قيادات حوثية بارزة وراء المتاجرة في المشتقات النفطية في السوق السوداء في اليمن
اختفاء البنزين والديزل والغاز من المحطات والمعارض الرسمية والخاصة
اختفاء المشتقات النفطية من المحطات والمعارض الرسمية والخاصة، وتوفُّرها في السوق السوداء بأسعار خيالية في صنعاء.
اختفاء المشتقات النفطية (البنزين، الديزل، الغاز) من المحطات والمعارض الرسمية والخاصة، وتوفُّرها في السوق السوداء بأسعار خيالية، هو العنوان الأبرز لمعاناة سكان العاصمة والمحافظات الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية والقوات الموالية لحليفهم المخلوع علي صالح.
ويضطر غالبية سكان العاصمة صنعاء (أكثر من 2.5 مليون نسمة)، كحال بقية الموطنين في المحافظات، إلى شراء احتياجهم من المشتقات النفطية خصوصا الغاز المنزلي بمبالغ كبيرة جدا يستقطعونها من قوت أسرهم، بينما لجأ مئات الآلاف من الأسر إلى وسائل بدائية (الحطب) كبديل آخر، حيث باتت سلعة متوفرة في أغلب الأسواق، فحاليًّا يكاد لا يخلو شارع في صنعاء من بائعين معظمهم من رجال القبائل المنتمين إلى المحافظات الشمالية يقفون بجوار مختلف أنواع الشاحنات والسيارات المحملة ببراميل وعبوات مختلفة مليئة بمادتي البنزين والديزل، بينما بائعو أسطوانات الغاز يتجولون في أحياء وأزقة العاصمة بأسعار خيالية على مرأى ومسمع من السلطات التي لم تحرك ساكنًا حيال هذه الظاهرة غير المسبوقة في تاريخ البلاد.
يقول محمد الخولاني (38 عاما) لـ"العين الإخبارية": "سعر الدبة الغاز 4000 ريال (19 دولارًا) نشتريها من السوق السوداء وكانت قد وصلت إلى 10000 آلاف ريال (47 دولارًا) بينما سعرها الرسمي 1200 ريال (6 دولارات). غالبا لا نستطيع توفير قيمتها والأسعار مرتفعة جدا".
ومنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، تفاقمت أزمة الوقود تدريجيًّا، لتبلغ ذروتها خلال الأشهر الأخيرة، مما ساعد في انتعاش السوق السوداء.
"أعمل لصالح قيادي حوثي بارز.. لا يخفى أحد أن الحوثيين هم من يقف وراء السوق السوداء للمشتقات النفطية"، بهذه الكلمات فقط أجاب العامل في محطة الغاز التي أشار إليها الخولاني لمحرر "العين الإخبارية".
نصحنا العامل بمغادرة المكان قبل أن نتعرض للسجن ونخضع للمساءلة في حال عرف مالك المحطة الهدف من هذه الزيارة.
ويوم السبت الماضي وزّعت شركة النفط اليمنية الخاضعة لسلطة ميليشيات الحوثيين، كميات محدودة من الوقود على بعض محطات التعبئة في صنعاء، غير أن القليل جدا من الموطنين نجحوا في تعبئة خزانات سياراتهم بالبنزين وفقا للسعر الذي اعتمدته الميليشيات إبان إقرارها تعويم المشتقات النفطية (ربط أسعار البيع بسعر البورصة العالمية والسماح للقطاع الخاص باستيراد تلك المشتقات)، أي 2800 ريال (13 دولارا) لكل 20 لترًا.
يقول نجيب غلاب، الذي انتظر أكثر من 10 ساعات أمام إحدى محطات الوقود غربيّ العاصمة على أمل ملء خزان سيارته: "ناقلة شركة النفط أفرغت 15000 لتر لتلك المحطة ولا يتجاوز ما تم بيعه للمواطنين 2000 لتر، وبينما كنت أنتظر دوري في الطابور وصل مجموعة من المسلحين الحوثيين وتبادلوا الحديث مع مالك المحطة الذي أبلغنا بعد ذلك بانتهاء الكمية المخصصة للمواطنين وأن ما تبقى سيسخّر لصالح اللجان الشعبية التابعة للحوثيبن".
يضيف غلاب لـ"العين الإخبارية": "هذا استهتار واضح وتصرف مدان... اضطررت بعدها إلى شراء 40 لترًا من السوق السوداء بـ20 ألف ريال (94 دولارًا)...".
وخلال الأسابيع الأخيرة فتحت بعض محطات الوقود في صنعاء أبوابها لبيع البنزين والديزل رسميًّا، بأسعار السوق السوداء نفسها، مما يعني أن قيادات بارزة في الجماعة تقف وراء هذه الظاهرة لتحقيق مكاسب شخصية رغم سيطرتهم على مقدرات الدولة.
في هذه الأثناء يتهم الباحث اليمني في الشأن الاقتصادي ياسين التميمي ميليشيات الحوثي والمخلوع علي عبد الله صالح بالوقوف وراء السوق السوداء.
ويقول التميمي لـ"العين الإخبارية": "تجارة المشتقات النفطية باتت تمثل العمود الفقري للاقتصاد الموازي الذي تديره عصابات مرتبطة بالمخلوع صالح وميليشيات الحوثي، وهي عصابات تعيش صراعًا على النفوذ في إطار هذه السوق، وأبرز دليل على هذا الصراع تلك الحرائق التي تندلع من وقت لآخر في التجمعات الكبيرة التي يجري فيها تداول الوقود وبيعه بأضعاف أسعاره الرسمية".
ويضيف التميمي: "هذه الميليشيات تحرص على إدارة سوق موازية للوقود، لتأمين مصدر دخل يغذّي حربها العبثية في أكثر من جبهة.. ولأنها لا تستطيع أن تحصل على موارد عبر الطرق الرسمية فالموارد المتاحة خصوصا التي تأتي من الضرائب لم تعد تكفي لتغطية النفقات التشغيلية للمرافق الإدارية ناهيك بمرتبات الجهاز الإداري الكبيرة".
وأكد التميمي أن هذه السوق توفر مبالغ طائلة للانقلابيين مقابل زيادة الأعباء الاقتصادية والمعيشية على المواطنين خصوصا الفقراء ومحدودي الدخل، فضلا عن الانهيار المريع لسعر الصرف مقابل الدولار.
وحسب التميمي، يجري في إطار هذه السوق إقصاء شركات القطاع الخاص، مثل الشركات التابعة لمجموعة "هائل سعيد انعم" التجارية، من استيراد المشتقات النفطية.
وفي العاشر من نوفمبر الجاري أعلنت مجموعة "هائل سعيد انعم" توقف نشاطها الإنتاجي منذ أكثر من 20 يومًا بسبب انعدام الوقود.
وفي بيان صادر عنها، حمّلت المجموعة الصناعية الكبرى في اليمن التي تغطي ما يزيد على 70% من احتياجات السوق الغذائية في اليمن، السلطات ما سيترتب على توقف النشاط الإنتاجي والتجاري في البلاد.
إلى ذلك حذّر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي من اتساع رقعة سوق المشتقات النفطية السوداء في ظل تزايد أعداد الفقراء بما يتجاوز 80% من إجمالي عدد السكان البالغ 25 مليون نسمة.
رئيس المركز مصطفى نصر اتهم شركة النفط اليمنية الخاضعة لسلطة الحوثيين في صنعاء بأنها تحولت إلى نقطة عبور المشتقات النفطية نحو السوق السوداء بينما تغلق المصانع أبوابها والشركات تستجدي لإمدادها بكميات من الديزل لتضيف ذلك العبء على مواطنين أنهكتهم الفاقة.
وأكد نصر أن الأخطر من هذا كله هو انهيار القطاع الخاص والقضاء على رأس المال الحقيقي لصالح طبقة طفيلية تنشأ مستفيدة من فوضى الحرب وتراكم ثروة منتزعة من بطون ملايين الجوعى والمشردين.
بينما يرى ياسين التميمي أن القضاء على هذه السوق "يرتبط بوجود سلطة دولة لا عصابة، كما هو حاصل الآن.. بحيث يتم تأمين الوقود وبيعه عبر المحطات المنتشرة في البلاد وفقًا للسعر الرسمي الذي يحدَّد بناءً على كلفة الاستيراد مضافة إليها الضرائب".