عن حزب الله والجيش والشعب اللبناني والانتباه العربي المتأخر
كشف الغضب الخليجي، والسعودي خصوصاً، من السياسات اللبنانية، عن مدى استفحال هيمنة "حزب الله" على الدولة اللبنانية، وتغلغله في إداراتها.
كشف الغضب الخليجي، والسعودي خصوصاً، من السياسات اللبنانية، عن مدى استفحال هيمنة "حزب الله" على الدولة اللبنانية، وتغلغله في إداراتها، وسطوته على الحكومة وقراراتها.
يعود تاريخ هذا التمدد السياسي والعسكري لـ"حزب الله" في الجسم اللبناني إلى لحظة حاسمة، هي أيام 7 و8 و9 مايو/أيار 2008. ففي الخامس من ذاك الشهر، كانت الحكومة اللبنانية قد قررت إعفاء قائد أمن المطار من منصبه، إثر اكتشاف كاميرات مراقبة داخل المطار زرعها "حزب الله" بالتواطؤ مع بعض مسؤولي الأمن، ضمن مؤامرة لاغتيال الرئيس سعد الحريري تقضي بتفجير طائرته الخاصة لحظة وجوده فيها، كذلك أصدرت الحكومة قرارًا بمنع وإزالة شبكة الاتصالات الهاتفية السرية وغير الشرعية، التي أنشأها الحزب داخل الأراضي اللبنانية، وتصل إلى سوريا.
ردًا على قراري الحكومة، قام "حزب الله" وحلفاؤه، بغزو ميليشياوي مسلح على مدى 72 ساعة، اجتاح فيه العاصمة وبعض مناطق المتن الجنوبي والشوف وعالية، وانتهى بما سمي "اتفاق الدوحة"، الذي كرس مبدأ تقاسم السلطة مع "حزب الله" وتمتعه بفيتو يعطل فيه أي قرار أو إجراء سياسي، ما زلنا نعيش تداعياته حتى اليوم: شغور في الرئاسة، تعطيل مجلس النواب، الهيمنة على الحكومة.
في هذا الاضطراب الدستوري والسياسي والأمني، الممتد منذ سنوات، كانت السعودية ودول الخليج وسائر الدول الصديقة للبنان تراهن على دعم المؤسسات الرسمية والقوى الأمنية الشرعية، بوصفها ملاذ اللبنانيين الأخير والحضن الجامع لجميع الطوائف والمجموعات السياسية، وهي الرد الناجع على أي ظاهرة ميليشياوية، وكان آخر فصول هذا الدعم الهبة المالية لتسليح الجيش والشرطة، التي تفوق قيمتها 4 مليارات دولار أمريكي.
مع سحب هذه الهبة، قال البعض، إن الجيش الشرعي هو الذي يُعاقب لا "حزب الله". هذا البعض ينسى أن الجيش ينفذ سياسة الحكومة وأوامرها، فإذا كانت الحكومة ألعوبة بيد إيران، فقد ينسحب هذا الواقع على أداء كل المؤسسات الرسمية اللبنانية، أكانت وزارة خارجية أو وزارة دفاع.
لست هنا في معرض الدخول في هذا السجال، لكن بالرجوع إلى تجربة 7 آيار/مايو 2008، ما يدلنا إلى حد بعيد على مدى سطوة "حزب الله"، الذي لا يتورع عن التهديد بإشعال حرب أهلية متى أراد، وهو بذلك يبتز اللبنانيين جميعًا، والجيش اللبناني ضمنًا:
ففيما كانت ثكنة الجيش اللبناني تبعد عن مقر جريدة "المستقبل"، 200 متر لا أكثر، وفي فجر 8 مايو/آيار 2008، أي بعد 15 ساعة من بداية اجتياح "حزب الله" العاصمة اللبنانية، بدأ مسلحوه بإمطار مبنى الصحيفة رصاصًا وقذائف صاروخية، في هجوم متزامن على سائر المؤسسات الإعلامية المناوئة لـ"حزب الله" في بيروت، من محطات تلفزة وإذاعة وصحف.
تحت خطر الموت الداهم، ولعلعة الرصاص وانفجارات قذائف الـ"آر. بي. جي"، بدأ الزميل المرحوم نصير الأسعد، مدير تحرير "المستقبل"، باتصالاته مع الجيش طلبًا للحماية، المسلحون طوال أكثر من ساعة لا يفعلون شيئًا سوى إفراغ ذخائرهم على مقر الجريدة وصحفييها المحاصرين والمذعورين، كان الطابق الرابع يحترق، الجيش، في كل مرة، يعد بإرسال دورية لوقف الهجوم، لكن لا أحد يأتي.
مرت ساعتان من جحيم، وقرر المسلحون الاقتراب إلى مسافة 10 أمتار من بوابة الجريدة، فجأة يتوقف إطلاق النار مع وصول دورية الجيش إلى البوابة لأكثر من 3 ساعات، كان الجيش الذي يبعد عن المبنى 200 متر لا أكثر، يشاهد ما يحدث. فجأة، عندما باتت المجزرة محتملة، وصلت تلك الدورية، حيث يستقبلها الزميل الأسعد، وبجانبه مجموعة الزملاء وأنا.
الضابط، قائد الدورية، متجهم ولا يلتفت صوب المسلحين الواقفين خلفه على مبعدة أمتار قليلة، يتوجه بصوت غاضب ومتوعد إلى نصير الأسعد: "هاتوا أسلحتكم". لم نستوعب الصدمة والدهشة، هل هذا ضابط في الجيش اللبناني أم قائد للمسلحين؟ لم نفهم غرابة الموقف.
لم يكتف الضابط بجوابنا البديهي، ليس معنا سوى أقلامنا، ليس بحوزتنا أي سلاح سوى صوتنا، لم يصدقنا: "سأفتش المبنى، وإذا وجدت قطعة سلاح واحدة أو حتى رصاصة، سأعتقلكم جميعًا". وكان الحريق قد امتد إلى الطبقة الخامسة، وكان المسلحون ينتشرون من حولنا، وأصداء الانفجارات والرشقات النارية تغمر فضاء ذاك الصباح البيروتي المشؤوم.
منذ ذلك اليوم، عرفنا تلك "المعادلة السحرية" التي فرضها حزب السلاح علينا: "جيش وشعب ومقاومة". أو بالأحرى، جيش وشعب ودولة بخدمة "حزب الله".
هذا ما صار معروفاً اليوم عند العرب.
aXA6IDE4LjE5MS4xODkuMTI0IA==
جزيرة ام اند امز