ماذا تعلَّم العالم من الإمارات في 15 يومًا؟
دولة الإمارات العربية المتحدة، تجذب أنظار العالم إليها خلال النصف الأول من شهر فبراير، بأحداث عالمية وقرارات هيكلية
كأنها لاعب استحوذ على الكرة وظل يستعرض مهاراته ببراعة، بينما جلس لاعبو فريقه والفريق المنافس في مقاعد الجماهير، ينتظرون إحصاء عدد الأهداف التي سيسددها هذا اللاعب الماهر.. ثم فاجأ اللاعب الجميع بأنه يفتح ذراعيه داعيا الآخرين إلى الوقوف بجواره، ومشاركته في إحراز الأهداف، حتى تتحقق السعادة للجميع.
لن تكون هناك مبالغة في الوصف السابق، إذا ما طبقناه على دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تمكنت خلال النصف الأول من شهر فبراير (أقصر شهور العام الميلادية)، أن تجعل أنظار العالم تنصبّ نحو أرضها وقادتها، بأحداث عالمية وقرارات هيكلية ترسم ملامح المستقبل، وتبشر بأن القادم أفضل وأسعد.
«الحكومات وُجدت لترعى الإنسان والصحة والتعليم، وعندما تستثمر الحكومات في مواطنيها وتعمل على دعمهم، حينها فقط يحلّ الأمن والأمان، أنتم في الإمارات تراعون ذلك، تراعون شعبكم، وتوفرون التعليم والصحة وتحترمون حقوق الإنسان».. كان هذا جزء من كلمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في افتتاح القمة العالمية للحكومات بدبي، عبر دائرة تليفزيونية مغلقة، تلخص قراءته لما يحدث في الإمارات.
«أوباما» الذي يرأس أكبر دولة في العالم، أعرب عن فخره بكون الإمارات شريكا رئيسيا لبلاده، وأثنى على التزامها بالحكومة الإلكترونية ومساعدة أصحاب المشروعات التي تقدم الطاقة النظيفة.
القمة التي شارك بها 125 دولة ونحو 3 آلاف شخص، عُقدت تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل»، وعلى هامشها تم افتتاح متحف المستقبل، الذي بدا وكأنه مكان أسطوري لعرض الاختراعات ودعم المبتكرين في مجال التكنولوجية ومساعدتهم في تنفيذها، وبلغت تكلفة إنشائه 136 مليون دولارا أمريكيا، وتصدر هاشتاق «القمة» التي انعقدت خلال الفترة من 8 إلى 10 فبراير، موقع «تويتر» في كل دول العالم بآلاف التغريدات وملايين المشاهدات، باللغتين العربية والإنجليزية.
دولة السعادة والتسامح
15 يومًا مرت من شهر فبراير 2016، أثبتت فيها الإمارات عدم دقة مقولة أن «البناء أصعب من الهدم»، بل وربما يتغير وصف شهر فبراير الذي يصفه البعض بـ«الأسود»، إلى «فبراير السعيد».. ولم لا، فقد تشكلت خلاله حكومة السعادة، التي ضمت لأول مرة في المنطقة العربية وزيرة دولة للسعادة، ووزيرة دولة للتسامح، فضلا عن أصغر وزيرة في العالم، عمرها 22 عاما فقط.
فبينما كانت القمة العالمية للحكومات، والمشاركون فيها يلملمون أوراقهم مستأذنين في الرحيل يوم 10 فبراير، كان الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، يعلن عبر «تويتر» أسماء أعضاء الحكومة الجدد، والتي بلغت حصة النساء في كاملها 8 حقائب وزارية، من أصل 29 وزيرا.
الشيخ محمد بن راشد وصف التغييرات الحكومية التي اعتمدها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وبالتشاور مع الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، بأنها أكبر تغييرات هيكلية في تاريخ الحكومة الاتحادية، والتي باتت تضم عددا أقل من الوزارات، وعدد أكبر من الوزراء للتعامل مع ملفات وطنية واستراتيجية متغيرة وديناميكية.
شملت الهيكلة دمج 4 هيئات ووزرات، واستحداث منصبي وزيري دولة، واستحداث 4 هيئات، وتغيير أسماء 7 وزارات بعد توسيع مهامها، وتحدث نائب رئيس الدولة عن طموحاته بشأن التشكيل الوزاري الجديد، قائلا: «نريد أن تكون الحكومة ذات بصيرة تستطيع استشراف المستقبل، والاستعداد له، واستخدام أدواته، نريدها أيضا شابة قادرة على خلق بيئة للشباب لتحقيق أحلامهم ومستعدة للعمل بشكل سريع لتحقيق طموحات شعبه».
وعقب أداء الحكومة الجديدة القسم، أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، قرارين بتعيين الشيخ طحنون بن زايد، مستشارًا للأمن الوطني، والشيخ خالد بن محمد بن زايد، رئيسا لجهاز أمن الدولة بدرجة وزير، كما أصدر مرسوما أميريا بإعادة تشكيل المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وتعيين الشيخ محمد بن زايد، رئيسا له، ووجه الشيخ خليفة أعضاء مجلس الوزراء بالعمل بجد وإخلاص للمساهمة في تعزيز التنمية المستدامة للبلاد بما يحقق طموحات الشعب.
التعليم والثقافة.. محوران في القلب
كان «التعليم» هو أبرز عناصر التغييرات الهيكلية التي علق عليها الشيخ محمد بن راشد، بقوله: «أصبح لوزارة التربية والتعليم 3 وزراء، ومؤسسة تدير مدارسها، ومجلس أعلى للتعليم يشرف عليها، ونتابعها من مجلس الوزراء.. ولا عذر لأحد بعد ذلك»؛ كما تم تعيين رئيسة لمجلس علماء الإمارات، في رسالة ضمنية بأن التعليم هو قاطرة الدولة نحو المستقبل، وسيكون على رأس اهتماماتها.
ومن التعليم إلى الثقافة، حيث أطلق الشيخ محمد بن راشد، بداية فبراير الجاري، أكبر مكتبة عربيًا، باستثمار يبلغ مليار درهم، والتي تم الشروع في بنائها على مساحة تتجاوز مليون قدم مربع، ومن المنتظر أن تضم بين جنباتها 4.5 ملايين كتاب، ما بين مطبوع وإلكتروني ومسموع، وعدد مستفيدين متوقع يبلغ 42 مليون شخص سنويا.
في محطة الثقافة أيضا، ضم جناحا الإمارات في معرضي «القاهرة الدولي للكتاب»، و«الدار البيضاء للكتاب»، إنتاجا فكريا متنوعا، وشهد الجناحان إقبالًا كبيرًا من جانب الجمهور في كل من مصر والمغرب.
البيت متوحّد.. والتلاحم في الداخل والخارج
بينما كان قادة إمارة دبي وعلى رأسهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يحتفون بالعالم ممثلا في ضيوف القمة العالمية للحكومات على أرض الإمارة، كان قادة إمارة «أبوظبي» إلى جوارهم كتفا بكتف، واضعين أكفهم جميعا في مربضٍ واحد، وكأنها يدٌ واحدة ترسم مستقبل الإمارات، وتقدم الدولة برئاسة الشيخ خليفة بن زايد، إلى العالم، في أبهى صورها.
وفضلا عن الحراك الداخلي الذي شهدته الدولة خلال النصف الأول من فبراير، استمرت الدولة في سياستها الرامية للشراكة الاستراتيجية مع الكبار، بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى الهند والتي تم خلالها توقيع اتفاقات مشتركة في مجالات الطاقة المتجددة والأمن الإلكتروني والاستثمار في البنية الأساسية، بالإضافة إلى تدشين رصيف موانئ دبي الجديد بالهند، وحقق هاشتاق الزيارة أكثر من نصف مليار مشاهدة حول العالم في أقل من 3 أيام.
مجددا ظهر التلاحم الإماراتي من أبوظبي إلى بومباي، ولم تغفل الكاميرا التي ترصد زيارة الشيخ محمد بن زايد للهند، الاسم الأبرز بالوفد المرافق له، وهو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم.
الخير للجميع
اللافت أيضا أن التكاتف الإماراتي لم يتوقف عند أهل البيت فقط، وإنما امتد أيضا إلى الخارج، حيث واصلت الدولة مد أيديها إلى الدول الشقيقة، باستمرار الهلال الأحمر الإماراتي في تقديم المواد الإغاثية للأشقاء في اليمن، وتقديم جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية 4 آلاف معطف للاجئين السوريين، ضمن مشروع «حفظ النعمة» الذي يقدم للمستفيدين خدمات من شأنها رفع مستوى معيشتهم من خلال الغذاء والكساء والأثاث وكسر الصيام وسقيا الماء، وإطلاق حملة توزيع مساعدات إماراتية للنازحين السوريين بلبنان، مقدمة من «مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال لإنسانية» بقيمة 1.5 مليون دولار أمريكي.
مما يلفت الانتباه أيضا، أن أيادي الخير الإماراتية، لم تقف عند حد الجانب المادي فقط، ولكن نزفت الدولة من دمائها مجددا في سبيل دعم الشرعية والاستقرار باليمن، واستشهد أحد جنودها البواسل وأصيب آخر هناك، وكانت أرضها على موعد جديد مع الحزن والبكاء حين وصل إليها جثمان الشهيد ليضاف اسمه إلى قائمة الشرف من شهداء الجيش الإماراتي، الذي تشارك بعض عناصره حاليا في مناورات «رعد الشمال» بالمملكة العربية السعودية، ضمن قوات 20 دولة عربية وإسلامية.
مرحلة جديدة
قبل نحو أسبوعين من الآن، ناقشت الخلوة الوزارية الإماراتية اقتصاد الدولة في مرحلة ما بعد النفط، وخاصة ما يتعلق بالاقتصاد المعرفي والمعلوماتي.. واليوم يرى المراقبون والمحللون حول العالم أن الدولة تسير في طريقها نحو المستقبل بخطى واثقة وقيادة حكيمة، والأفعال هي التي تفصح عن ذلك النجاح، وليس الأقوال.