خمس سنوات منذ اندلاع حرائق "الربيع" المشؤوم، وكانت الشعارات التي رفعت آنذاك تتحدث عن "الحرية والعيش
خمس سنوات منذ اندلاع حرائق "الربيع" المشؤوم، وكانت الشعارات التي رفعت آنذاك تتحدث عن "الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية". هكذا كانوا يقولون، وبمثل هذه الشعارات امتطت الأحزاب الدينوسياسية المتشددة والإقصائية في عدد من الدول العربية صهوة الفوضى والانفلات، لتتحول خلسة إلى جماعات تتحدث عن الديمقراطية والتعددية وحقوق الفقراء، ولتنال في مشهد تتوجس منه النفس خيفة تصفيق ومباركة بعض دول الغرب، ودعم منظماته الحقوقية بشكل منقطع النظير، لتكون هذه الجماعات هي المرشحة كبديل لأنظمة الحكم العربية، لكونها الضمانة الوحيدة على أن وجودها على رأس حكم الدول العربية سوف يؤدي إلى فناء هذه الدول وتخلف شعوبها!
واليوم، بعد مرور تلك السنوات الخمس، لا نحتاج سوى أن نلقي نظرة سريعة على حال الدول العربية وما آلت إليه. وإذا كانت هناك دول عربية قد خرجت من عنق الزجاجة في اللحظة الأخيرة، كالحال في مصر التي نجحت بوطنية وذكاء جيشها من الوصول إلى بر الأمان والخلاص من مخالب تنظيم "الإخوان" في لحظة فارقة هب فيها الشعب المصري ضد أكاذيب وحيل أعضاء هذ الجماعة التي جثمت على صدره سنة، وكادت تحول مصر خلالها إلى دولة معادية لدول الخليج العربي بسبب الغزل والتقارب مع إيران على حساب أمن ومصالح دول الخليج، فإن دولاً أخرى قد غرقت في وحل الفوضى ودمرتها الحروب الأهلية بعد أن تحولت إلى مرتع للجماعات الإرهابية والتكفيرية أو ساحة للأحذية والبساطير الإيرانية، كما حدث في ليبيا وسوريا. ولم يكن اليمن بعيداً عن مشهد مشابه لولا القرار الصائب الذي اتخذته دول التحالف الخليجي العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بشن حرب لا هوادة فيها ضد المليشيات الحوثية المنقلبة على الشرعية في اليمن، في لحظة فارقة ربما غيرت مسار التاريخ في المنطقة، وجعلت المليشيات الحوثية تفر فرار الجرذان في كل اتجاه بعد أن كانت تمني نفسها بقتال دول الخليج فيما وراء الحدود الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، فوجدت عوضاً عن ذلك جيوشاً خليجية باسلة من السعودية والإمارات والبحرين، تبذل الغالي والنفيس لحفظ أمن اليمن وتأمين سلامة أهله.
وإذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد تحملت العبء الأكبر من تبعات هذا "الربيع" المشؤوم، فاستنفرت دبلوماسيتها ووسائلها السياسية والمالية والعسكرية والأمنية لتحمي أمن واستقرار المنطقة، وتمنع دولاً عربية ذات أهمية وثقل من الانزلاق إلى مستنقع الحرب والفوضى والدمار، فإن أكبر فائدة تحققت خلال هذه السنوات الخمس، رغم كل ما شهدته من دمار وويلات على الشعوب العربية، هو أن ثمة مجموعة عربية قوية ومتحالفة قد خرجت من أحشاء هذه الفوضى، من دول الخليج ومصر والأردن والمغرب، ومعها أيضاً دول إقليمية أخرى، استشعرت خطورة وحساسية المرحلة، وأيقنت أهمية العمل الجماعي القوي، وخصوصاً على الأصعدة الأمنية والعسكرية والمعلوماتية، من أجل تجفيف المنابع المالية والبشرية واللوجستية للإرهاب والجماعات المتطرفة، والتي باتت اليوم ورقة رابحة تستخدم لنشر الفوضى والتطرف والدمار وتشويه صورة العرب والمسلمين في كل مكان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة