الدورة الثمانون لـ«الأمم المتحدة».. كيف تغير اقتصاد العالم في 8 عقود؟

تنطلق فعاليات الدورة الثمانين من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما تواجه المؤسسة بالكامل تحديات كبيرة بشأن دورها المنوط بها سياسيا واقتصاديا.
فالأمم المتحدة، التي تأسست عام 1945، لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الدبلوماسية العالمية وحفظ السلام والتنمية الاقتصادية على مدار الثمانين عامًا الماضية.
لكن الدورة الثمانين من الجمعية العامة والتي تنطلق في 23 سبتمبر/ أيلول وتستمر حتى 27 سبتمبر/ أيلول، وتُختتم يوم 29 سبتمبر/ أيلول، ستكون عن واحدة من أهم الفعاليات العالمية، إذ تأتي في خضم ذروة غير مسبوقة من الصراعات الجيوسياسية، وتحولات اقتصادية وتكنولوجية عنيفة.
- يو ثانت.. صانع سلام منح الأمم المتحدة لحظة قوة نادرة
- من الكونغو.. الأمم المتحدة تنشد دعما أفريقيًا لـ«مصالحة حقيقية» بليبيا
على مدار 80 عاما، مر المشهد الاقتصادي العالمي بتحولات كبيرة، حيث تغيرت قائمة أقوى اقتصاد في العالم مرارا استجابةً لعوامل مختلفة مثل الأحداث الجيوسياسية والتقدم التكنولوجي والسياسات الاقتصادية.
ففي عام 1945، كانت الولايات المتحدة تنتج أكثر من نصف الناتج الصناعي العالمي. أما اليوم، فلا يتجاوز نصيبها السُدس.
وكان حجم التجارة الدولية أقل من ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ أما اليوم، فهو يتجاوز النصف.
وتحولت الصين من اقتصاد زراعي إقطاعي إلى قوة صناعية عملاقة.
حقبة اقتصادية جديدة تماما بعد 8 عقود
بالنسبة لمؤرخي الحقبة الاقتصادية التي أعقبت الحرب الثانية، يمكن أن يبدأ التاريخ الاقتصادي لحقبتنا هذه تحديدا من عام 1944 أي قبل 81 عاما، وتحديدا عندما استضافت بلدة صغيرة تُدعى بريتون وودز (Bretton Woods) في ولاية نيوهامبشر الأمريكية مؤتمراً هدفه وضع مجموعة جديدة من القواعد والمؤسسات التي يمكن أن تنظم الرأسمالية العالمية بعد كوارث الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، وقد أرست "بريتون وودز" البنية التحتية للاقتصاد العالمي الحديث.
وبحسب تحليل لمايكل جاكوبس أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة شيفيلد وزميل أبحاث أول زائر في مركز الفكر العالمي ODI، أضحى العالم مكاناً مختلفاً تماماً بعد 8 عقود، بينما تزداد المطالبات بعقد "بريتون وودز جديدة"، بعد القديمة التي هيمنت عليها آنذاك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
أبرز محطات الأعوام الثمانين الاقتصادية
- الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز
كانت نظريات كينز قد أحدثت ثورة في تفكير الاقتصاديين بشأن السياسات المحلية، إذ جادل بأنه في حال دخلت الاقتصادات في حالة ركود، فإن على الدولة أن تزيد من الإنفاق العام بهدف الحفاظ على التوظيف الكامل.
- إنشاء صندوق النقد والبنك الدوليين
بتوجيه من كينز، أنشأ مؤتمر بريتون وودز مؤسستين جديدتين: "البنك الدولي للإنشاء والتعمير" (الذي أصبح يُعرف لاحقاً بالبنك الدولي)، و"صندوق النقد الدولي" (IMF).
كانت مهمة البنك الدولي هي الاستثمار في التنمية الاقتصادية للدول بعد الحرب، من خلال القروض التجارية والميسرة (منخفضة الفائدة).
أما دور صندوق النقد الدولي، فكان دعم البلدان التي تواجه أزمات مالية، لتجنب سلسلة التخفيضات التنافسية للعملات التي ساهمت في الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
- خطة مارشال
انطلقت خطة مارشال بين عامي 1948 و1952 عبر منح الدول الأوروبية ما يعادل اليوم 173 مليار دولار من أجل تعافيها بعد الحرب، وساهمت في تشكيل "العصر الذهبي" للنمو الاقتصادي العالمي من عام 1945 وحتى منتصف السبعينيات.
- سياسات السوق الحرة
صعدت سياسات السوق الحرة – بعد انتخاب مارغريت تاتشر (بريطانيا) ورونالد ريغان (أمريكا) في 1979-1980، حيث تغيّر دور كل من البنك الدولي وصندوق النقد. فقد بدأوا بفرض شروط تقشفية على قروضهم، مما أجبر الدول المتلقية على إجراء "تعديلات هيكلية" في سياساتها الاقتصادية، وهو ما يعني عملياً تقليص الإنفاق العام، وتحرير الأسواق، وخصخصة المؤسسات.
- بداية العولمة وأمريكا القطب الأوحد
في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، أدى انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين إلى نهاية الحرب الباردة وبروز الولايات المتحدة كقوة اقتصادية أحادية.
اتجه العالم نحو العولمة والانفتاح التجاري، مدفوعًا باتفاقيات مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) وإنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO) عام 1995.
وازدادت حركة رؤوس الأموال، وانتشرت الشركات متعددة الجنسيات، وأصبحت سلاسل التوريد العالمية ركيزة الاقتصاد الحديث.
- صعود الصين والأسواق الناشئة
منذ انطلاق إصلاحاتها الاقتصادية في أواخر السبعينيات، شهدت الصين نموًا غير مسبوق جعلها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2010.
على خطى الصين، بدأت اقتصادات ناشئة أخرى، مثل الهند والبرازيل وتركيا وإندونيسيا، في الظهور على الساحة العالمية.
وبرز مصطلح "الأسواق الصاعدة"، وتم تشكيل تكتلات جديدة مثل البريكس (BRICS)، والتي طالبت بنظام اقتصادي عالمي أكثر عدالة وتمثيلاً.
- الأزمة المالية العالمية 2008
شهد العالم في 2008 أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير، بدأت بانهيار سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة ثم امتدت إلى الأسواق العالمية.
اضطرت البنوك المركزية إلى ضخ تريليونات الدولارات لإنقاذ النظام المالي، وأعيد النظر في جدوى تحرير الأسواق المالية بالكامل.
وتبنت العديد من الدول سياسات التيسير الكمي وخطط تحفيز اقتصادي واسعة، بينما زادت الدعوات لإصلاح المؤسسات المالية الدولية.
- التحول الرقمي واقتصاد التكنولوجيا
مع دخول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أصبحت التكنولوجيا الرقمية المحرك الرئيسي للنمو. وقادت شركات التكنولوجيا الكبرى (مثل أبل وأمازون وغوغل) الاقتصاد العالمي، بينما تحولت البيانات والذكاء الاصطناعي إلى موارد استراتيجية.
في المقابل، تزايدت التحديات المتعلقة باحتكار الأسواق، وحماية الخصوصية في الاقتصاد الرقمي.
- عقد الأزمات
منذ العام 2020 جاءت جائحة كورونا كصدمة اقتصادية عالمية أدت إلى انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وارتفاع البطالة، وتضخم الديون. وأجبرت الحكومات على إطلاق حزم إنقاذ ضخمة، وتحولت سلاسل التوريد إلى أكثر هشاشة، وازداد التوجه نحو السياسات الحمائية.
وفي 2022/ اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى هزة عنيفة في أسواق الطاقة والغذاء، خصوصاً في أوروبا والعالم النامي، وأعادت الحرب التوترات الجيوسياسية إلى الواجهة، وأثّرت على التجارة العالمية، كما عمّقت الانقسام بين الغرب وكتل اقتصادية جديدة بقيادة الصين وروسيا.
وفي عام 2025، ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أصدر أمرًا تنفيذيًا بفرض رسوم جمركية ضخمة على معظم دول العالم، في خطوة وصفت بأنها الحدث الاقتصادي الأهم منذ الأزمة المالية العالمية، بل ومن المُحتمل أن يحكم عليها التاريخ في النهاية بأنها أكثر أهمية.
رسوم ترامب وصفت بأنها تعيد ضبط النظام الاقتصادي العالمي الذي عملت في ظله معظم الدول على مدى الثمانين عامًا الماضية، مُدخلًا العالم إلى حقبة جديدة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg5IA== جزيرة ام اند امز