ميرو وبيكاسو تربطهما روح البحر الأبيض المتوسط وحياتهما في أكثر مراحل الفن أهمية في أوروبا.
كانت الهجرة من إسبانيا والاستقرار في باريس وكسر قواعد الرسم التقليدية من العوامل التي تمثل خانة مشتركة بين الصديقين الراحلين بابلو بيكاسو «1881-1973» وخوان ميرو «1893-1983»، لكن الآن بعدما فتح معرض «بين بيكاسو وميرو، الشغف والشعر» أبوابه، صارت دبي عاملًا إضافيًّا يوثق صلة الرجلين ويربطهما في ذهن جمهور الزائرين الذين شاهدوا الأعمال الفنية المعروضة في برج خليفة، أنيكس، في المعرض الذي يستمر حتى 17 مايو المقبل.
المعرض الذي تنظمه شركة «ألفا سول» في دبي يضم 267 عملًا فنيًّا، من أعمال فن الحفر أو الليثوغراف، إلى جانب الرسومات الخاصة بدراساتهما، قبل تنفيذ اللوحة مع مجموعة من أعمال بيكاسو على السيراميك.
وعن خصوصية فن الحفر تقول ديلارا كامينوفا مؤسسة «ألفا سول» (الشركة التي تنظم المعرض): "لقي فن الحفر رواجًا في بداية القرن العشرين لإمكانية نسخه عبر الطباعة، وبالتالي إتاحة الفرصة لاقتنائه من قبل أعداد أكبر".
باليه ومسرح وبيكاسو:
تلقى بيكاسو عرضًا من مدير فرقة الباليه الروسية سيرغي دياغاليف في بارادي الذي سبق أن معه للعمل في الإنتاج الجديد لدياغاليف مع فرقة لوتركورن على أنغام موسيقى مانويل دي فايا، تضمنت المهمة منظرًا لمصارعة ثيران على الستارة الأمامية ومشهدًا لقرية أندلسية على الستارة الخلفية، وهي باليه من فصل واحد عرضت على قصر الحمراء في لندن عام 1919 لأول مرة، وحفظت عناصر العرض الأول في متحفه بباريس، إلا أن هذا التخطيط ليس العمل الوحيد الذي يجمع بيكاسو مع المسرح، ونجده في دبي، إنما نقع على عمل آخر هو مسرحية كارمن التي عرفت من خلال أوبرا جورج بيزيه، وتصور الأندلس كأرض مليئة بالحيوية وموسيقى الفلامنجو ومصارعي الثيران، حيث كلف بيكاسو من قبل دار نشر فرنسية بإنجاز الرسوم حيث حرص بيكاسو فيها على الابتعاد عن الكلام المبتذل في النص، من خلال تصوير أوجه الرجال والثيران المقترنة بمربعات ودوائر مبسطة، وبهكذا اجتنب الطريقة التقليدية بالعودة إلى بساطة الشكل وتجريده.
الشعر والمسرح وميرو:
كان لخوان ميرو دور رائد مع بيكاسو وماتيس؛ فهو أهم مفسري التجريب الذي نشأ في فرنسا القرن الـ19 وفي عام 1966 أطلق أول مجلدات مسرحية «الملك أوبو» الشخصية الأسطورية للسرياليين، والتي ألفها ألفريد غاري في نهاية القرن الـ19، والتي تلحظ تطور العبثية والسريالية والدادائية. تتميز نصوص ميرو بطابع سريالي خالص؛ حيث تلعب الكلمات بحرية مع البنى، ولا يشير العنوان إلى موضوع معين، إنما إلى كائن خيالي هجين، حيث عكس ميرو قدرًا من الطاقة المبتكرة الإيجابية في النص الذي يعتمد على المجاورة والعلاقات القادرة على تجاوز حدود العقلانية للخيال. كما يتميز فن «ميرو» بجمال الإشارة وتوازن الألوان ونقائها في تجريبية الرسم، ويعدها البعض ليست فنًّا مجردًا، بل شعرًا خالصًا، لكن في الجانب الفني الذي قدمه في السبعينيات كانت ضربات الفرشاة لديه عجلة طائشة تجمع بين الحرية والارتجاج وقوة الذراع لنشر خطوط اللون على الورق، حيث كنت توجه بدفقة لا تقاوم، وتتسم بالعنف إلى حد ما ودون تجهيز، وكان مثل البهلوان الذي يقوم بالحركات البهلوانية دون شبكة في الأسفل.
الرمزية المغلقة:
تتخفى الكثير من أعمال بيكاسو وراء السيرة الذاتية وتضم لوحاته إشارات لا يمكن التقاطها إلا من قبل المقربين إليه، كما في لوحة الكوب الزجاجي والجيتار القطعة الفنية الغامضة وكلمة جولي التي تعبر عن المحبوبة، إلا أن بعض أعماله يمكن التقاط ملامحها من خلال التعبير عن الحزن الذي يعتمد فيه على إطالة أشكال الشخصيات في لوحاته وتشويههم بشكل خارجي حاد، ويحيطهم بطريقة تركيبية كأن الحجم يعبر عن الكآبة والسواد، بينما تجد الشكل المبهم للمهرج يستحوذ على بيكاسو حيث جعل منه نجم عالم السيرك، وفي المرحلة التكعيبية وصفه بأشكال مجددة، حيث كان الجيتار رمزًا متكررًا في جميع مراحله من المرحلة الزرقاء إلى الوردية وما بينهما إلى السنوات النهائية في حياته، ومن المعروف أن بيكاسو اهتم بالبائسين والمهمشين ووجدهم منبعًا للدراسة والتجربة خلال وجوده في برشلونة.
الكيميائيون في الفن:
5 أقسام اقترحها القيم على المعرض سيرجيو غادي القادم من إيطاليا، يبدأ فيها بتسلسل زمني يقارب المراحل الأولى حيث تشاهد أعمال «التاريخ الطبيعي» وأجزاء من نسخ أعمال بيكاسو الخاصة بالحيوانات، رسمها بين 1936 و1942، والخاصة بالكتاب الذي يحمل الاسم نفسه لعالم الطبيعة الفرنسي جورج بوفون «1707-1788»، فيما تشاهد عمل «السحلية مع الريش الذهبية» والتي تُعَد إحدى نقاط الانطلاق فيف التجريد خلال القرن الـ20، فيما تنتقل إلى قصم المخترعين من اللغات الجديدة، أما الثالث فيركز على النموذج وتشاهد الرسوم التوضيحية لكارمن بيكاسو ولاعبي الخفة، فيما تشاهد الشعر النقي لميرو، وبالانتقال إلى اللون تكون قد وصلت إلى القسم الرابع وتشاهد تنقل بيكاسو من الفترة الزرقاء الكئيبة إلى الفترة الوردية وصولًا إلى الغرنيكا التي لا تشاهد فيها الأبيض والأسود، بالمقابل يستخدم ميرو هنا الألوان الأساسية القوية وتصبح خياراته أكثر وضوحًا في ممارسته الفنية، وعندما تصل إلى «الكيميائيون في الفن» تكون قد وصلت إلى الحياة التي يخلقها الفن مع الضوء واللون حتى تحقيق نقطة التقاء مثالية بين الفن والحياة.