في ذكراها الـ60.. أوكرانيا تعيد العالم لأجواء رعب "الصواريخ الكوبية"
في مثل هذا الوقت من أكتوبر/تشرين الأول عام 1962، بدا العالم وكأنه على شفا حرب نووية، حينما اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية التي ربما كانت البؤرة الأكثر سخونة في الحرب الباردة.
أجواء مرعبة كان قد اقترب العالم من نسيانها قبل أن تعيدها حرب أوكرانيا التي تزداد المخاوف يوما تلو الآخر من إقدام موسكو على استخدام السلاح النووي في ظل تهديدات مبطنة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأخرى صريحة من مقربين منه.
ماذا حدث قبل 6 عقود؟
تقع جزيرة كوبا على بعد 90 ميلا فقط من ساحل فلوريدا، وحتى عام 1959 كانت على صلات وثيقة مع واشنطن تحت قيادة الجنرال اليميني باتيستا، وكانت هناك استثمارات كبيرة للولايات المتحدة في كوبا، وبينما كانت واشنطن المستهلك الأكبر لما تصنعه كوبا من سكر وتبغ.
في العام 1959، أطاح فيدل كاسترو بباتيستا في ثورة قادها بنفسه وكانت أولى خطوات كاسترو هي الذهاب إلى الولايات المتحدة لتأمين دعم واشنطن، لكن الرئيس أيزنهاور رفض التحدث معه، ما دفعه إلى الاتحاد السوفياتي الذي عرض دعمه لحكومة كاسترو الجديدة.
كاسترو لم يكن شيوعيا قبل عام 1960 لكنه مال إلى الشيوعية من خلال الصداقة والدعم الذي قدمه الزعيم السوفياتي خروتشوف وحكومته.
وردا على معاملة الولايات المتحدة، قام كاسترو بتأميم جميع الشركات المملوكة لأمريكا في كوبا، ورفض دفع تعويضات، ومن ثم بات لأمريكا دولة شيوعية في حديقتها الخلفية.
خليج الخنازير
فرضت الولايات المتحدة حظرا تجاريا على السلع الكوبية، وحرمت الكوبيين من سوق للسكر والتبغ والدخل لاستيراد النفط والسلع الأساسية الأخرى.
في أبريل/نيسان عام 1961 وبعد تنصيبه مباشرة رئيسا لأمريكا، وافق جون كينيدي على خطة لغزو كوبا والإطاحة بالحكم.
وأنزلت المخابرات المركزية الأمريكية 1400 من المنفيين الكوبيين في خليج الخنازير على الساحل الجنوبي لكوبا بهدف إثارة انتفاضة مناهضة للشيوعية.
وفي اللحظة الأخيرة تقريبا، ألغى كينيدي أمرا كان قد وعد به المقاومة الكوبية، وهو دعم القوات الجوية الأمريكية لهجومهم، وقد أدى الافتقار إلى الدعم الجوي إلى هزيمة المتمردين بسهولة عندما واجههم 20 ألف جندي كوبي مدججين بالسلاح، وتم اعتقال المتمردين جميعا أو قتلوا.
أدى فشل عملية "خليج الخنازير" إلى تعزيز مركز كاسترو الذي اتفق مع السوفيات على نشر صواريخ متوسطة المدى على أراضي بلاده لردع واشنطن عن التفكير في أي محاولة أخرى لغزو الجزيرة وقلب نظام الحكم الشيوعي فيها. وبذلك صارت كوبا قاعدة عسكرية متقدمة للاتحاد السوفياتي.
اكتشاف الصواريخ
في 14 أكتوبر/تشرين الأول عام 1962 التقطت طائرة تجسس أمريكية تحلق فوق كوبا صورا تظهر بناء مواقع إطلاق الصواريخ السوفياتية.
وقدر الخبراء أنها ستكون جاهزة للعمل في غضون 7 أيام. وفي غضون ذلك، اكتشفت طائرة تجسس أمريكية أخرى 20 سفينة سوفياتية تحمل صواريخ نووية في المحيط الأطلسي متجهة إلى كوبا.
وتبعد كوبا 90 ميلا فقط عن ساحل فلوريدا مما يعني أن الولايات المتحدة، بما في ذلك العديد من أكبر مدنها مثل واشنطن العاصمة ونيويورك، ستكون ضمن مدى هذه الصواريخ. لقد كانت حياة 80 مليون أمريكي على المحك.
موقف الاتحاد السوفياتي
كان الزعيم السوفياتي خروتشوف يعلم أن الولايات المتحدة تمتلك صواريخ نووية متوسطة وطويلة المدى تستهدف الاتحاد السوفياتي متمركزة في تركيا، فقط على "أعتاب" الاتحاد السوفياتي. وربما كان خروتشوف يتطلع للحصول على أداة مساومة في المفاوضات حول برلين.
كما أراد خروتشوف تقوية موقعه السياسي في الاتحاد السوفياتي وأن يظهر لحكومته أنه لم يكن لينا مع أمريكا.
إضافة إلى أن خروتشوف أراد دعم الدولة الشيوعية الجديدة في حديقة العم سام الخلفية، والتأكد من أن الأمريكيين لن يحاولوا القيام بعملية أخرى مثل خليج الخنازير للإطاحة بكاسترو.
كينيدي في ورطة
بعد محادثات مع فريق مستشاريه، واجه كينيدي مجموعة من الخيارات للتعامل مع التهديد السوفياتي في كوبا إما تجاهل الصواريخ أو إشراك الأمم المتحدة أو الغزو البري لكوبا وشن هجمات جوية، أو حصار كوبا.
وقبل كل شيء، كان كينيدي بحاجة إلى الظهور بمظهر قوي مع ضمان عدم تفاقم التوتر وتصاعده إلى حرب نووية.
وكان قرار كينيدي الأخير هو حصار الولايات المتحدة لكوبا، والذي أطلق عليه كينيدي "منطقة الحجر الصحي"، والذي يمكن أن يوقف المزيد من الصواريخ السوفياتية القادمة إلى كوبا مما يمنحه الوقت للتفاوض مع السوفيات.
حصار كوبا
بدأ في 22 أكتوبر/تشرين الأول وانتهي في 28 من الشهر ذاته عقب رسالة عامة إلى الرئيس كينيدي أذيعت على راديو موسكو، وافق خلالها خروتشوف على إزالة جميع الصواريخ من كوبا وإعادتها إلى الاتحاد السوفياتي.
اعتبر الجانبان أنهما حققا النصر، فقد أنقذ خروتشوف النظام الشيوعي في كوبا من غزو الولايات المتحدة، وتفاوض على صفقة مع الولايات المتحدة بشأن إزالة صواريخ جوبيتر الخاصة بهم في تركيا. ومن جانبه، حافظ كينيدي على وعده الانتخابي ووقف في وجه الاتحاد السوفياتي، وأبقى الصواريخ النووية خارج كوبا.
حرب أوكرانيا
وتسببت تحذيرات مبطنة للرئيس الروسي في الآونة الأخيرة من إمكانية استخدام الأسلحة النووية للدفاع عن بلاده في ظل الحرب مع أوكرانيا في أجواء مقلقة إقليميا ودوليا.
وحذر بوتين، في خطاب إعلان التعبئة العسكرية الجزئية من أن الأمر ليس خدعة، بينما انقسم السياسيون والدبلوماسيون وخبراء الأسلحة الغربيون بهذا الشأن، إذ يقول بعضهم إنه يمكن أن يستخدم سلاحاً نووياً تكتيكياً واحداً أو أكثر في محاولة لدرء الهزيمة العسكرية أو حماية حكمه أو تخويف الغرب أو ترهيب كييف ودفعها إلى الاستسلام، بينما اعتبر آخرون أن الدول النووية لا تحارب بعضها ومخاطر استخدام هذه الأسلحة ستقع على الجميع.
aXA6IDE4LjIxOS4yNS4yMjYg جزيرة ام اند امز