رغـم أن المبعوثيـن الدولييـن يملكـون أدوات تأثيـر تمكنهم من تحريـك المفاوضات، فـإن أدوارهـم مرتبطة بمـدى قبـول أطـراف الصـراع لهـا.
مع تعليق محادثات السلام السورية في جنيف، وتزايد التشكيك بين المراقبين في أهميتها وفائدتها، يبدو أن المبعوث الأممي بات وسيطا صوريا بلا وساطة فعلية، وذلك جراء 5 معوقات.
وهذه المعوقات الخمسة تحول الوسيط إلى مجرد موظف، الأمر الذي يهدد مساعي المبعوث الدولي بشأن سوريا ستيفان دي ميستورا ليسير على غرار سابقيه الأخضر الإبراهيمي وكوفي أنان.
تؤدي حالـة عـدم الاستقرار التـي تشـهدها بعـض دول المنطقـة إلـى توافد عدد كبيـر من المبعوثين الدوليين إلى مناطق النزاع بهـدف طـرح مبـادرات لتسـوية الصراعـات، أو وقـف وتجميـد القتـال، إلا أنهـا لـم تحقـق نتائـج بـارزة فـي كثير من الأحيـان، وهو ما دفـع بعضهم إلـى الانسحاب، فيمـا واجـه البعـض الآخر اتهامـات بالانحياز لأحـد أطـراف الصـراع. ورغـم أن المبعوثيـن الدولييـن يملكـون أدوات تأثيـر يمكـن مـن خلالها تحريـك "الميـاه الراكـدة"، فـإن أدوارهـم سـوف تظـل مرتبطـة بمـدى قبـول أطـراف الصـراع الداخلييـن والإقليميين لهـا.
وأشار تقرير "إدارة الصراعات الداخلية المعقدة في الشرق الأوسط" الصادر عن مجموعة اوكسفورد للأبحاث بالتعاون مع المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، إلى أنه رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها المبعوثون الدوليون في معظم أزمات المنطقة، فإنها لم تُحقق نتائج بارزة. والتالي هو استعراض لأبرز خمسة معوقات يتعرض لها المبعوثون الأمميون في المنطقة.
الاتهامات بالانحياز:
وجهت عدةُ اتهامات للمبعوثين الأمميين إلى اليمن وسوريا وليبيا بعدم الحياد، ودعم مصالح أطراف معينة، على غرار المبعوث الأممي السابق إلى اليمن جامل بن عمر الذي واجه اتهامات تداولتها وسائل الإعلام حول انحيازه لحركة الحوثيين، ومحاولاته عرقلة وحدة اليمن، الأمر الذي مثَّل أحد الأسباب التي أدت في النهاية إلى تعيين "إسماعيل ولد الشيخ أحمد" مبعوثًا جديدا، بل إن الأخير نفسه واجه اتهامات بالانحياز.
ووجهت اتجاهات عديدة انتقادات حادة للمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بسبب "سعيه إلى طرح مبادرات لمجرد ملء الفراغ والظهور العالمي"، خاصة بعد تأكيده، في 12 فبراير 2015، أن "الأسد جزء من الحل في سوريا"، مشيرا إلى "استحالة تجاوزه"، حيث اعتبر الائتلاف الوطني السوري أن هذه التصريحات "تمثل محاولة لاسترضاء الأسد على حساب مبادئ أساسية لا حياد عنها".
انقسام أطراف النزاع الداخلي:
أدى ذلك إلى عدم نجاح بعض المبادرات في تحقيق أهدافها، على غرار خطة تجميد القتال في حلب التي طرحها المبعوث الأممي إلى سوريا دي ميستورا، والتي اعتبرت بعض القوى أنها رؤية سلبية لحل الأزمة السورية، خاصة وأنها تساعد في الترويج لوجود دور محتمل للأسد في إدارة المرحلة الانتقالية التي سوف تبدأ في مرحلة ما بعد الوصول إلى تسوية سلمية للأزمة، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها دي ميستورا، والتي أشار فيها إلى أن "الأسد جزء من الحل".
تصاعد حدة التدخل الخارجي:
يفرض التدخل الخارجي خيارات ضيقة أمام المبعوثين الدوليين الذين ارتبطت جهودهم في كثير من الأحيان، بأدوار القوى الإقليمية والدولية المعنية بتلك الأزمات. ففي سوريا، على سبيل المثال، طالب دي ميستورا بعدم استبعاد إيران من مبادرات التسوية، وهو ما أثار انتقادات حادة ضده بسبب الدعم الإيراني القوي لنظام الأسد، والذي أدى إلى عدم دعوة إيران للمشاركة في مؤتمري "جنيف 1" و"جنيف 2".
التنافس الإقليمي:
ظهر ذلك جليا في الحالة الليبية، فرغم أن الحوار الذي تم عقده بين الأطراف الليبية المتصارعة في مدينة الصخريات المغربية، والذي انتهى بالتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق "السلم والمصالحة"، يأتي في إطار محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة للوصول إلى تسوية للأزمة الليبية؛ فإن ذلك لم يمنع اتجاهات عديدة من الإشارة إلى أن ثمة تنافسا خفيا يتصاعد بين المغرب والجزائر للعب دور الوسيط في الأزمة الليبية.
التداخل في المهام:
ففي ليبيا، على سبيل المثال، قامت كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وتركيا بتعيين مبعوثين لها، ورغم أن هذه الخطوة تُشير عمليا إلى أن تلك الأطراف تسعى إلى الانخراط في الأزمة الليبية بعد الاتهامات التي وجهت إلى بعضها بسبب دورها في التدخل العسكري الذي أدى إلى الإطاحة بنظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، فإنها تعكس في الوقت نفسه تضاربًا في مهام المبعوثين الدوليين، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تراجع فرص نجاح الجهود الدولية في التوصل إلى تسوية جادة للأزمة الليبية.