اليمين الأوروبي يعزّز شعبيته باستغلال أزمة المهاجرين ويضع مصداقية القارة على المحك
بعد إعلان السويد أنها ستقوم بطرد أكثر من 80 ألف لاجئ بحجة رفض لجوئهم، وإقرار قانون في الدنمارك يجيز مصادرة أموال اللاجئين إذا تعدّت حد الـثلاثة آلاف دولار للعائلات وأقل من ذلك للأفراد، تصاعد القلق في أوساط المنظمات المجتمعية في أوروبا بشكل كثيف من تلك الممارسات التي تعد انتهاكا صارخا لحقوق اللاجئين، التي أقرتها مواثيق الأمم المتحدة.
الأحزاب اليمينية في أوروبا صعدت إلى البرلمان الأوروبي نتيجة استغلال حوادث الإرهاب المتفرقة التي كان أبرزها هجمات باريس في نوفمبر 2015. حيث إن العداء للأجانب، ورفض
الأقليات وفـكـرة التعددية الـثـقـافـيـة، والدفاع عـن الهوية الإثنوـ وطنية (العرقية) وعن الـتـقـالـيـد الـقـومـيـة الـتـاريـخـيـة، والـدعـوة إلى الحدّ من الهجرة، تشكل القاعدة المشتركة لأي برنامج سياسي لحزب يميني متطرف في أوروبا.
وتحرص تلك الأحزاب على تهميش دور الأقليات والأعراق غير ذات الأصول الأوروبية بدعوى تطفّلها على مجتمعاتهم. ويعتبر اللاجئون الحاليون متطفلين، بحسب وصف تلك الأحزاب، لا يحق لهم التواجد في بلدانهم، ويغذون فكرة العمليات الإرهابية المحتملة التي قد تقع بسبب نجاح بعض الإرهابيين في التسلل إلى أوروبا متنكرين كلاجئين.
وكشفت الانتخابات المحلية والبرلمانية في السنوات الأخيرة ارتفاع شعبية الأحزاب اليمينية في فرنسا والنمسا وهولندا، وفي الأشهر الأخيرة حقق اليمين السويسري فوزا كبيرا، وأصبح حزب يميني شريكا في الائتلاف الحاكم في الدنمارك. وفي ألمانيا تنشط حركة "بيغيدا" في شرق البلاد، حيث ترفع الحركة شعار معاداة الأجانب والمسلمين وتنظم مظاهرات ضد سياسة الأبواب المفتوحة في وجه اللاجئين، التي تنتهجها المستشارة أنجيلا ميركل.
لكن من الجدير بالذكر أن معظم اللاجئين الذين فروا إلى أوروبا، لم تستطع حكومات الدول المجاورة حصرهم ومساعدتهم، إما لأسباب تتعلق بالإمكانيات والتمويل وإما لأسباب سياسية واجتماعية. فوقع الكثير منهم ضحية تجار البشر الذين يأخذون مبالغ طائلة من الأموال نظير وضعهم على قوارب للهجرة غير الشرعية، ونتيجة لذلك توفيت أعداد كبيرة منهم. ومن استطاع منهم الوصول إلى الأراضي الأوروبية يلقى معاملة غير آدمية نتيجة لوضعهم داخل مخيمات للاجئين، هي عبارة عن منطقة محاطة بأسوار معزولة عن المدن، ليتم البت في طلبات لجوئهم. أدى ذلك لتفاقم الوضع في تلك المخيمات بحسب تقارير عدة من منظمات المجتمع المدني.
تبين اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين للأمم المتحدة بوضوح من هو اللاجئ ونوع الحماية القانونية، وغير ذلك من المساعدات والحقوق الاجتماعية التي يجب أن يحصل عليها من الأطراف الوطنية الموقعة على هذه الوثيقة.
وهي تحدد، بقدرٍ متساوٍ، التزامات اللاجئ تجاه الحكومات المضيفة، كما تحدد بعض الفئات المعينة من الأشخاص غير المؤهلين للحصول على صفة اللاجئ. وكانت هذه الاتفاقية أول اتفاقية دولية حقيقية تتناول النواحي الجوهرية من حياة اللاجئ. وقد بينت مجموعة من حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن تكون على الأقل معادلة للحريات التي يتمتع بها الرعايا الأجانب في بلد ما، وفي العديد من الحالات، الممنوحة لمواطني تلك الدولة. وتعترف هذه الاتفاقية بالنطاق الدولي لأزمات اللاجئين، وضرورة توافر تعاون دولي، بما في ذلك اقتسام الأعباء بين الدول، من أجل معالجة المشكلة.
لكن، ومع توقعات بارتفاع عدد طالبي اللجوء لأوروبا في العام الحالي إلى أكثر من مليوني شخص، يكثر الحديث عن الكلفة الاقتصادية خاصة أن عدد من المراكز المحلية للدراسات، مثل مركز تشاتهام هاوس، كشفت في إحصاءاتها أن الحكومة تنفق وسطيا نحو 24 ألف جنيه إسترليني (حوالي 34 ألف دولار أمريكي) سنويا على كل لاجئ، ويرتفع هذا المؤشر في الدنمارك والبلدان الإسكندنافية، مما يزيد العبء على الحكومات الأوروبية، وبالتالي سببا لأحزاب اليمين في ممارسة سياساتها المضادة للمهاجرين واللاجئين.
هناك صراع بين فصيلين في أوروبا: الأول الذي يناشد بالخطاب الإنساني، والالتزام بالقوانين والأعراف الدولية المتعلقة بحق اللجوء الإنساني، وتقديم العون للهاربين من لهيب الحروب. والآخر المشجع لليمين المتطرف ورفع لواء كره الأجانب و"الإسلاموفوبيا"، لحشد أكبر عدد من المؤيدين. ويتوقع أن اليمين المتطرف سيحقق نجاحات سوف تنعكس سلبا بالتأكيد على اللاجئين والأجانب. وبالتالي، سوف تعرض مصداقية أوروبا أمام العالم، كراعٍ لحقوق الإنسان، للشك بسبب تصرفات أحزاب اليمين.
aXA6IDE4LjE5MS45My4xOCA= جزيرة ام اند امز