أهالي حلب السورية.. بين صرخات النزوح وزفرات الموت
عندما ألفت آذانهم إيقاع البراميل المتفجرة ودفنت أحلامهم بين ممرات النزوح، وتتقاذف أجسادهم بين قتيل مغدور ومشرد مجبور
عندما ألفت آذانهم إيقاع البراميل المتفجرة، ودفنت أحلامهم بين حفر الموت وممرات النزوح، معركة هي الأشرس من نوعها باتت تفتك بأهالي مدينة حلب السورية، وتتقاذف أجسادهم البريئة بين قتيل مغدور ومشرد مجبور ومحاصر مقهور.
ومن استطاع الهرب قبل إحكام الطوق على المدينة، ويعتقد البعض أنهم الأوفر حظا في هذه المعركة، أصبحوا اليوم يفترشون الطين والعراء أمام الحدود التركية المغلقة، في انتظار استجابة غائبة علّها تأتي بالخبر اليقين.
أحد هؤلاء النازحين ينادي الحكام العرب بصوت مبحوح من شدة التعب ويقول لهم "يا من تخافون رب العالمين، لو كنتم تخافون ربكم فعلا، ولو كانت ضمائركم تعرف ذرات من معان النخوة والعدل، لما استطعتم رؤية أطفالنا مشردين في العراء بهذا الشكل المأساوي".
النازح السوري أبو كيان يصرخ من أمام الحدود التركية مطالبا المجتمع الدولي بإيجاد حل، أي حل يعيد ألوفاً مؤلفةً خرجوا من منازلهم قسرا وأمام وضع لا يحتمل الصمود أكثر من ذلك.
ويقول أبو كيان لبوابة "العين" الإخبارية: "قصفونا بالطيران، قصفونا بالصواريخ، قصفونا بالهاون، قصفونا بالعنقودي، قصفونا بشتى أنواع الأسلحة دون كلل أو ملل، وبقينا صامدين ننتظر فرجا قريبا من الله، لكن أحد لا يستطيع انتظار الحلقة الأخيرة من مسلسل القهر والألم هذا".
ويندد النازح السوري بتعامي العالم كله عن أزمة السوريين التي التهمت كل شيء، ويناشد الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية أن تعامل الأطفال السوريين مثلما تعامل الولايات المتحدة الأمريكية "حيوان الدولفين" وتحاول أن تحافظ على فصيلته من الانقراض.
ويختم بعد حسبي الله ونعم الوكيل: "ما ذنب هؤلاء الأطفال، أليسوا من ضمن قوائم منظمة اليونيسف المعنية بالطفولة، أم هم من حملة السلاح أيضا، أم من المطالبين بالحريات، أليس من أدنى حقوقهم أن يشربوا قطرات من حليب ويأكلوا كسرات من خبز".
هذا صوت واحد من أصوات آلاف السوريون الذين فرّوا من القصف العنيف الذي شهده ريف حلب الشمالي في الأيام الأخيرة.
واختلفت التقديرات بشأن أعداد النازحين، فقد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أربعين ألفا فروا منذ الاثنين الماضي من ست بلدات وقرى من شمال حلب، في حين أفادت مصادر تركية أن 50 ألف نازح سوري عالقون على الحدود التركية - السورية قرب بوابة باب السلامة أو أونجو بينار.
وأشار محافظ كيليس أن عدد النازحين في المخيمات التي أقامتها تركيا في الجانب السوري من الحدود، وصل إلى 60 ألفاً وسيقفز إلى 90 ألفاً خلال يومين، مرجّحاً أن يقترب العدد من 150 ألفاً الأسبوع المقبل.
لكن البعض الآخر ممن رفضوا أن تدمي أقدامهم مسيرة النزوح هذه، جلسوا يترقبون ما سيتمخض عنه الحصار الحتمي الذي ستشهده مدينة حلب في الساعات القليلة القادمة والذي سيقطع أي إمداد مدني وحتى عسكري عن كافة أحياء المدينة.
"سكان مدينة حلب باتوا متأكدين مما سيحل بمدينتهم، فكيلو متر واحد فقط يفصل القوات النظامية عن إحكام الطوق على مدينة حلب، فمنطقة الملاح وطريق الكاسيتلو هما آخر منافذ سواء للهروب من المدينة أو لدخول الإمداد" بحسب ما قاله الناشط مجاهد أبو الجود لبوابة "العين" الإخبارية.
ويتابع أبو الجود "حركة نزوح هائلة خلفتها الحملة الشعواء التي شنتها آلة القتل الروسية على حلب منذ تعليق مفاوضات جنيف، ونحن اليوم من أبينا التخلي عن أرضنا نعيش أمام تهديد الحصار الذي ستكون له منعكسات سلبية هائلة على أهالي المدينة، قد تودي بحياتهم إلى التهلكة، فمقومات الحياة الأساسية والتي تعتمد على الماء بالدرجة الأولى بات من الصعب جدا الحصول عليها، لا سيما بعد قطع طريق الوقود الذي يعتمد عليه الناس لتشغيل المولدات الكهربائية التي تستجلب مياه الآبار".
وبصوت مرتعش يتحدث الشاب الحلبي عن 250 إلى 300 ألف سوري سيواجهون الموت شيئا فشيئا في حال تم تطبيق الحصار على مدينة حلب، وأن المخزون الاحتياطي من المواد الطبية والغذائية المتواجد في حلب لن يكفي لأكثر من شهر من تاريخ فرض الحصار على المدنيين.
وندد أبو الجود بموقف المجتمع الدولي السلبي والمتخاذل من سائر الشعب السوري، لا سيما مما شهدته مدينة حلب في الأيام الأخيرة من عمليات القصف العنيف والممنهج، والذي لم يخطُ حيال هذه الكارثة أي خطوة في طريق إنقاذ المدنيين أو حتى التخفيف من حدة معاناتهم.
باختصار شديد، باتت أشكال الموت تأتي على الشعب السوري من كل حدب وصوب، وسط صمت عربي وتواطؤ دولي، والنتيجة غير محددة المعالم.
aXA6IDMuMTUuMTQuMjQ1IA== جزيرة ام اند امز