حرب العملات تستعر بين الصين واليابان
اليابان تفاجئ العالم بتخفيض عملتها، وتؤكد أن حرب العملات التي تحدث عنها وزير المالية البرازيلي في 2010 باتت واقعًا لا مفر منه
بدأ فصل جديد في حرب العملات الدائرة بين الدول الكبرى، فقد فاجأت اليابان العالم باتخاذ إجراءات لتخفيض قيمة عملتها، في قرار اعتبره المتابعون هجومًا مضادًا منها على الصين التي أقرت مؤخرًا سياسات نقدية تستهدف دعم صادراتها في ظل الركود الذي يعاني منه اقتصادها، وهو ما عاد في المقابل بالضرر على منافسها الآسيوي الأول في الأسواق الدولية.
اتجه الين الياباني إلى تسجيل أكبر هبوط له منذ عام، إثر إعلان البنك المركزي الياباني أنه سيطبق سعر فائدة -0.1 % على إيداعات الحسابات الجارية للمؤسسات المالية لديه، ليفرض بذلك على البنوك دفع فائدة على احتياطياتها الفائضة غير المستغلة، وهو ما انعكس مباشرة على سعر الين مقابل العملات الرئيسية في العالم.
وفور هذا الإعلان، قفز الدولار أكثر من 2% أمام الين إلى 121.495 ينًا، مسجلًا أعلى مستوياته في أكثر من شهر ثم تراجع قليلًا، وبلغ أحدث سعر للعملة الأمريكية 120.85 ينًا بزيادة 1.7 %، متجهة بذلك نحو تحقيق أكبر ارتفاع يومي منذ ديسمبر/كانون الأول 2014.
اليابان تبحث عن التوازن
وشكل الين الياباني منذ فترة ملاذًا آمنًا للمستثمرين بسبب جو الركود الذي يطبع الاقتصاد العالمي، فزاد الإقبال عليه، مما أدى إلى ارتفاع قيمته مقابل الدولار بنسبة 6 % وأمام اليورو بنسبة 9 % خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، لكن هذه التطورات أدت إلى زيادة معدلات الاحتياطات النائمة، مما انعكس سلبًا على الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، كما تراجعت الصادرات اليابانية بسبب ارتفاع قيمة العملة، وأدى ذلك إلى تضرر العديد من المؤسسات التي انحسرت حصصها في الأسواق الدولية.
وللسنة الخامسة على التوالي، سجل الميزان التجاري الياباني الذي يمثل الفارق بين الصدرات والواردات، نتيجة سلبية قدرت بـ23.9 مليار دولار في سنة 2015، حسب ما أعلن عنه في اليابان الأسبوع الماضي، وذلك على الرغم من انخفاض فاتورة واردات البترول في اليابان الذي يعد أحد أكبر المستهلكين في العالم، إلى مستوى قياسي وصل إلى 41 %، بفعل انهيار الأسعار في الأسواق الدولية.
رسالة إلى الصين
وتعد هذه الخطوة، وفق الخبراء، هجومًا مضادًا من اليابان على زبونها الرئيسي الصين، بعد أن قامت الأخيرة في 6 يناير الجاري، بتحديد سعر الصرف الرسمي لليوان عند 6.5646 يوانات مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى منذ مارس/آذار 2011، في محاولة منها لإنقاذ اقتصادها الذي يعاني من تباطؤ في النمو غير مسبوق منذ سنوات؛ إذ يؤدي خفض قيمة العملة المحلية في الدول التي تعتمد على التصدير إلى دعم اقتصادها؛ لأن المصدرين يستفيدون من مكاسب متزايدة حين يحولون الأرباح التي يحققونها من بيع منتجاتهم في الخارج مقابل عملات أجنبية.
تأثر الاقتصاد الأمريكي والأوربي
وينتظر أن يكون لقرار بنك اليابان المركزي انعكاسات سلبية على الاقتصاد الأمريكي؛ لأن انخفاض قيمة الين وما يليه من انخفاض محتمل لليوان أيضًا، سيؤدي إلى ارتفاع الدولار، وبالتالي انخفاض توقعات نمو الناتج المحلي الأمريكي، وهو ما يبقي الأنظار مشدودة حول السياسات التي سيعتمدها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لامتصاص هذه الآثار السلبية.
بدوره، سيعمل البنك المركزي الأوربي من أجل الإبقاء على المكاسب التي حققها تراجع اليورو على الاقتصادية الأوربية، ولن يسمح على الأرجح بمواصلة ارتفاع اليورو بعد عمل طويل على تخفيضه بعد إلحاح عليه من الحكومات المتضررة من العملة القوية.. وبالرغم من كون الين لا يشكل إلى 5.5 % من المبادلات التجارية لمنطقة اليورو، إلا أن انخفاض معدلات القروض منذ ديسمبر بدأ يشكل قلقًا لدى البنك المركزي الأوربي الذي قد يراجع سياساته بمناسبة انعقاد مجلس المحافظين في مارس القادم.
حرب في خدمة الكبار
وكان وزير المالية البرازيلي "غويدو مانتيغا"، أول من استعمل مصطلح "حرب العملات" في أيلول/سبتمبر عام 2010، عندما أراد التحذير من التداعيات المحتملة لقرار اقتصادات كبرى، إما بخفض معدل الفائدة أو تفعيل تدابير تدعم تخفيف السياسة النقدية، مما قد يدخل العالم في حرب من نوع جديد.. وقد بدأت منذ تلك الفترة تظهر إرهاصات هذه القرارات على أسعار العملات في الأسواق.
ويرى خبراء أن هذه الحرب تصب في مصلحة الدول المنتجة والمصدرة الكبرى؛ لأنها تجعلها تكيف عملتها وفق الظروف التي تساعدها في زيادة تحفيز نموها الاقتصادي، غير مبالية بباقي الدول المستوردة التي تعاني في أغلبها من اقتصادات هشة تجعلها تتأثر كلما ارتفعت قيمة وارداتها، وهو الحال في معظم الدول العربية خاصة المرتبطة منها بالريع.
aXA6IDMuMTQ1LjcyLjQ0IA== جزيرة ام اند امز