السلطات التونسية أعلنت فرض حظر تجوال ليلي في كافة أنحاء البلاد إثر تصاعد الاحتجاجات التي شهدت عنف واعتداءات على الأملاك العامة والخاصة
أعلنت السلطات التونسية، اليوم الجمعة، حظر التجوال الليلي في كافة أنحاء البلاد إثر تصاعد الاحتجاجات، التي شهدت أعمال عنف واعتداءات على الأملاك العامة والخاصة.
وقالت وزارة الداخلية التونسية في بيان لها اليوم إن الحظر سيكون بين الساعتين 8 مساء و5 فجرا بالتوقيت المحلي (19 و5 بتوقيت جرينتش على الترتيب).
وأوضحت الوزارة أن هذا القرار يأتي "نظرا لما شهدته البلاد من اعتداءات على الأملاك العامة والخاصة وما بات يُشكله تواصل هذه الأعمال من مخاطر على أمن الوطن والمواطن".
وأضافت الوزارة أن "كل مخالفة لهذا القرار يتعرض مرتكبها إلى التبِعات القانونية اللازمة، فيما عدا الحالات الصحية المستعجلة وأصحاب العمل الليلي"، وأهابت بالمواطنين الالتزام بمقتضيات حظر التجول.
ويأتي هذا التطور بعد تدهور الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق في كامل البلاد، بعد أسبوع من الاحتجاجات الشبابية في عدة مدن داخلية رفعت شعارات ضد الحكومة وضد سياستها الاقتصادية والاجتماعية وضد الائتلاف الحزبي الحاكم بقيادة نداء تونس الذي يتزعمه الرئيس الباجي قائد السبسي وحزب النهضة (إسلامي التوجه) الذي يتزعمه راشد الغنوشي .
وتطورت احتجاجات الشباب العاطل عن العمل التي بدأت في المحافظات الفقيرة الحدودية مع الجزائر، مثل القصرين والكاف وجندوبة، إلى أعمال عنف ومواجهات مع قوات الأمن وممثلي الدولة شملت جلّ المدن السياحية الساحلية والعاصمة تونس وضواحيها الشعبية والراقية.
خطوط حمراء
واعتبر أغلب الساسة التونسيين أن كل "الخطوط الحمراء" تم تجاوزها بعد أن شملت الاحتجاجات وأعمال العنف والتحركات السياسية العاصمة تونس و"أخطر خزان للعاطلين والنازحين" حول العاصمة: حي التضامن وامتداداته الذي يسكنه حوالي 900 ألف شخص غالبيتهم من الفقراء والعاطلين عن العمل وذوي السوابق الجنائية وأنصار الجماعات السلفية .
في نفس الوقت صعّدت الأطراف السياسية والنقابية انتقاداتها للرئيس السبسي والحكومة وسط مطالبات بتشكيل "حكومة انقاذ وطني" من جهة، وبتنظيم انتخابات مبكرة من جهة ثانية.
وفي الوقت الذي راهنت فيه مؤسستا الرئاسة والحكومة وقيادات الائتلاف الحاكم الذي يضم 4 أحزاب، على الدعوات إلى التهدئة ونبذ العنف التي صدرت عن قيادات اتحاد نقابات العمال، تسبب توسع أعمال العنف في تغيير موقف المركزية النقابية في اتجاه مساندة التحركات، وتحميل الطبقة السياسية والحكومات المتعاقبة منذ الثورة مسؤولية استفحال مشاكل البطالة والفقر في صفوف الشباب والجهات الداخلية .
تحذيرات
وقال حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل إنه كان يتوقع الاحتجاجات الشبابية والانفجار في المناطق الشعبية، "ردا على التهميش الذي واجهه الشباب بعد وعود تلقوها من الحكومة عقب ثورة 2011 ".
وأضاف العباسي أن منظمته، التي تضم حوالي مليون عامل، تساند بقوة "المطالب المشروعة لمئات الآلاف من المهمشين والعاطلين".
وحذر العباسي ورفاقه في نقابة العمال الحكومة من نتائج سياستها، إذا لم تتدخل بسرعة بهدف إعلان "الإجراءات اللازمة وإيجاد الحلول السريعة، إضافة لضرورة فتح الحوار مع الشباب وممثلي المنتفضين وأصحاب المشاكل ".
وبالرغم من تحذيرات نقابات العمال وعدد من السياسيين من مخاطر "العنف والتدمير، والإضرار بالممتلكات العامة، الذي قد يستغله الإرهابيون والمخربون"، فإن موقف نقابات العمال يوشك أن يعصف بالتحالف الحزبي والسياسي الحاكم بزعامة النداء والنهضة .
الفوضى والمجهول
وعلى صعيد متصل، تعاقبت البيانات والمواقف المعارضة بقوة للعنف والتدمير والانتقادات لنشطاء أقصى اليسار الذين يتحدثون عن ثورة شعبية شبابية ثانية في تونس.
وقد صدرت هذه البيانات عن عدد من رؤساء الحكومات السابقين في عهد بورقيبة وبن علي ثم في مرحلة ما بعد ثورة 2011 مثل رشيد صفر رئيس الحكومة في 1986 و1987 وحمادي الجبالي رئيس أول حكومة منتخبة في 2012 و2013 والمهدي جمعة رئيس حكومة التكنوقراط في 2014 .
من جانبها، أصدرت قيادات الاحزاب المشاركة في الائتلاف الرباعي الحاكم بيانات تساند حكومة الحبيب الصيد، وتتبنى "المطالب المشروعة للمتظاهرين وللشباب العاطل عن العمل وأبناء الجهات المهمشة"، لكنها عارضت بقوة الاعتداءات على قوات الأمن والمؤسسات العمومية والشركات الخاصة.
وقال بيان لحزب نداء تونس إن البلاد "تمر في هذه الفترة بمرحلة مفصلية ودقيقة في تاريخها الوطني ومسارها الانتقالي ومشروعها الديمقراطي الرائد، تقتضي من جميع مواطنيها الوعي بالتحديات الخطيرة والمخططات المشبوهة التي تحاك لأجل إرجاعها إلى الوراء أو دفعها نحو الفوضى والمجهول ."
ما بعد الأزمة
ويدور بخلد التونسيين والتونسيات عدد كبير من الأسئلة في انتظار الكلمة التي يفترض أن يتوجه بها إلى الشعب رئيس الحكومة الحبيب الصيد بعد أن قطع زيارته إلى سويسرا حيث كان يشارك في مؤتمر دافوس، منها: هل ستصمد حكومة الائتلاف الرباعي الحاكم أم تنهار بسبب الاضطرابات والاحتجاجات ؟ ومن سيكون " كبش الفداء" الجديد الذي ستضحي به القيادات العليا في البلاد بعد هذه الاضطرابات الشعبية الأخطر منذ إسقاط حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قبل 5 أعوام؟.
وهل يمكن امتصاص غضب المتظاهرين بمجرد الإعلان عن تعهدات بتشغيل عشرات الآلاف من العاطلين "في أقرب وقت" أم ستحتاج إلى إجراءات تُحدث "صدمة أكبر" مثل الإعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني جديدة قد تكون برئاسة المهدي جمعة رئيس الحكومة السابق أو أحد زعماء المعارضة العلمانية في عهد بن علي مثل أحمد نجيب الشابي أو مصطفى بن جعفر؟.
وهل ستنجح أي حكومة جديدة في رفع التحديات الاقتصادية والأمنية الخطيرة التي تواجه البلاد دون مساعدات اقتصادية وأمنية عربية ودولية حقيقية؟