مروحة الخيال والواقع تجتمع في «ليلة المعارض الفنية»
تحفل ليلة المعارض الفنية في دبي بالجديد دومًا، فيكف إن كانت ضمن "موسم دبي الفني" وأولى فعالياته أيام "أسبوع الفن"؟
تحفل ليلة المعارض الفنية في دبي بالجديد دومًا، ففي التقليد المنتظم الذي يقام في تجمعات الفن في دبي، بفرعيها السركال أفينيو ومركز دبي التجاري العالمي، يعبر الكثير من الفنانين كيلومترات طويلة للوقوف إلى جانب معارضهم الفنية، فيكف إن كانت ليلة المعارض الفنية هذه ضمن "موسم دبي الفني" وأولى فعالياته أيام "أسبوع الفن" الذي يتضمن كلًا من "معرض سكة الفني" و"أيام التصميم - دبي" و"آرت دبي"، ويشمل "معرض الشرق الأوسط للأفلام والقصص المصورة (كوميك كون)". يبذل القيمون على الصالات الفنية جهودًا إضافية احتفاءً بمواسم الفن التي تحتضنها المدينة في هذا الوقت من السنة. إلا أن التوسعة الجديدة في السركال- آفينيو بدبي لم تلحظ عدد الزوار الكبير الذين قد يتوافدون على ليلة الصالات الفنية، واضطر البعض لإيقاف سياراتهم الأنيقة بشكل غير منتظم على الرمال المحيطة في المنطقة الصناعية بالقوز، إلا أن كمّ الجمال الذي كان بالانتظار يمسح كل ما له علاقة خارج هذا السياق.
ما زلت أحلم
البداية من غاليري أيام ومعرضي «قلوب آلية» للفنان العراقي- البريطاني "أثير"، ومعرض صفوان داحول «ما زلت أحلم». حيث يعد معرض "أثير" هذا تكملة لسلسلة «رجل الحرب»، التي استعرض فيها ظاهرة الطيارات الآلية دون طيار، ويطرح التساؤل عن ماهية النواة غير المرئية التي تشغل آلة قتل بشرية؟ وتروي أشكله التجريدية الحادة والمتفجرة مثقلة بشكل كثيف بإفادات مضطربة تروي قصة واقع فصامي ومكسور، فيما ينحو الفنان السوري «صفوان داحول» إلى عزل شخصيته ضمن بحر مغطى بالضباب وصولًا إلى مطر ينذر بعاصفة هوجاء، إلا أن مدلول الألوان لدى داحول ملتبس، ويبعث على أكثر من تأويل حيث يستخدم اللون الأبيض بكثافة، ويمكن أن تراه دليل الأمل فيما يمثل اللون الأبيض لون الدفن على الطريقة الإسلامية، إلا أن الأسى مسيطر على لوحاته بشكل عام وتبدو الحياة فيها آخذة إلى التقهقر.
روح العمارة
«أثر» الفنانة السعودية زهرة الغامدي ملحوظ بطريقة مختلفة على جدران الزمن الحقيقي، حيث تختار أصغر العناصر في تركيب الحياة وهي الخلية لتتفرج على الجمهور الذي فتح عيونه عن آخرها ليلحظ هذا العنصر المتناهي في الصغر أمامه مجبولًا بتراب الأمكنة، ليس هذا فحسب إنما تكمل في العمارة، وتحديدًا في «أثر» تركته المناطق التي هجرها أصحابها إلى مدن من سراب، وبقيت ترابًا مجبولًا بأقمشة السكان، وحجارة البيوت الفارغة، في الصالة البيضاء الوسيعة تفرج زهرة عن العناصر لتؤنسنها، وتتفرج على القادمين لرؤيتها عن قرب، وبينما تقف أمام تراب الأمكنة تبحث عيونك عن القاطنين، وتحاول أن تلتقط الرائحة العالقة في رمالها، وبقايا الأقمشة والأغراض التي تركوها خلفهم، دون أن تنجح –على ما يبدو خطوط من سراب هي وحدها ما يبقى بعد وداع الأحبة.
شراكة الخيال والواقعية
الفنان البيروفي هيرمان فيرنانديز في معرضه الثاني «باسم الآب»، يدعوك لدخول عالمه من الباب. «فن غاليري» التي تدخلها تستوقفك من اللحظة الأولى لتطلب منك أن تتفقد (الأنا) الخاصة بك على الباب، فتصير أكثر إصرارًا على معرفة السبب، إلا أن السنارة قد التقطتك، في الوقت الذي كنت تتوقع أنك التقطت بها سمكتك الخاصة، بحسب فيرناندز الذي تتورط بسؤاله عن العنوان فإنه يحيلك إلى ما يخالف المعني الديني الذي تتوقع انه خلف التسمية، ويشرح لك أن التركيب بالإنجليزية (In The Name Of) لوحدها تحيل إلى دلالة، بينما (The Father) صنارة أخرى، فيما يمكن لك أن تحيل المعنى إلى آخر. يمزج فيرنانديز بين الواقعية والخيال، وينحو منحى سورياليًا يخترع فيها شخصيات خيالية في جو واقعي، ويترك لك مهارة التلقي أمام عدد من الطبقات المختلفة التي يقدمها في عمل يدير الرأس بعناصره اللونية، وثيمته اللافتة.
إلى DIFC
الرحلة إلى المكان الثاني المشترك في ليلة المعارض الفنية في DIFC لن تستغرق منك الكثير، فالزحام سيكون في حده الأدنى وكثير من رواد السركال انتقلوا مثلك لمتابعة الليلة الفنية، وجديد الغاليريهات في كلا المكانين، خصوصًا أن ليلة واحدة تجمع المكانين في الوقت الذي كانت العادة أن تبدأ في مكان ويكون اليوم التالي للمكان التالي، غاليري أيام تقترح لك أعمال المصور السعودي راشد الشعشعي، فيما تفتخر آرت سوا بنجمتها زينة عاصي التي حضرت خصيصًا من أجل ليلة الافتتاح هذه، حيث تقدم لك عالمها في الوقت الذي ينشغل فيه العالم ببناء الحدود أمام اللاجئين، تعيد زينة عاصي تركيب العالم كما تراه، تلتقط شذرات الأخبار كما تشاهدها على التلفزيون وتقرأها في الصحف، وتقدم مقترحها الفني بعيدًا عن حمام الدم، عاصي لا تساهم فيه ولا تشترك في فاتورة الدم، إنما تنثر الشظايا الاعلامية المتناثرة على لوحاتها في استقرار هش، أحيانًا محمولًا على دبابة، أو على جسر يكاد ينهار من وطأة الميديا التي تقذفهم كما أمواج البحر على شاطئ جزيرة يونانية، في حين أن الثابت الوحيد هي اللوحة.
الخلاص الفردي
من الشكل الهندسي المثمن ينطلق المصور السعودي راشد الشعشعي للنبش في ذاكرة جده، والقرية التي أقنع جهيمان (الذي حاصر الحرم في مكة). ورغم الألم الذي يعتصر قلب المصور السعودي على القصة الحزينة التي انتهت إليها القرية، إلا أنه حريص على تقديمها بأقل قدر من الألم وأكبر قدر من التأثير، الشكل المثمن الذي يتكرر في المرايا يتفنن في تقديمه، ليخبرك أن هذا الشكل تسبب في نجاة جده خلال حصار الحرم وبقائه على قيد الحياة، كما لو أنه يريد التأكيد على أهمية الخلاص الفردي في زمن أفكار الظلام، ورسالة لفتح ثغرة في الهيمنة تكون طاقة خلاص.