الكثير من الأعمال الأدبية بادر أصحابها بنشرها عقب الثورة مباشرة وكأن الكثيرين منهم قد استجابوا للسؤال "أين أدب الثورة؟"
ألقت أحداث الثورة بظلالها على عدد من الكتابات الإبداعية التي اتخذت من ثورة يناير موضوعا لها؛ شعرًا ورواياتٍ وقصصًا، وأصبحت هذه الكتابات جزءًا لا يتجزأ من المشهد العام الذي انخرط في التعاطي مع الثورة، بصورة أو أخرى.
وشغل مصطلح "أدب الثورة" كثيرين من النقاد والصحفيين في لحظة بدت مبكرة للغاية، ولم تكتمل فيها شروط النضج الروائي الذي يبرر استخدام هذا المصطلح، فكأن الثورة تستدعي أدبها فورا وبتلقائية، وهو ما دفع العديد من الكتاب إلى محاولة تصوير ما حدث من أجل الإمساك به وتسجيله، كما تلفت الناقدة والأكاديمية الدكتورة شيرين أبو النجا.
ورغم الاتفاق على أن أي حدث كبير في تاريخ الشعوب كالثورات والحروب، من الصعب كتابة عمل أدبي ناضج، عنه إلا بعد عدة سنوات، كي تتضح إلى حد ما معالم الحدث وآثاره على المجتمع والناس، ومنهم بطبيعة الحال المبدعون والكتاب، "هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي سارع أصحابها إلى نشرها خلال العامين أو الثلاثة التي أعقبت اندلاع الثورة مباشرة، وكأن الكثيرين منهم قد استجابوا للسؤال الذي أثاره البعض "أين أدب الثورة؟" وخاضوا في غمار البحث عن إجابة سواء بالسلب أو الإيجاب"، بحسب أبو النجا، وتضيف، "تنوعت الدوافع إلى ذلك، فهناك من أراد أن يكون له السبق في الرصد، وهناك من أراد أن يثبت وجوده في تلك البقعة الثورية، لكن كل المحاولات لم تخرج عن كونها رصداً أو تسجيلاً في شكل يوميات وشهادات ووقائع حدثت في أثناء الاعتصام الكبير".
"الشعر" كان الفن الأسرع استجابة وتفاعلا مع الحدث الثوري، فظهرت خلال فترة مبكرة قصائد ومقطوعات "عامية" في المقام الأول، كما تم استدعاء مخزون شعري عظيم من ذاكرة "الشعر الثوري" في أدبنا المعاصر، احتلت أسماء فؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وسيد حجاب صدارة المشهد، لكن ذلك لم يحل دون كتابة قصائد جديدة، صحيح أنها من حيث الكم لم تكن غزيرة لكنها مثلت مادة شعرية لا بأس بها.
أعاد الشاعر زين العابدين فؤاد نشر ديوانيه «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر» عن هيئة الكتاب، و«وش مصر» عن قصور الثقافة. وأصدر الشاعر الشاب تميم البرغوثي ديوانه العامي بعنوان «يا مصر هانت وبانت» عن دار الشروق، وأعقبه كل من أحمد الحداد وأمين الحداد فأصدر كل منهم ديوانه. ومحمود الشاذلي أصدر ديوانه «خيمة في التحرير».
«أيام الثورة.. 10 قصائد من ميدان التحرير» عنوان ديوان شعري بالعامية المصرية، للشاعر الشاب أحمد عمار، صدر عن دار المصري للنشر والتوزيع، ويضم الديوان 10 قصائد بالعامية كتبها الشاعر استجابة إبداعية لوقائع ثورة 25 يناير، من وحي أيام الثورة واستلهاما لحكايا ووقائع يوميات شباب ميدان التحرير، تابع الشاعر بنبض متسارع أحداث الميدان وتطوراته منذ انطلاق شرارة الثورة الأولى وحتى إعلان قرار التنحي، في شكل يبدو أقرب إلى التدوين الشعري اليومي.
لم تغب قصيدة "التفعيلة" عن المشهد وإن تأخرت قليلا، فنشر حسن طلب الجزء الأول من ثلاثية "إنجيل الثورة وقرآنها"، بعنوان "آية الميدان". وهي القصائد التي نشرها في الفترة ما بين شهري يناير ومايو 2011. أهدى حسن طلب ديوانه إلى "أروح الشهداء.. أبطال ثورة الخامس والعشرين من يناير الذين قدموا انتماءهم إلى وطنهم على أي انتماء ديني أو طائفي ففاضت أرواحهم وهم يهتفون باسم مصر، قبل كل ملة أو نحلة".
ونشر الشاعر الراحل حلمي سالم ديوانه «ارفع رأسك عالية» استهله بقصيدته "أغنية الميدان"، يقول فيها:
ارفع رأسك عالية، أنت المصريّ
الضارب في جذر الماضي، والعصريّ
ارفع رأسك عالية، أنت المصري
الصامت صبرا لا إذعانا
بل تطويلا للحبل الشانق كلّ بغيّ
لا جُرتَ على جارٍ، لا لوثت مياه النيل، ولا أنكرتَ نبيّ
في "الرواية"، صدرت عدة أعمال تعرضت للحدث الثوري، أو ما اتصل به من أحداث كبرى أعقبته، تنوعت بين التسجيل والتوثيق والقراءة الآنية واستشراف المستقبل من خلال التخييل الروائي. كان الكاتب والروائي أحمد صبري أبو الفتوح من المبادرين بكتابة رواية تسجل وقائع الثورة وأحداثها في «أجندة سيد الأهل»، تدور أحداثها حول ثورة الخامس والعشرين من يناير، لكن من منظور مختلف إذ تتتبع قصة تاجر مخدرات صغير "ديلر"، وهو أحد البلطجية الذين أطلقتهم الشرطة من السجون لترويع الشعب ومحاولة إجهاض الثورة، يقول أبو الفتوح عن روايته: "اتبعتُ في كتابتها المنهج نفسه للمدرستين الفرنسية والإنجليزية في الكتابة عن الثورات، كروايتي «قصة مدينتين» و«البؤساء»، إذ تتصدر الحكاية الإنسانية في روايتي المشهد بينما يأتي الحديث عن الثورة في الخلفية".
عن «أجندة سيد الأهل» تقول الناقدة شيرين أبو النجا: "قرر الكاتب ألا يقترب من حدث الثورة المصرية بالإضافة أو الحذف أو الانتقاء، بل قام بسرد المسكوت عنه منذ البداية: الثورة المضادة. لكل ثورة اندلعت في العالم العربي ثورتها المضادة، التي ترتكز على نماذج صنعها نظام مستبد يوظف الآليات نفسها ويبني التحالفات نفسها. من هنا يمكن نماذج رواية «أجندة سيد الأهل» أن تخرج من المحلية المصرية لتفسر كيفية صناعة الثورة المضادة في المنطقة العربية".
أما الروائي عز الدين شكري وأستاذ العلوم السياسية، فقدم مغامرة روائية محفوفة بالمخاطر، لكنها قدمت تصورا لما يمكن أن تؤول إليه الثورة بعد 9 سنوات من قيامها، في روايته المثيرة للجدل «باب الخروج»، التي نشرها مسلسلة يوميا على صفحات جريدة التحرير في أبريل ومايو 2012، ثم نشرها بين دفتي كتاب عن دار الشروق، وأثارت الرواية حين نشرها جدلا كبيرا وأثارت ردود أفعال واسعة في الوسطين الأدبي والسياسي معا!
في روايته السادسة «باب الخروج» قام عز الدين شكري بالتنبؤ بمستقبل مصر في السنوات القادمة، التالية للثورة، إذ يضع راويتها في قلب الأحداث عام 2020، ليحكي في رسالة مطولة لابنه، تستغرق قرابة خمسمائة صفحة عما جرى للوطن في هذه السنوات.
يقول عز الدين شكري على لسان بطله الراوي الرئيسي للأحداث: "قد أخذ الأمر منا سنوات طويلة حتى وصلنا إلى هذه النقطة. وهؤلاء الشباب الذين لم يعلِّمهم أحد، ولم يدرِّبهم أحد، ولم يجدوا أحدا يقتدون به، نشأوا رغم ذلك راغبين في الحق والخير والجمال وأطلقوا ثورة لم نرَ مثلها في بلدنا من قبل".
لم تفارق رواية «جامعة المشير.. مائة عام من الفوضى» للكاتبة السكندرية انتصار عبد المنعم، وصدرت عن هيئة الكتاب قبل عام، هذا المنحى الاستشرافي التخيلي، إذ تجسد فيها عبر مستويين للسرد الروائي؛ واقعي وخيالي، الأحداث التي سبقت قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، والأحداث التي تلتها على مدار مائة عام سادت فيها الفوضى في الإسكندرية خاصة، ومصر عامة.
وتمضي الرواية في كشف ما ترتب على هذه الفوضى خلال قرن من الزمان، أدت إلى تقسيمها إلى ثلاث دويلات متناحرة، في مجموعة مشاهد حية من إرهاصات الثورة وأحداثها سعت من خلالها القاصة لتوثيق وقائع الثورة في شوارع مدينة الإسكندرية وميادينها.. وتدور أحداث الرواية حول اكتشاف "مينا" الطالب في جامعة المشير لمجموعة رسائل، أرسلتها أم لابنها الذى فقدته في هرج الثورة، وبحثها عنه هي وشبان الإسكندرية وبعض جنود الأمن المركزي أنفسهم.
aXA6IDE4LjExNy43NS41MyA=
جزيرة ام اند امز