عامان على حرب غزة.. كيف صمدت قناة السويس أمام هجمات البحر الأحمر؟

بعد عامين على اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تلاها من هجمات لمليشيات الحوثي على سفن الشحن بالبحر الأحمر، تواجه قناة السويس إحدى أخطر أزماتها في التاريخ الحديث.
تعد قناة السويس أحد أهم شريانات التجارة العالمية التي تستحوذ على 12% من حجم التجارة عالميًا إضافة إلى أنها ركيزة أساسية للاقتصاد المصري.
وعقب أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شهدت قناة السويس تراجعًا حادًا في حركة الملاحة والإيرادات، ما يطرح تساؤلات ملحة حول حجم الخسائر، وقدرة القناة على استعادة عافيتها، ومستقبلها في ظل منطقة مضطربة.
7 أكتوبر وهزة عنيفة للاقتصاد المصري.. خسائر بالمليارات
الأرقام الرسمية تكشف عن حجم الصدمة التي تعرضت لها إيرادات القناة إثر اندلاع حرب غزة عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ففي تصريحات متواترة، كشف عدد من المسؤولين المصريين عن حجم الخسائر الفادحة التي تكبدتها القناة.
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن إيرادات قناة السويس انخفضت بنسبة تتراوح بين 50% و60%، مقدرًا حجم الخسائر بنحو 7 مليارات دولار خلال عام 2024.
وأكدت الرئاسة المصرية أن هذا الانخفاض جاء نتيجة مباشرة للأحداث في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والتي أثرت سلبًا على حركة الملاحة العالمية.
بدوره، قال الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، إن إيرادات القناة خلال العام المالي 2023-2024 بلغت 7.2 مليار دولار، مقارنة بـ9.4 مليار دولار في العام المالي السابق، وهو ما يعكس حجم التأثير.
- في خطوة تنافسية.. قناة السويس تخفض رسوم عبور السفن الكبيرة بنسبة 15%
- «ميرسك»: قناة السويس شريك استراتيجي.. ونراقب الوضع الأمني للعودة الكاملة
وفي تصريحات أخرى، أشار ربيع إلى أن نسبة الانخفاض في عدد السفن العابرة بلغت 50%، وأن القناة سجلت خسائر بنحو 7 مليارات دولار بسبب "أزمة لم تساهم فيها".
هذه الأرقام تؤكدها بيانات صندوق النقد الدولي، الذي أفاد بأن حركة التجارة عبر القناة انخفضت بنسبة تصل إلى 70% في بعض الفترات، مما يسلط الضوء على مدى اعتماد هذا الممر المائي على الاستقرار الإقليمي.
الخبير الاقتصادي، الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية، أوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن تراجع إيرادات القناة يتسبب في ضغوط على العملة الأجنبية في مصر، في وقت تسعى فيه الدولة للوفاء بالتزاماتها الخارجية والداخلية.
هل استعادت قناة السويس عافيتها بعد مرور عامين على حرب غزة؟
وبالرغم من المؤشرات الإيجابية الطفيفة، مثل تحسن الموقف الملاحي بنسبة 3% في مارس/ أيار مقارنة بيناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الماضيين، فإن التعافي الكامل لا يزال بعيدا، وعودة حركة الملاحة إلى طبيعتها مرهونة بشكل أساسي بوقف الهجمات في البحر الأحمر وتحقيق استقرار أمني دائم، وفق آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين.
قال الفريق أسامة ربيع إنه يتوقع أن تتحسن حركة الملاحة، على أن تعود إلى طبيعتها نهاية العام الجاري، بناءً على دراسات دقيقة، ومع ذلك، لا يزال "الهاجس الأمني يؤثر على التوكيلات الملاحية الكبرى"، التي ما زال بعضها يفضل طريق رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر تكلفة.
وشهدت مؤشرات الملاحة في قناة السويس تحسناً طفيفاً خلال النصف الأول من العام الجاري، رغم استمرار التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، وفق تقرير حكومي مصري نشره "المركز الإعلامي لمجلس الوزراء".
وأكد التقرير أن القناة أثبتت صموداً لافتاً على مدار نحو عامين أمام تداعيات الهجمات المتقطعة على السفن التجارية في البحر الأحمر، ما عزز مكانتها كأحد أهم شرايين التجارة العالمية.
وأوضح التقرير أن أعداد السفن العابرة للقناة ارتفعت بنسبة 3.1% في الربع الثاني من 2025، لتسجل 3074 سفينة مقابل 2981 في الربع الأول، كما زادت الحمولات الصافية بنسبة 6% لتصل إلى 122.5 مليون طن، بينما قفزت الإيرادات 8.3% لتسجل 975.8 مليون دولار مقابل 901.2 مليون دولار.
ولفت إلى أن 661 سفينة عدّلت مسارها لعبور القناة بدلاً من الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح.
- قناة السويس الجديدة.. مشروع مصري أعاد رسم مسار التجارة العالمية
- وزير المالية: مصر خسرت 145 مليار جنيه من إيرادات قناة السويس لكن الديون تراجعت
رغم هذه المؤشرات، أشار التقرير إلى أن القناة تعرضت العام الماضي لخسائر كبيرة، بعد انخفاض الإيرادات بنحو 60%، ما يعادل 7 مليارات دولار، نتيجة هجمات مليشيات الحوثي على طرق الشحن بالبحر الأحمر وخليج عدن، في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة.
الدكتور إبراهيم مبروك، أستاذ النقل بجامعة الأزهر، أكد أن الأهمية الاستراتيجية لموقع القناة وتفردها عن أي بديل ملاحي آخر، ساهما في صمودها أمام التحديات، مشيراً إلى أن طريق رأس الرجاء الصالح مكلف ويستغرق وقتاً أطول.
وأضاف أن عمليات التطوير والحوافز الاقتصادية عززت من مكانة القناة عالمياً، متوقعاً عودة الحركة إلى طبيعتها تدريجياً.
حوافز وتطوير مستمر
بحسب التقرير تقدمت مصر ثلاثة مراكز في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية الصادر عن "الأونكتاد"، لتحتل المرتبة 19 عالمياً في الربع الثاني من 2025.
وأشار التقرير إلى انتهاء مشروع تطوير القطاع الجنوبي للقناة، بما يرفع عامل الأمان الملاحي بنسبة 28% ويزيد طاقتها الاستيعابية إلى 8 سفن، فضلاً عن تعزيز الأسطول البحري بـ24 وحدة جديدة وإطلاق خدمات مثل الإنقاذ البحري، مكافحة التلوث، والإمداد بالوقود.
واتخذت هيئة قناة السويس عدة إجراءات للتخفيف من حدة الأزمة، منها التواصل المباشر بمشاركة من الرئيس السيسي، اتصالات مع كبرى شركات الشحن العالمية لبحث مطالبها وتشجيعها على العودة، و تقديم حوافز وتخفيضات تصل إلى 15% لسفن الحاويات العملاقة للمشاركة في تحمل الأعباء.
وبدأت الهيئة في تقديم خدمات لوجستية جديدة، مثل إصلاح السفن، والإنقاذ، والإسعاف البحري، لتعزيز جاذبية القناة، بجانب العمل على مشاريع تطوير مستمرة لتطوير المجرى الملاحي، مثل ازدواج القناة في منطقة البحيرات المرة الصغرى، لزيادة الأمان الملاحي والقدرة الاستيعابية.
يتفق الخبراء على أن قناة السويس ستظل الممر الأسرع والأكثر كفاءة بين آسيا وأوروبا، وأنه لا يوجد بديل حقيقي لها على المدى الطويل، ومع ذلك، فإن الأزمة الحالية أثبتت مدى تأثر القناة بالتوترات الجيوسياسية.
وقال خبير النقل البحري وائل قدورة إن الخسائر التي لحقت بقناة السويس جراء الأحداث قياسية وغير مسبوقة في تاريخها، مؤكدًا أن الحل الأمثل على المدى الطويل هو تحويل محور قناة السويس إلى محور صناعي وتجاري لوجيستي كما تسعى الدولة حاليا، بحيث يكون هناك تنوع في التدفقات النقدية ولا تعتمد فقط على رسوم العبور من القناة.
ويقول الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي لـ "العين الإخبارية" إن مصر استطاعت تعويض جزءا من هذه الخسائر، من خلال جذب استثمارات أجنبية مباشرة، مثل صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، وزيادة التحويلات والسياحة.
وقال: "بدليل أننا رغم هذا الفقد الكبير لم نسمع عن تأثيرات ضخمة هزت الاقتصاد.. وهذا يؤكد أن مصر استطاعت بحجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة أن تواجه تلك الأزمة".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNSA=
جزيرة ام اند امز