سحر خليفة لـ«العين»: أنا روائية "مُسيَّسة" وإن لم أكن سياسية
لمعت سحر خليفة كرِوائية عربية قادرة على نقل الوجع الفلسطيني، بالتزامن مع قدرتها الدائمة على تعرية وضع المرأة العربية والدفاع عن قضاياها
لم تكن زيارتها هذه المرة لدبي كسابقاتها، بل كانت محملة بفرحة التكريم الأول لها في الوطن العربي: حصولها على جائزة المبحث النسوي من مجلة (دبي) الثقافية.
سحر خليفة الأديبة الفلسطينية من مواليد 1941 في مدينة نابلس، حاصلة على شهادتها الجامعية من جامعة بيرزيت تخصص أدب إنجليزي، وعلى الدكتوراه من جامعة آيوا.
لمعت خليفة كروائية عربية قادرة على نقل الوجع الفلسطيني بمنتهى الشفافية، بالتزامن مع قدرتها الدائمة على تعرية وضع المرأة العربية والدفاع عن قضاياها، ووصلت إلى العالمية؛ إذ ترجمت أعمالها إلى لغات مختلفة، وحصلت على جوائز عالمية مختلفة، وأخيرًا حصلت على جائزة المبحث النسوي عن مجمل سيرتها الذاتية ونضالها لتحرير المرأة العربية.
- كيف تكتب سحر خليفة عن شخصياتها؟
عندما أشتغل على عمل ما أبدأ في مرحلة بحث متعمقة، أستكشف عوالم روايتي وشخصياتها، ثم أنهي العمل بالتكثيف وإضفاء اللمسات الروائية والجمالية، يبدأ عملي بالبحث لينتهي بالرواية.
لابد أن يحمل الكاتب بداخله وجوهًا لشخصيات مختلفة، شخصية الباحث الأمين، وشخصية المتقصي في البعد الإنساني، وشخصية المحلل السيكولوجي ليتمكن من الدخول في عمق الشخصيات التي يكتب عنها، وفي الوقت ذاته يجب أن يكون متجردًا، هذه التوليفة تحتاج إلى تدريب ومرانٍ مستمرين.
على الرغم من مرور 40 سنة على دخولي مجال الأدب والثقافة، إلا أنني أدرك دائمًا عند مراجعتي لذاتي أني أتعلم أمرًا جديدًا، سواء من قراءاتي ومتابعاتي وتجربتي بحد ذاتها، أو من خبرتي في استعمال الكلمة، وتكثيف المشاهد والتعمق في الشخصيات.
- وماذا عن البُعد النظري في تكوين الكاتب، كيف ترين أهمية الخلفية الأكاديمية بالنسبة لعمل الكاتب، طبعًا في حال كانت موهبته حاضرة وواعدة؟
بالتأكيد للبُعد الأكاديمي أهمية كبرى في تجربة الكاتب، وإن لم يكن المطلب الوحيد هنا، سأتحدث فقط عن الرواية العربية، التي لا تزال حديثة العهد، فبعيدًا عن زينب وهيكل وتلك التجارب الأساسية التي كانت بدايات لمرحلة الرواية العربية الحديثة، إلا أن الرواية العربية بدأت تعرف وتقرأ بشكل جماهيري في خمسينيات القرن الفائت في زمن إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس، وغيرهم، أما نجيب محفوظ فأنا لم أتعرف عليه إلا بأواخر السبعينيات، وقبل ذلك لم يكن معروفًا جدًّا بعد.
أقول، لا نزال كأدباء عرب نتلمس طريقنا، وبهذا المعنى علينا الاطلاع على الأعمال الروائية من ثقافات أخرى لتعلّمنا وتُغنينا، أنا شخصيًّا تعلمت الكثير من الأدب الروسي، لا يمكن للأديب الاطلاع فقط على آداب ثقافته فحسب، وإلا سيبقى محدودًا.
- ما تأثير استكشاف الروائي لآداب وثقافات أخرى على تطور عمله الروائي؟
بالطبع لا يمكننا نسيان أهمية اطلاع الروائي على حضارات وروايات من ثقافات أخرى، مثل الأدب اللاتيني والياباني والكوري والإفريقي؛ فاستكشاف تجارب الثقافات الأخرى يُغني ويسد النواقص الموجودة لدينا نحن كروائيين عرب.
اللغة أيضًا عنصر أساسي لتطور عمل الروائي، ويغنيه في هذا المجال الاطلاع على الشعر، طبعًا في حال ابتعدنا عن تهويمات الشعر وتجريده، إلا أن استعمال اللغة وجرسها وموسيقاها تؤثر على العمل الروائي بصورة كبيرة.
- تناول نقاد أعمالك بكثرة، ومنهم من قال إن رواياتك تسجيلية، ما رأيك بهذا الكلام؟
في الحقيقة لا أتفق معهم البتة، من حيث المبدأ لا أعتقد بوجود التسجيلية في الأدب؛ فالروائي ينتقي الخلفيات والشخصيات والمواقف، كل شيء في الرواية يحصل باختيار الروائي، في حين أن الموضوعية تأتي كمحصلة نهائية. الروائي ينتقي ثيماته وشخصياته، وظروف روايته، والانتقائية معاكسة تمامًا للتسجيل.
- اشتغلتِ على الرواية التاريخية وتناولتِ نماذج ثورية تاريخية مختلفة من العالم العربي، آخرها نموذج أنطون سعادة، لماذا أنطون سعادة تحديدًا؟
أخذت أنطون سعادة كأنموذج لبطلٍ تراجيدي، يمثّل تمامًا الزعيم المستنير المفكر المتطور، والذي ظُلم في حياته ومماته. شوهت سمعة سعادة بصورة كبيرة، لقد كان مفكرًا بارعًا، وليس سياسيًّا ضليعًا، كان مهيئًا للقيادة، لكن كزعيمٍ فكري، لا كزعيم سياسي.
أنطون سعادة شخصية تراجيدية من الطراز الأول، كان لامعًا، كاريزماتيًّا، رومانسيًّا صاحب قصص حب وغرام، كما أنه غنى الأوبرا، واطلع على المعارف والعلوم الغربية، لكنه واجه نظامًا متخلفًا قضى عليه في أقل من 24 ساعة.
- تتحدثين عن شخصية سعادة بحب، هل نفهم أن سحر خليفة تكتب عن شخصيات تجذبها أو تحب أن تكتب عنها؟
بل أنا أحاول أن أجيب عن أسئلة تدور في ذهني وذهن سواي من المثقفين العرب، منها: ما السبب وراء انكسار ثوراتنا العربية؟ وما أقدمه في أعمالي الروائية هو نماذج للإضاءة على التجربة، بالنسبة لأنطون سعادة، أخذت نموذج مفكر قادر وناجح وعنده رؤيا ومع هذا فشل في محاولته للثورة والتغيير.
- كم تؤثر خلفيتك السياسية على عملك كروائية؟
الروائي هو ابن ظروفه وابن تجربته وخلفيته الثقافية والاجتماعية والفكرية وحتى السياسية، بما أنني عايشت الاحتلال يومًا بيوم، والانكسارات والهزائم والموت، فمن الطبيعي أن تنعكس الأسئلة التي تؤرقني في أعمالي الروائية، من هذه الأسئلة: لماذا نحن العرب مهزومون إلى الآن؟
اليوم أنا محبطة وأعلن عن هذا الإحباط، لأننا كفلسطينيين، وعلى الرغم من الاحتلال الطويل والمعاناة القاسية، لكن الإحساس الثوري كان متأججًا على الدوام؛ نظرًا لوجود عمق عربي نعرف أنه بإمكاننا الاعتماد عليه، لكن اليوم وبعد هذه التغيرات الكبيرة التي تعرضت لها مجتمعاتنا العربية وانهيار العمق العربي، أشعر اليوم أن هزيمتنا كفلسطينيين اكتملت.
للأسف أنا غير متفائلة على المدى المنظور، وإن كنت مقتنعة بأن الظروف التاريخية دائمًا متغيرة، لكني لا أتوقع أن أشهد التغييرات في وقت قريب، نحن العرب لم نعرف كيف نحافظ على مكاسبنا، ولا تعلمنا كيف نجيّر مكاسبنا السياسية لصالح مصالحنا الخاصة.
اليوم شعبنا العربي جاهل، بل يجهل أكثر بهذه الحركات الأصولية العمياء.
أعترف بأنني روائية مسيسة وإن كنت لست سياسية، ولا أنتمي لأي فصيل أو تيار سياسي، فقط أعيش همي الوطني بكل مراحله.
- حدثينا عن آخر مشروعاتك الكتابية.
«رواية الرواية» أتحدث فيه عن تفاصيل كتابة رواياتي، ما البحث الذي أجريته استعدادًا للكتابة، والظروف الخاصة بكل رواية، مع مراجعة للنقد الذي تلقته؟
أريد لهذا العمل إعطاء فكرة عن عملية الكتابة بحد ذاتها، بالإضافة إلى تضمنه بعضًا من تجربتي الشخصية، وكيف انتفضت على زواجي التقليدي واستكملت دراستي الجامعية وبعدها الدكتوراه، لتعرف كل امرأة أنها قادرة على فعل الكثير، وأنها قادرة على تحدي واقعها وظروفها مهما كانت صعبة وقاسية، وقادرة على استكشاف ذاتها والحدود التي يمكنها الخروج عنها، وأنها قادرة على البداية الجديدة في أي عمر كانت.
وفي هذا الكتاب أيضًا، أتحدث مثلا عن رواية «الصبار»، كيف تعرفت على العاملة التي ساعدتني، وكيف تنكرت بشخصية عاملة في مصنع شوكولاتة في إسرائيل، وكيف كشفني الإسرائيلي وعرف أن تصريحي مزيف، عندما قدمت الصبار كبحثٍ روائي أثناء دراستي الجامعية، لم يمنحني مدرس اللغة العربية درجة النجاح.
كتبت كذلك عن باقي الروايات كما فعلت مع «الصبار»، تحدثت عن استنباط الكاتب لثيماته، وغياب النقد الحقيقي الواعي في عالمنا العربي، فأتحدث عن رأي النقاد في أعمالي، وأحاول تبيان هدفي من كتاباتي.
- هل تعتبر مراجعة نقدية لنفسك؟
نعم؛ هذه مراجعة لنفسي ولرواياتي وللنقد الذي كتب حولها، أريد أن أقول إن التذوق الأدبي عملية معقدة للغاية، وأن لا رأي نهائيًّا في النقد الأدبي، كما أتمنى أن تتمكن النساء من دق أبواب الأسئلة المحرمة، والتعلم كيفية الدفاع عن نفسها.
aXA6IDMuMTM5LjgzLjI0OCA= جزيرة ام اند امز