شركات الطاقة تتبنى استراتيجيات مختلفة للخروج من أزمة النفط
مع قيام شركات النفط والغاز بأكبر تخفيض لإنفاقها في مواجهة أسوأ تراجع تتبنى مجالس إداراتها استراتيجيات مختلفة للخروج من تلك الأزمة
مع قيام شركات النفط والغاز العالمية بأكبر تخفيض لإنفاقها في مواجهة أسوأ تراجع تتعرض له منذ عقود تتبنى مجالس إداراتها استراتيجيات مختلفة للخروج من تلك الأزمة.
وهبطت أسعار النفط نحو 70 % خلال آخر 18 شهرا إلى حوالي 35 دولارا للبرميل وهو ما دفع أكبر خمس شركات نفطية في العالم إلى تسجيل انخفاض حاد في الأرباح خلال الأيام القليلة الماضية.
ويواجه الرؤساء التنفيذيون لشركات الطاقة معضلة توازن صعبة حيث يجب عليهم خفض الإنفاق للحفاظ على سلامة الوضع المالي لشركاتهم وفي الوقت نفسه الحفاظ على البنية الأساسية وطاقة الإنتاج بما يتيح لهم المنافسة والنمو عندما تتعافى السوق.
وتتبنى الشركات استراتيجيات مختلفة لتحقيق نمو في المستقبل وتفضل غالبا التركيز على مجالات خبراتها والمواقع الجغرافية لأصولها الرئيسية.
فعلى سبيل المثال تقلص شركتا شيفرون وكونوكو فيليبس الأمريكيتان تركيزهما على مشروعات المياه العميقة الأكثر تكلفة لتركز على حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة. وفي غضون ذلك تنفق هيس كورب هذا العام مبالغ أكبر على المشاريع البحرية على العكس من إنفاق 2015 الذي تركز على المشاريع البرية.
وتراهن بي.بي البريطانية على حقول الغاز البحرية في مصر فيما فضلت رويال داتش شل مسارا بديلا حيث تسعى إلى تأمين مستقبلها من خلال الاستحواذ على بي.جي جروب في صفقة بقيمة 50 مليار دولار.
وفي السنوات الخمس التي سبقت الهبوط -الذي بدأ في منتصف 2014 حينما ظلت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل- تسابقت شركات الطاقة الكبرى على زيادة الطاقة الإنتاجية بما في ذلك شراء حصص في حقول كبيرة مكلفة تقع في بعض الأحيان على عمق آلاف الأمتار تحت سطح البحر وعلى بعد أميال عن اليابسة.
ورغم ذلك خفضت الشركات إنفاقها الرأسمالي الإجمالي خلال العام الماضي وألغت خططا لمشروعات عملاقة تتكلف المليارات لتطويرها وتستغرق ما يصل إلى عشر سنوات حتى تصل إلى مرحلة التشغيل.
وقال بريندان وارن المحلل لدى بي.إم.أو كابيتال "تريد الشركات إحداث توازن بين دورات الاستثمارات طويلة وقصيرة الأمد وبين الحفاظ على ميزانيات عمومية قوية لتمويل أنشطتها أثناء دورة الهبوط."
وأضاف أن التركيز على مجالات خبرة ومناطق جغرافية بعينها يمكنه أن يقدم للمستثمرين "قيمة فريدة".
وأعلنت شيفرون ثاني أكبر شركة نفطية في الولايات المتحدة من حيث القيمة السوقية بعد إكسون موبيل الأسبوع الماضي عن خطط للإنفاق على استثمارات ذات دورات قصيرة الأجل ومشروعات أقل تكلفة يمكن أن تستغرق أشهرا وليس سنوات عديدة لتصل إلى مرحلة التشغيل.
وعلى وجه الخصوص تركز شيفرون على وجودها الكبير في حقول النفط الصخري في حوض برميان بالولايات المتحدة على حساب مشروعات المياه العميقة المعقدة مرتفعة التكلفة بعدما خفضت إنفاقها الرأسمالي 24 في المئة هذا العام.
وقال جون واطسون الرئيس التنفيذي لشيفرون "لن ننطلق في مشروعات طويلة الأجل ... نفضل الاستثمارات قصيرة الأجل ... وإذا لم تحقق متطلباتنا فلن نستثمر."
ورغم أن تطوير آبار للنفط الصخري قد يكون أكثر تكلفة من بعض مشروعات المياه العميقة على أساس تكلفة البرميل فإن الاستثمارات ذات الدورات الأقصر والأقل مخاطر في التنفيذ تعني أن الشركات يمكنها جني الأرباح سريعا.
وتتحرك استراتيجية الاستثمارات قصيرة الأجل بفعل عوامل من بينها أنه على عكس نموذج بي.بي فإن شيفرون لديها بالفعل خطط لمشروعات طويلة الأجل وتقوم حاليا بتطوير بعض أكبر مشروعات الغاز الطبيعي المسال في العالم مثل محطتي جورجون وويتستون في أستراليا.
وانصرفت شركات أصغر مثل كونوكو فيليبس وهيس أيضا عن مشروعات المياه العميقة واتجهت إلى إنتاج النفط الصخري من الحقول البرية بما في ذلك باكين شيل في ولاية نورث داكوتا.
وكانت بي.بي من بين شركات قليلة للغاية وافقت على مشروعات كبيرة العام الماضي مع قرارها استثمار 12 مليار دولار في مشروع للغاز بغرب دلتا النيل في مصر. وتستند الاستراتيجية جزئيا إلى خططها التي تهدف لتحقيق جزء كبير من نمو إنتاجها في المستقبل من حقول الغاز البحرية قبالة السواحل المصرية.
لكن بي.بي التي سجلت أكبر خسارة لها على الإطلاق الأسبوع الماضي لا تملك مشروعات كثيرة طويلة الأجل مثل تلك التي تتفاخر بها شيفرون.
ويرجع مشروع بي.بي للتطوير أيضا إلى حقيقة بيع الشركة أصولا بما يزيد عن 50 مليار دولار بعد التسرب النفطي الكبير في خليج المكسيك عام 2010 مما أسفر عن هبوط حاد في الإنتاج بحسب محللين.
وعلى النقيض اتجهت شل في مرحلة مبكرة من الهبوط إلى الاستحواذ على بي.جي جروب البريطانية في أكبر صفقة يشهدها القطاع منذ عشر سنوات. وستجعلها الصفقة تحتل مركز الريادة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال والنفط من الحقول البحرية في البرازيل وزيادة احتياطياتها من الطاقة بنحو الخمس.
وتتوقع المجموعة البريطانية-الهولندية التي سجلت الأسبوع الماضي أقل دخل سنوي لها في 13 عاما استكمال الصفقة هذا الشهر.
وقال أنيش كاباديا المحلل لدى تودور بيكرنج هولت آند كومباني إن إكسون الأمريكية العملاقة ربما تحتاج إلى الاقتداء بشل والسعي وراء صفقة اندماج واستحواذ كبيرة بعدما فاجأت الكثيرين في السوق الأسبوع الماضي بخفض إنفاقها للعام الحالي إلى 23 مليار دولار.
وأضاف أن خفض الإنفاق الرأسمالي يشير إلى أن الشركة - التي سجلت أقل ربح فصلي لها فيما يزيد عن عشر سنوات - لا تخطط للاستثمار في مشروعات جديدة كثيرة.
وتابع "هذه علامة على أن إكسون ليس أمامها مشروع جذاب بما يكفي لتستثمر فيه وليست مستعدة للاستثمار في المنبع ولذا فإنها إذا أرادت النمو فسيكون عليها القيام باستحواذ.
"وفي تلك البيئة مع الصعود المحتمل لأسعار النفط فإن شيفرون تفعل الصواب. وتستطيع البقاء على مدى السنوات القليلة المقبلة ويكون أمامها خيار النمو. وتأتي إكسون في المؤخرة وتبدو الأكثر تكلفة لكن ذلك من الصعب تبريره نظرا لغياب آفاق النمو."
وقيمت تودور بيكرنج هولت آند كومباني سهمي شيفرون وشل بتوصية "بالشراء" وسهم بي.بي "بالاحتفاظ" وسهم إكسون "بالبيع".
وتبدو شتات أويل النرويجية وتوتال الفرنسية في موقف وسط حيث ألمحت الشركتان إلى أنهما لن تستثمران مشروعات جديدة هذا العام لكن لديهما أيضا خططا لمشروعات كبيرة في السنوات القادمة ستعوض انخفاض الإنتاج.