ربعي المدهون المرشح لـ"بوكر": رواية واحدة جعلتني روائيًّا
الكاتب قال إنه بكى عندما قرأ خبر وصول أحدث رواياته للقائمة الطويلة للبوكر، مضيفًا: "كنت سأشعر بصدمة عمري لو لم يصل عملي إلى تلك القائمة
"مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة" هو عنوان رواية الكاتب الفلسطيني ربعي المدهون التي اختيرت، الثلاثاء، ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2016.
وتعد "مصائر" هي ثاني عمل للمدهون يصل للقائمة ذاتها بعد ترشيح روايته "السيدة من تل أبيب" في 2010، وترجمت الرواية إلى الإنجليزية في 2013.
وقال المدهون في مقابلة مع رويترز أثناء زيارته إلى مصر لحضور معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي اختتم دورته الـ47 الأربعاء: إن "القيمة الحقيقية للجائزة تكمن في انتشار العمل الأدبي، والفكرة هي الحفاظ على الصلة مع القارئ الذي وثق بك في البداية".
وأشار إلى أنه قبل وصول رواية (السيدة من تل أبيب) للقائمة القصيرة صدرت طبعتان وتوالت الطبعات حتى وصلت إلى 6 بعد وصولها للقائمة، مما أعطاها زخمًا جماهيريًّا وأعطى الكاتب حافزًا لمواصلة مشروعه الروائي.
بدأ المدهون (70 عامًا) مشروعه برواية (ألم الفراق) التي صدرت في 2001 ثم رواية (السيدة من تل أبيب) في 2009 فرواية (مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة) في 2015 الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان وعن (مكتبة كل شيء) في حيفا.
وقال المدهون، إنه بكى عندما قرأ خبر وصول أحدث رواياته للقائمة الطويلة للبوكر التي أعلنت في 12 يناير/كانون الثاني، وقال في حوار سابق: "كنت سأشعر بصدمة عمري لو لم تصل روايتي إلى القائمة الطويلة للجائزة".
وتوقع المدهون أن تواجه (مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة) هجومًا إسرائيليًّا بعد وصولها للقائمة القصيرة للبوكر؛ لأن "وضع النكبة إلى جانب الهولوكوست على قدم المساواة مسألة تزعج الإسرائيليين".
وقال إن الهدف من وضعه هذا العنوان هو "رفع المأساة إلى مستوى المأساة، فالمأساة هي المأساة والإنسان هو الإنسان بمن فيهم ضحاياهم، هم مشكلتنا أنهم لا يعرفون ضحاياهم".
وخلافًا لرواية (السيدة من تل أبيب) حظيت (مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة) باهتمام نقدي كبير، ورأى الناقد الفلسطيني فيصل دراج أن المدهون وصل في هذه الرواية إلى ما أسماه "الرواية العربية الشاملة".
وقال دراج، إنها أعطت رواية المسألة الفلسطينية "بداية جديدة"، وإنها تستكمل مسيرة الرواية الفلسطينية التي بدأت مع غسان كنفاني وسحر خليفة وتستفيد من الثلاثي الفلسطيني "العظيم" جبرا إبراهيم جبرا وكنفاني وإميل حبيبي.
والرواية هي العمل الثالث في المشروع الروائي للكاتب الذي ولد في المجدل/عسقلان سنة 1945 وهاجرت عائلته إلى قطاع غزة عام 1948 واستقرت في مخيم خان يونس للاجئين، وفي هذا المخيم كان ربعي الطفل اللاجئ شاهدًا على مذبحة خان يونس.
ويرى المدهون في سيرته الذاتية تجسيدًا للمشكلة الفلسطينية بكل أبعادها، وقرر الانتقال إلى الكتابة الأدبية بعد أن وصل إلى اقتناع بانسداد الأفق السياسي بعد أوسلو، وقال: "في السياسة الطريق مسدود حسبما أرى، ومن خلال الأدب أشكل خطابي السياسي من زاوية مختلفة تمامًا ومن زاوية أوسع بكثير".
ويقول: "السياسة تخرب الأدب، لكن الأدب يمكن أن يتحدث سياسة، في كل مرة نخلق أشياءً جديدة، وهكذا تكونت الرواية (الحكايات)"، وانقطع المدهون 21 عامًا عن الكتابة بعد مجموعته القصصية الأولى (أبله خان يونس) في عام 1977 قبل أن يستأنف إنتاجه الأدبي.
وقال: "العودة إلى الكتابة في رواية (طعم الفراق) تلخص سيرة 3 أجيال فلسطينية، عشت 50 سنة تكاد أن تلم حصيلة التجربة الفلسطينية .. لديَّ كل صور الفلسطينيين مرة واحدة .. السجن دخلت السجن مرتين في مصر وسوريا".
وأضاف: "التجربة على مدى 50 سنة غريبة .. طفل ولاجئ وشاهد على مذبحة إلى حرب سبتمبر/أيلول 1970 في الأردن كمقاتل فاشل".
وعن مشروعه الروائي قال المدهون: "(السيدة من تل أبيب) بدأت كتابتها في عام 2004؛ فبعد حصولي على جواز السفر البريطاني خطر ببالي العودة إلى غزة بعد 40 عامًا (صدمة المكان) هذا مشهد جديد سأرى فلسطين لأول مرة وهي إسرائيل وليست فلسطين، سأخلق من الرحلة رواية، الرهان كان على المصادمات والمشاهد، أكتب وأصور معظم ما أشاهده".
وقال إن نجاح تلك الرواية بعد وصولها للقائمة القصيرة للبوكر في 2010 "وضعني على سكة الرواية؛ فمن رواية واحدة أصبحت روائيًّا، وخلقت تحديًا إذا كتبت رواية أخرى كيف سيكون شكلها هل ستصل أم لا؟ هل أستطيع تجاوز (السيدة من تل أبيب) أم لا؟ هل يمكن تثبيت نفسي كروائي أم سيُقال إنها رواية وكتبت؟".
وقال إن الإصرار على التجاوز جعل (مصائر) تستغرق منه 4 سنوات و4 زيارات ميدانية للقدس ويافا وحيفا والمجدل/عسقلان.
وقال: "التجول كان يعطيني معلومات جديدة، مع كتابة المشاهد أجد نفسي في حاجة إلى معلومات أخرى، عملية الكتابة كانت عملية نسج مشترك بين الواقع والخيال والبحث، أماكن تتحرك فيها الشخصيات، كيف سيتم تسكينها في المكان".
واستفاد المدهون في أعماله الروائية من عمله كصحفي في صحيفة (الحياة) منذ صدورها الثاني في عام 1987 وصحيفة (الشرق الأوسط) وعمله 6 سنوات في الصحافة التلفزيونية، وأصبحت هذه الخبرة أكثر وضوحًا في (مصائر) التي يقول إنه سعى في هذه الرواية إلى "الصورة ثلاثية الأبعاد التي تعتمد على المعلومات والصور".
وأشار إلى أن المبدأ العام الذي حكم هذه الرواية هو المزج بين المتخيل والمتوقع، وقال إن العمل المقبل سيتم تركيبه على هذه المشاهد.
ويرى المدهون أنه يقدم من خلال مشروعه الروائي نوعًا من الإجابة يتمثل في البحث عن قيمة التعايش.
وقال إنه عمل على "أنسنة اليهودي والفلسطيني ووضعهما على مستوى إنساني واحد، وانطلقت للمحاكمة من الموقف الدرامي تركت كل منهما يروي سرديته والقارئ شاهد التشابهات، لكنه شاهد شخصيتين من لحم ودم".
وأضاف: "في (السيدة من تل أبيب) لم يتجاوز اختبار هذه القيمة مرحلة معينة، وفي (مصائر) هناك نقلة أخرى وجديدة، التعرف على جانب آخر من الصراع .. الفلسطيني الضحية واليهودي الضحية".
وقال إنه يتطلع إلى الانتقال بكل هذه الصورة إلى المستقبل: "وظيفتي أن أتحدى السردية السائدة الخاطئة أن أتطلع إلى المستقبل .. مستقبل آخر في ظل عالم آخر .. حقوق المواطنة حق العودة الفلسطيني، يتحقق التعايش عندما تتساوى حقوق الضحايا عندما تتساوى حقوق الأحياء"، ويتسلح المدهون في هذا الدرب بالجرأة، ويرى أن الكاتب إذا لم يتحلَّ بها لن يكتب شيئًا.
ويقول: "على الكاتب أن يتحلى بالجرأة الكاملة ولا يحسب حسابات أيديولوجية، الحساب الوحيد الذي يجب الاهتمام به هو الحساب الفني وتحقيق عمل فني جيد وتحقيق عمل أدبي متكامل فيه رؤية مستقبلية".