كشف أحدث تقرير للبنك المركزي التونسي عن هبوط غير مسبوق للدينار التونسي، بالتزامن مع تصدعات بين قيادات الحزب الذي يترأس الحكومة.
كتم قطاع عريض من عموم التونسيين والمثقفين أنفاسهم بعد أن تعاقبت "الإشارات الحمراء" في تقرير البنك المركزي، وقصور رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان ومقرات الحزب الحاكم الذي أسسه قبل 3 أعوام ونصف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن مواجهة أزمات البلاد.
وفي الوقت الذي تعاقبت فيه مؤشرات تصدع الحزب الحاكم -الذي كان يوحد اليساريين والنقابيين وانصار حزب بن علي- تعددت مؤشرات "انهيار الأغلبية البرلمانية الحالية" وانقسام أنصار قائد السبسي إلى كتلتين أو أكثر، بما قد يؤدي إلى "تحكم حزب حركة النهضة الإسلامي مجددًا في قانون اللعبة السياسية في البلاد؛ لأن كتلته سوف تصبح صاحبة المرتبة الأولى في البرلمان بما يمكنها من إعادة تشكيل الحكومة".
وفي صالونات السياسة والمال والأعمال في تونس أصبحت تصريحات البرلمانيين والخبراء الاقتصاديين ورجال الأعمال والسياسيين "تعكس تخوفات متزايدة" حول مستقبل البلاد و"التوازنات العامة في تونس وفي المنطقة".
التخوفات تزيدت خاصة بعد أن أكد التقرير الدوري الجديد للبنك المركزي، أن قيمة الدينار التونسي انخفضت لأول مرة الى ما دون نصف دولار، وأن عجز موازنات الدولة ستستفحل في الأشهر والأعوام القادمة، وستتعقد أكثر في 2017 مع حلول موعد تسديد أصل الدين والفوائد بالنسبة للقروض التي حصلت عليها الحكومة في عهد بن علي ثم بعد 2011.
ومن الناحية السياسية كانت "القطرة التي أفاضت الكأس" والورقة التي "كشفت المستور" اندلاع أعمال عنف لفظي ومادي غير مسبوقة بين شقين متصارعين في قيادة الحزب الحاكم بمشاركة عشرات من أنصارهم.
وتسبب ذلك العنف في تلويح عشرات البرلمانيين والقياديين السياسيين في الحزب الحاكم بالاستقالة، وتأسيس أحزاب منافسة للحزب الحاكم الحالي الذي اعتبر بعضهم أنه "سينهار مثلما انهار الدينار".
وقد أعلن الأزهر العكرمي، الوزير الناطق الرسمي سابقًا باسم الحزب الحاكم أنه "يخجل من الانتماء إلى حزب نداء تونس، وأكد مع عدد من المقربين منه أنهم قد يؤسسون حزبًا جديدًا".
وأكدت المحامية اليسارية والبرلمانية من نفس الحزب نفس التوجه، ولوحت بالاستقالة ردًا على "تعنيف المدير التنفيذي للحزب والناطق الرسمي باسمه بوجمعة الرميلي".
في الأثناء تبادل حافظ قائد السبسي ـ نجل الرئيس التونسي ونائب رئيس الحزب ـ والأمين العام للحزب الوزير السابق محسن مرزوق وآخرون اتهامات سياسية خطيرة، توحي بـ"القطيعة النهائية" بين عدد من بارونات السياسة والمال في تونس.
ولعل من بين ما يزيد الأوضاع تعقيدًا أن "لوبيات المال السياسي" طرف في هذه الصراعات حول المناصب الحكومية والحزبية حسب تقدير الجامعي عبد اللطيف الحناشي.
لكن بعض "الوسطاء" و"الحكماء" - مثل رضا بالحاج الوزير مدير الديوان الرئاسي ـ الذي كان من أبرز مؤسسي الحزب - أو الطيب البكوش ووزير الخارجية الطيب والأمين العام السابق للحزب لا يزالون يحاولون مع الرئيس الباجي قائد السبسي لتدارك الأوضاع واحتواء الموقف، ومنع الحزب الحاكم من الانهيار بما قد يعر ض تونس إلى مزيد من المخاطر في وقت يبدو فيها الاقتصاد الوطني هشًّا، والدينار مهددًا بدوره بمزيد الانخفاض والتزحلق بما سيتضاعف من نسب التضخم وغلاء الأسعار.
ويدرك المعارضون لحزب النداء وحلفائه ـ مخاطر انهيار "عماد" الحياة السياسية في تونس -أي حزب قائد السبسي-؛ لذلك سارع كثير منهم، مثل رئيس كتلة حزب النهضة في البرلمان والوزير السابق للعدل نور الدين البحيري إلى التأكيد على كون البلاد في حاجة إلى دعم الحكومة الحالية برئاسة الحبيب الصيد، وإلى دعم الدور الوطني لكل الأحزاب، بما في ذلك حزب النداء.
وأورد البحيري أن "حركة النهضة ستدعم الاستقرار في البلاد وحكومة الحبيب الصيد مهما تغيرت موازين القوى داخل البرلمان وحزب النداء".
هذه التطمينات سلاح ذو حدين؛ لأنها تكشف أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية الكارثية في تونس خفضت من نهم كل الأحزاب والسياسيين على تحمل مسئولية الحكم؛ تخوفًا من إجراءات لا شعبية قد تكون ردود الفعل عليه عنيفة، خاصة داخل النقابات وفي صفوف الشباب المهمش والجهات الفقيرة.
aXA6IDE4LjIyNi4yMjIuMTMyIA== جزيرة ام اند امز