الشرق الأوسط وانتخابات أمريكا.. سلبية ديمقراطية وتطرف جمهوري
المرشحون للسباق الرئاسي الأمريكي وتأثيرهم على أزمات الشرق الأوسط
في استطلاع للرأي أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في الولايات المتحدة (كير) لحوالي 2000 من الناخبين الأمريكيين في ولايات كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي وفلوريدا وميتشغن وتكساس وفيرجينيا، جاءت النتائج بأن 73% من المسلمين الأمريكيين سيشاركون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث وجد أن 67% منهم سيصوّتون لمرشحي الحزب الديمقراطي، الأكثر ميلا للأقليات في اعتباراته السياسة.
وقد بيّنت النتائج أيضاً أن نصف المستطلع آراؤهم اختاروا المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وجاء في الترتيب الثاني السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز.
وبعيدا عن رؤية مسلمي أمريكا لاتجاهات المرشحين المختلفة لكن السؤال الأبرز هنا، ماذا سيقدم الحزب الديمقراطي الأمريكي للشرق الأوسط في الظل المشاكل الراهنة التي تعصف به؟
يقول جون هوداك، باحث في دراسات الحوكمة في معهد بروكنجز ومدير تحرير مدونة FixGov المعنية بالسياسة الأمريكية الداخلية، إنه رغم تصدّر المسائل الاقتصادية المحلية في الانتخابات الأمريكية، فإن التحديات المعقدة التي تواجه الولايات المتحدة في الخارج قد تخلق نقاشاً مهماً حول السياسة الخارجية الأمريكية في الولايات المتحدة، لا سيما لخبرة هيلاري كلينتون القوية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية خصوصاً وأنها شغلت منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة في حقبة أوباما الرئاسية الأولى.
نتيجةً لذلك، لن يتمكن أي مرشح من كلا الحزبين إدارة حملة فاعلة "من دون أن يثبت على الأقل إدراكه لمسائل السياسة الخارجية". وأضاف هوداك أنه في نهاية المطاف قد يدفع هذا الأمر بالمرشحين إلى أن يكونوا صريحين في وجهات نظرهم المتعلقة بالسياسة الخارجية طوال فترة الانتخابات، حيث قال إنه "حين تأتي السياسة الخارجية على رأس الحوار، سنحظى بفكرة جيدة عن آرائهم حول سوريا واليمن وأفغانستان، والتحالفات العسكرية مع الاتحاد الأوروبي، وروسيا، وإسرائيل ودول شرق آسيا وغيرها".
لكن على الارض، مفهوم "باكس أميريكانا" الذي تفرضه ضمانات الأمن الأمريكي والعلاقات مع الحكومات في المنطقة قد فشل في تجنب اندلاع عدد من الصراعات العنيفة في السنوات الأخيرة.
وتجدر الإشارة هنا إلى الانتقادات الإقليمية التي طالت دور الولايات المتحدة في زعزعة الاستقرار، وذلك من خلال تفكيكها لسلطة الدولة أثناء اجتياح العراق أو من خلال ترددها في التدخل لاحتواء موجة العنف في سوريا ومعالجتها.
ويتوقع الناخبون الأمريكيون أن يكون المرشحون مدركين لتعقيدات السياسة الخارجية، حيث إنهم يتوقعون شخصاً يستطيع لفت الانتباه وأن يكشف بوضوح عن نظرياته السياسية ورؤيته للعالم، بالإضافة إلى إيجاد حلول للمشاكل الداخلية والخارجية، حيث إن الأشخاص الذين يرون كلّ شيء إما أبيض أو أسود، والذين يبالغون في التبسيط، لن يتركوا أثرا جيدا في أذهان الناخبين.
ولهذا، يرى بعض المحللين في معاهد بروكنجز وتشاتهام هاوس أن الحزب الديمقراطي الأمريكي قد يكون المرشح الأمثل لحل الأزمات في منطقة الشرق الأوسط. لكن بالنظر إلى رئاسة أوباما، مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات 2008، فسنرى أن إدارته لم تحذُ حذو سياسة الحزب الديمقراطي العامة في صب الاهتمام الأكبر على المشاكل الداخلية، والتمتع بسياسة خارجية هادئة.
فقد شنت إدارة أوباما ثلاثة حروب عسكرية خارجية، بدأت في 2011 عبر عمليات عسكرية محدودة في ليبيا لإسقاط نظام معمر القذافي، في نهاية ولاية أوباما الأولى، لتحقيق نصر عسكري يُعزز من الهيمنة العسكرية الأمريكية بوصفها قوة عظمى.
ثم المشاركة في قذف مواقع يمنية عن طريق طائرات بدون طيار دون تدخل بري عسكري.
إلى الدعوة إلى تكوين تحالف عسكري ضد تنظيم داعش الإرهابي وتوجيه ضربات عسكرية لعدة مواقع بالعراق وسوريا، مما أدى إلى تأجيج الأوضاع أكثر في المنطقة.
وبالنسبة إلى هلاري كلنتون، فمن المتوقع، أو هكذا يعتقد الرأي العام الأمريكي، أن تحذو حذو زوجها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، الديمقراطي أيضا، في أن تكون فترتها مفعمة بالهدوء النسبي في سياسة الولايات المتحدة الخارجية نظرًا لاهتمام بيل كلينتون بالاقتصاد الأمريكي الذي أصابه الركود في فترة جورج بوش الأب وعمل إصلاحات واسعة في البنية الاقتصادية الأمريكية.
وورث بيل كلينتون إرثًا معقدا في السياسة الخارجية بعد فترة حكم جورج بوش الأب بقرار الأخير قبل مغادرته للبيت الأبيض بالدفع بالقوات العسكرية الأمريكية لاحتلال الصومال، وهو الأمر الذي استمر مع كلينتون حتى انسحاب القوات الأمريكية في 1994 من الصومال، وهو الحال نفسه مع هيلاري لكن بشكل أكثر تعقيدا بسبب التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة.
وعلى الجانب الآخر، يذكر التاريخ أن الحزب الجمهوري ورؤساءه هم الأكثر ميلًا للتدخلات العسكرية وقرارات شن الحرب، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة. ويُرجع المحللون هذا الأمر إلى هيمنة تيار المحافظين الجُدد على أفكار الحزب في الوقت الحالي، مما يدفع الإدارات الجمهورية الحاكمة إلى السعي لفرض الهيمنة الأمريكية عن طريق استعراض القوة العسكرية. وقد اتجهت أنظار العالم في نوفمبر 2014 إلى انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس الأمريكي والذي سيطر على مجلسيه، الشيوخ والنواب، الحزب الجمهوري متفوقًا بشكل كبير على الحزب الديمقراطي.
ومن المتوقع أن تشهد الإدارة القادمة، مثلما حدث في فترة أوباما، تناقضات عديدة بسبب اختلال ميزان القوة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويذهب أغلب المحللين السياسيين إلى أن الموقف الأمريكي من الحرب في سوريا سيكون أكثر تطرفًا في المرحلة المُقبلة بسبب هيمنة الجمهوريين على الكونجرس والعديد من المؤسسات الفدرالية الأمريكية مثل البنتاجون.