"الحشد الشعبي" .. الوجه الآخر لـ"داعش"
خطورة "الحشد الشعبي" تكمن، في أغلبيته ذات الانتماء الطائفي وولائه لإيران صاحبة الفضل الأول والأكبر في تسليحه.
لم يكتوِ العراقيون من إرهاب "داعش" وحده، لكنهم اكتووا أيضًا بإرهاب ميليشيا "الحشد الشعبي"، التي تألفت في الأساس لمواجهة التنظيم الإرهابي، عقب سيطرته على أنحاء واسعة من البلاد يونيو/حزيران 2014.
فالجرائم التي ارتكبها تنظيم "داعش" الإرهابي والتي طالت جميع الطوائف العراقية بالحرق والذبح والتنكيل، كان لها بالغ الأثر في سرعة تكوين وتآلف هذه القوات بمشاركة المدنيين العراقيين، كما كان لها أبرز الأثر في المخالفات الفادحة التي ارتكبتها قوات "الحشد الشعبي" في هذه المناطق خلال عمليات تحريرها من "داعش".
وتكمن خطورة "الحشد الشعبي"، في أغلبيته ذات الانتماء الطائفي وولائه لإيران صاحبة الفضل الأول والأكبر في تسليحه، فضلًا عن انقياد عدد كبير من عناصره لمشاعر دينية شكلت الحافز المحرك الأكبر لهم لمحاربة التنظيم المتطرف، ووقف تقدمه قبل تكوين الحشد لقوته والبدء في الهجوم على المدن العراقية لتحريرها من سيطرة التنظيم.
وقد حذرت مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية والعسكرية الغربية، خلال الفترة الماضية، من أعمال انتقامية واسعة المدى يمكن أن يرتكبها "الحشد الشعبي" في المناطق التي يحارب فيها "داعش"، وهو ما وقع بالفعل، وفقًا للشهادات الحية وتقارير المنظمات الدولية، حيث قام بعض عناصر الحشد الشعبي بأعمال حرق وسلب ونهب واسعة النطاق في المناطق التي قام بتحريرها من "داعش"، بزعم دعم سكان هذه المناطق ذات للتنظيم الإرهابي.
ولقد كان المثال الأبرز على تلك التجاوزات معركة تكريت الأولى، التي وقعت عام 2014، وقامت خلالها قوات "الحشد الشعبي" بطرد عناصر تنظيم "داعش" من المدينة التابعة لمحافظة صلاح الدين، حيث تجلت المخاوف من "رد الفعل" على أرض الواقع بوضوح.
وأكدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تعرض المناطق السنية لانتهاكات قد يرقى بعضها إلى "جرائم الحرب"، وذكرت أيضًا أن بعض المناطق تعرضت لهجمات تبدو وكأنها جزء من حملة تشنها الميليشيات لتهجير السكان من المناطق السنية والمختلطة.
كما مثلت معركة تكريت الأولى كذلك تدشينًا رسميًّا واضح المعالم للوجود الإيراني في العراق، حيث شارك قادة ميدانيون إيرانيون في هذه المعركة بشكل مباشر، وظهر قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني علنًا يدير المعارك مع قيادات "الحشد الشعبي" بتكريت.
ومِن ثَمَّ فبالإضافة إلى سيطرة العامل المذهبي على قوات "الحشد الشعبي"، سيطر كذلك عامل الولاء السياسي الذي يتجاوز الدولة العراقية وسيادتها إلى تكريس النفوذ الإيراني في العراق والذي تسعى إيران بقوة إلى تثبيت أركانه والتوسع فيه تحت مظلة شرعية من الحكومة العراقية.
وفي عام 2015، حذر الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ديفيد بتريوس، لصحيفة "واشنطن بوست" من أن ميليشيات "الحشد الشعبي"، المدعومة من إيران، سوف تشكل خطرًا على العراق أكثر من تنظيم "داعش" الإرهابي، وقال إن هذه الميليشيات "تقوم بفظاعات ضد المدنيين السنة".
وشدد "بتريوس" على أن مهمة دحر "داعش" في العراق يجب أن تنجز من خلال القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي، مشيرًا إلى ضرورة تشكيل قوات سنية مناوئة لـ"داعش"، ووقف تجاوزات الميليشيات الطائفية بحق المواطنين السنة التي تزيد من حدة التوتر الطائفي في البلاد.
وأوضح "بتريوس" أن السنة لعبوا دورًا بارزًا في هزيمة تنظيم "القاعدة" في العراق، مشددًا على خطورة الميليشيات الطائفية التي تحارب في الصفوف الأولى ضد تنظيم "داعش"، وتخوفه من قيامها بعمليات تطهير طائفي، وتهجير السنة من مناطقهم.
كذلك، سبق وأن وصف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ممارسات ميليشيات تعمل تحت جناح "الحشد الشعبي" بالوقحة، مؤكدًا أنها قامت بعمليات ذبح واعتداء بغير حق ضد مواطنين عراقيين لا ينتمون لتنظيم "داعش"، وأكد أن مثل هذه الممارسات ستؤدي إلى فشل التقدم والنصر الذي حققه الحشد المطيع للمرجعية والمحب للوطن، ودعا الصدر إلى عزل هذه الميليشيات.
وإضافة إلى هذه الشهادات والتحذيرات من جانب المسؤولين والخبراء والجهات الدولية من داخل العراق وخارجه، أكدت الشهادات الحية ارتكاب قوات "الحشد الشعبي" لجرائم انتقامية واسعة المدى تماثل ما فعلته "داعش" بهذه المناطق، رغم كونها تعمل كقوات تحت جناح الدولة العراقية كقوات أمنية عراقية، وهنا تكمن خطورة هذه القوة المسلحة ذات الانتماء الطائفي والسياسي العابر للدولة العراقية، فإذا كان الغضب من "داعش" بسبب تطرفها وبشاعة ممارساتها الإجرامية، فالحذر والخوف واجبان كذلك من استمرار وجود "الحشد الشعبي" باعتباره الوجه الآخر من العملة ذاتها.
aXA6IDMuMTQ1LjE3OC4yMjYg
جزيرة ام اند امز