إيران الماسة لأنواع متطورة منها أثناء حربها مع العراق، وذلك لقاء إطلاق سراح بعض الأمريكان الذين كانوا محتجزين في لبنان.
وتمثّل "إيران جيت" النموذج الصارخ لمرونة طهران الإسلامية و"الأعداء" الشياطين في التعاطي المتبادل في سبيل مصالح مشتركة، مهما كانت تلك المصالح خبيثة ومتناقضة مع الخطابين الرسميين الإيراني والغربي، كما يقول قواس.
وما يلفت في سياق التطورات المتواترة المتصلة بالملف النووي الإيراني، أنّ المزايا الإيرانية المعوّل عليها دوليًاّ تفقد نجاعتها داخل بيئة إقليمية معادية، وفق قواس الذي يرى أن طهران تفقد رشاقتها سواء في الموقف الباكستاني المرجّح للخيار السعودي، أو في الموقف الروسي المصادر لقرار طهران في سوريا، أو في وضعها العراقي المتآكل، أو في انهيار مزاجها في اليمن وفي تصاعد موقف عربي شبه شامل متضامن مع مواقف مجلس التعاون الخليجي.
وبهذا المعنى "لن تتمكَّن إيران من استثمار رفع العقوبات الدولية لتحسين موقعها الجيو-استراتيجي المحاصر، كما لن تتمكَّن الدوائر الدولية من الاستفادة من مفاعيل قوة إيرانية تضعف نجاعتها عضويًّا داخل حدائق الفعل الإيراني".
ويتوقع قواس أن يكون لرفع العقوبات عن إيران تداعيات مباشرة على الانتخابات الإيرانية المقبلة، فـ"من صناديق الاقتراع ستنكشف وجهة إيران المقبلة في فلسفة الحكم وهوية الحكام، ودورها المقبل".
aXA6IDE4LjExNy4xMDEuMjUwIA== جزيرة ام اند امز