رحيل "الترابي" يفتح باب التكهنات حول مصير حزبه
كان يعتبر من أبرز معارضي الرئيس السوداني عمر البشير
وفاة الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض يفتح باب التكهنات حول مصير حزبه
جاء رحيل الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي وعراب التجربة الإسلامية في السودان، يوم أمس السبت، مفاجئا أنصاره وخصومه على السواء، وهو الذي ظل في حركة دائبة على الساحة السياسية السودانية على مدى ما يقارب الخمسة عقود، أثار خلالها الكثير من الجدل حول شخصيته وتحركاته السياسية وأفكاره الإسلامية وفتاواه.
فالترابي، كان العقل المدبر لـ"مجلس ثورة الإنقاذ" الذي نفذ انقلاب عام ١٩٨٩، الذي أوصل الرئيس السوداني عمر البشير إلى السلطة، وهو شريك البشير خلال العشر سنوات الأولى من حكمه، قبل أن تقع بينهما ما أسمياه «المفاصلة» أو الانشقاق ويتحولان إلى غريمين يناصب بعضهما البعض العداء.
وبعد رحيل الترابي يبقى التساؤل مطروحًا حول مصير حزبه "المؤتمر الشعبي"، الذي أسسه عقب الانقسام في صفوف الإسلاميين في السودان عام ١٩٩٩، في أعقاب مذكرة "العشرة" نسبة إلى عشرة من قيادات الإسلاميين في السودان، أدت لإقصاء الترابي عن السلطة، ومن ثم تأسيسه حزبه.
وظل الترابي منذ تأسيس حزبه من أشد معارضي البشير شراسة حتى عام ٢٠١٤، الذى شهد التقارب من جديد بين العدوين اللدودين، الذي أخذ العداء بينهما منحى خطيرًا بمطالبة الترابي البشير بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب وإبادة في دارفور، وهو ما لم تفعله بعض قيادات المعارضة، كما وصل العداء ذروته من قبل البشير باعتقال الترابي أكثر من مرة.
وقيل في تفسير ذلك التقارب أنه تم بسبب خطورة الأوضاع في السودان، لكنه في الحقيقة لم تكن هناك خطورة أشد من تمزيق وحدة البلد وانفصال الجنوب واشتعال الحروب والاحتجاجات في جميع أنحاء السودان، وما جلبته كل هذه الأوضاع من تدخلات دولية وانهيار اقتصادي وقلاقل اجتماعية.
ولم يحرك كل ذلك لمدة ١٤ عامًا مشاعر الترابي ليعفو ويصفح عن تلاميذه الذين انقلبوا عليه، أو يحرك مواقف تلاميذه السابقين ليمدوا له يد المصالحة، لم يفعل البشير ذلك إلا بعد إزاحته لعلي عثمان طه النائب الأول السابق للرئيس وبايى القيادات المدنية الإسلامية، التي كانت نقمة الترابي عليها أشد ورغبته أكبر في الانتقام منها، وهم تلاميذه الذين تعهدهم بالرعاية منذ وقت مبكر، ولا سيما طه.
ولعل دوافع البشير للمصالحة مع الترابي وحزبه وقتها كانت محاولة ملء الفراغ الناجم عن إبعاد طه ومجموعته، وإرسال رسائل طمأنة إلى صفوف الحركة الإسلامية السودانية أنه ما زال ينتمي إليها، وأنه جزء منها، وأنه لا يهدف لإقصاء الإسلاميين، ويرد على من يحاول تصوير إبعاده لطه ومجموعته بأنها انقلاب لصالح العسكريين.
ولا شك أن سقوط حكم الإخوان في مصر ألقى بظلاله في صفوف الإسلاميين في السودان، وأشعرهم بالخطر وعزز لديهم الرغبة في التوحد لمواجهة أخطار التيار المدني أو العلماني الذي لا يعفي أحدًا منهم من عواقب أول تجربة حكم إسلامي في المنطقة.
وفي المقابل كان الترابي الذي يأس من تعاونه مع المعارضة السودانية يرغب بشدة في العودة إلى واجهة الأحداث والإمساك بتلابيب الفرصة التي لم تواته للعودة إلى هندسة السلطة في السودان كما كان يرغب قبل موته.
وبعد وفاته، أعلنت قيادات من حزب المؤتمر الشعبي استمرار مشروع زعيمه الراحل، والتزام أعضائه بعهدهم للحزب وبمبادئه التي أرساها الترابي ومواصلة المشوار، إلا أن كثيرًا من الشكوك تحيط بهذا التعهد.
وهناك الكثير من العوامل تجعل مستقبل الحزب في مهب الريح، في ضوء الملابسات التي تحيط بنشأة الحزب وكينونته، فالحزب الذي أعلن من أول يوم تجمعه حول قضايا الحريات وضد تكريس السلطة، كان في واقع الأمر يعكس صراعًا حول السلطة، بعد الرغبة في ترشيح الترابي نائبًا أول بعد وفاة الزبير حسن صالح، وتخوف المجموعة الإسلامية المحيطة بالبشير من تلاميذه من أن يجلب ذلك مزيدًا من السخط الدولي والإقليمي بسبب شخصية الترابي غير المرغوب بها بسبب تحالفاته مع إسلاميين من شتى أنحاء العالم.
كان المؤتمر الشعبي يعكس تجمعًا حول الترابي وأفكاره لدى أعداد كبيرة ممن سارعوا للحاق بالحزب الجديد وقتها، وكانت غالبية أعضائه من المهمشين في السودان، من دارفور وجنوب السودان وغيرهما من الأطراف التي تشعر بالمظالم، وكان عدد هؤلاء يفوق بكثير أبناء الوسط السوداني.
لم يكن لحزب الترابي تأثير شعبي كبير في حياته؛ لأن قطاعات واسعة في السودان كانت تحمل زعيمه وقياداته تجربة 10 سنوات شاركوا فيها البشير في الحكم، تم فيها انتهاك الحقوق والحريات، لكن رغم ذلك ظل تأثير الترابي كبيرًا في الساحة السياسية وحتى في صفوف المجموعة الحاكمة، وما هزم الترابي وأفكاره هو تجربته الفاشلة في الحكم، وهذا هو ما يلاحق حزبه الآن الذي لا يبدو أن هناك من بين قياداته من يستطيع أن يملأ فراغ الترابي، وبعضهم يجنح إلى العمل السياسي، والبعض الآخر من قياداته منشغل بالعمل الفكري، وليس هناك من يجمع الفكر والسياسة معًا.
كان هناك من انضم للترابي عند "المفاصلة" ظنًّا منهم أنه ستكون له الغلبة، ولما خابت رهاناتهم في الوصول للسلطة، التحقوا بالمؤتمر الوطني تباعًا، في حين ظل آخرون يربطهم الولاء للترابي أو السخط على نظام البشير أو الالتزام المبدئي.
ويبدو أن رحيل الترابي سيعجل بتفكك حزبه، والأرجح أن تهرول الفئة المتطلعة للامتيازات والمكاسب نحو حزب البشير الحاكم، أما الفئة التي تعرضت لاعتقالات وتعذيب ومظالم وتحمل مرارات من النظام الحالي فقد تواصل في حزبها، أو تلتحق بحزب "الإصلاح الآن" الذي يقوده الدكتور غازي صلاح الدين مستشار البشير السابق، الذي يملك شرعية فكرية وفقهية وسياسية قد لا تتوافر مجتمعة في قيادات حزب الترابي.
وقد يعزز غياب الترابي من جديد موقف علي عثمان طه، ويدفع به إلى الواجهة، بما يملكه من شرعية في صفوف الحركة الإسلامية، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.
aXA6IDE4LjE4OC45Ni4xNyA= جزيرة ام اند امز