بينما يبدو السوريون رافضون للتقسيم، فإن رفضهم يفتقد لقوة تعكسه على الأرض، بينما هناك قوى أخرى تفرض التقسيم، في غياب المعارضة الموحدة
أربعة أيادي تحاول كل منها الفوز بقطعة من الخريطة السورية.. هكذا صور أطفال سوريين ما يحاك لوطنهم الآن، وباللهجة الشامية كتبوا تعليقا على هذه الصورة التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "ما بدنا سوريا هيك".
ما عبر عنه الأطفال بصورة بسيطة ومفردات أبسط، كرد فعل على إعلان الأكراد الخميس الماضي حكما فيدراليا على مناطق سيطرتهم في شمال سوريا، تكرر بعبارات أكثر رصانة وتحليلات تبدو أكثر عمقا، خرجت عن مفكرين وسياسيين سوريين، وكلها تصب في اتجاه الرفض الشعبي لهذه الخطوة.
ولكن: هل يكفي الرفض الشعبي، لمنع انفراط عقد الأرض السورية وتفرقها بين القوى المختلفة؟
بالقطع فإن الرفض هام جدا لمقاومة التوجه نحو التقسيم، ولكن حتى يكون الرفض فعالا لابد من قوة تحميه وتفرضه على أرض الواقع، وهذه هي الأزمة التي يفتقدها الشعب السوري.
ففي الوقت الذي يرفض فيه الشعب هذه الخطوة، فإن من يملك القوة يسعى لفرضها على أرض الواقع، مستغلين معارضة سياسية منقسمة، وأخرى عسكرية لا تقل تشرذما وانقساما عنها.
وطوال خمس سنوات هي عمر الثورة السورية، لم تستطع هذه المعارضة المنقسمة على نفسها تحقيق أي انجاز في الملف السوري، فبالإضافة إلى الكيانات الكثيرة الممثلة للمعارضة، فإنه في كثير من الأحيان تتباين مواقفهم داخل الكيان الواحد، كما حدث في مشهد انتخاب رئيس الائتلاف السوري الجديد أنس العبدة، الذي غاب عنه عدد كبير من أعضاء الائتلاف.
ويستطيع المتابع لمسيرة الثورة السورية، أن يحفظ العبارات التي تتكرر على لسان المعارضة، والتي يضطرون في النهاية إلى التخلي عنها، بعد ضياع الفرصة، فمع بدايات الثورة عندما طرحت مسألة التفاوض مع النظام السوري، كان بعضهم يصفون من يتحدث في هذا الاتجاه بـ "الخائن"، ثم رضخوا للأمر الواقع وتفاوضوا في أكثر من جولة.
وعندما أبدى رئيس الائتلاف الأسبق أحمد معاذ الخطيب، استعداده للتفاوض وجها لوجه مع بشار الأسد، وصفوه بـ "الخائن"، ثم جاءت المعارضة لتعبر عن رغبتها في التفاوض وجها لوجه مع النظام في المفاوضات الجارية حاليا في جنيف، ولم يقبل وفد النظام طلبها.
ولا تقرأ أي تصريح لمعارض سوري منذ عام 2012، إلا ويتحدث عن "هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات"، ويراها الحل الوحيد للأزمة السورية، بينما كان الأكراد يخططون لفرض الحل الخاص بهم، وهو الفيدرالية على مناطق سيطرتهم.
وإذا كانت الحكومة السورية قد اتفقت مع المعارضة السورية لأول مره، على رفض تلك الخطوة، فإن القراءة المتأنية لمشهد الانسحاب الروسي من سوريا، ربما يعطي إشارات على أن فيدراليات أخرى قد يتم إعلانها لاحقا.
فالانسحاب الروسي الذي جاء بالتزامن مع مفاوضات "جنيف 4"، قال دبلوماسيون عرب في موسكو لصحيفة " الشرق الأوسط" يوم الخميس الماضي، أنه جاء اعتراضا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مواقف النظام السوري الجامدة في مفاوضات "جنيف 4"، وهو ما يعني إن صح هذا الكلام، أن بوتين بات يريد حلا للأزمة السورية، التي أنهكت الاقتصاد الروسي.
وتشير الأنباء الوارده من جنيف، كما يقول المعارض السوري برهان غليون على صفحته الرسمية بموقع "فيس بوك"، أن قضية الانتقال السياسي نحو نظام جديد صارت هي جوهر المفاوضات في جنيف، ولم يعد المجتمع الدولي يتحدث عن دعم نظام الاسد للوقوف في وجه الإرهاب، وإنما صار يعتقد أكثر بأن ذهاب الأسد هو شرط لاحتواء الإرهاب وتوحيد القوى ضده.
ما لم يذكره غليون في تعليقه، هو جوهر الانتقال السياسي الذي ستسفر عنه " جنيف 4"، في ظل استحالة اتفاق الفصائل المسلحة في سوريا، والمنقسمة بين معارضة سلفية جهادية، وإسلامية، وما يُصنف كمعارضة علمانية أو معتدلة.
ويعكس مشهد المعارضة المشاركة في جنيف هذا الانقسام، حيث يوجد وفد هيئة التفاوض، والمعروف إعلاميا باسم "معارضة الرياض"، لأنه يتخذ من العاصمة السعودية مقر له، ووفد المعارضة المقربة من موسكو، ويرأسها الوزير السوري الأسبق قدري جميل، وهناك معارضة قريبة من النظام، تسمى معارضىة "حميميم"، نسبة إلى قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، والتي اجتمعوا داخلها مؤخرا.
واستبق الأكراد التجاذبات التي قد تحدث بين هذه الأطراف في جنيف بإعلان "الفيدرالية"، وربما ستجد روسيا أن مستقبلها قد يكون في دعم هذا التوجه، عبر ما يعرف بـ " سوريا المفيدة"، والتي تعني إقامة دولة علوية في مناطق دمشق والساحل، وترك باقي المدن السورية لمصيرها في ظل استحالة اتفاق الفصائل السورية.
وربما لهذا السبب، فإن قرار الانسحاب الروسي استثنى استمرار التواجد العسكري في القواعد الروسية في اللاذقية على الساحل السوري، كما استثنى صواريخ "إس. 400" الدفاعية.
وقبل انطلاق مفاوضات "جنيف 4 " رأى المحلل السياسي السوري وعضو الائتلاف المعارض بسام الملك في زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر لموسكو، دعما لهذا التوجه.
وقال الملك في تصريحات لبوابة العين، إن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسينجر، مهندس الشرق الأوسط الجديد، زار روسيا مؤخرًا سرًا، وبقي هناك 5 أيام، وصار هناك تفاهم أمريكي روسي على تقسيم المنطقة من جديد، بعد مرور 100 عام على اتفاقية "سايكس بيكو".
وأضاف أن سوريا وفق هذا المخطط سيتم تقسمها إلى 4 دويلات، واحدة علوية في الساحل، و كردية في الشمال على حدود تركيا، سنية في الوسط، ودولة درزية في الجنوب.
هذا ما قاله الملك قبل "جنيف 4 "، وبدأت بوادره تظهر في الشمال، ثم من المتوقع وفق شواهد الانسحاب الروسي، أن نشهد إعلان قريب عن ظهور فيدرالية أخرى في الساحل، ولا تزل المعارضة في المقابل منقسمة على نفسها، بما يسمح بتمرير هذا المخطط من منطلق المثل القائل " فرق تسد".
aXA6IDE4LjIyMS4xODMuMzQg جزيرة ام اند امز