نجاح الوساطة التي قام بها الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني هز أركان الدولة القطرية، وأثار قلق النظام فيها، وزاد حجم الضغوط عليها
هذه المرة من العاصمة النرويجية أوسلو، حيث سافر وزير خارجية قطر آلاف الأميال ليشتكي السعودية والدول المقاطعة، ليبحث عن من يناصر بلاده في أزمتها بعد أن أصبحت منسية، أما القضية الكبرى التي يطرحها الشيخ محمد بن عبد الرحمن فهي حج مواطني بلاده، نعم لم يجد الوزير القطري إلا هذه الدولة الإسكندنافية ليبث شكواه وينتظر حلولاً، على الرغم من أنه لا توجد قضية أصلاً وخادم الحرمين الشريفين يستضيف الحجاج القطريين ويرسل طائرات تحضرهم مباشرة من الدوحة حتى مع المقاطعة القائمة بين الدول الأربع والدوحة، إلى أن بلغ قائد الدبلوماسية القطرية مبلغاً غير مسبوق بالقول إن «منع الحجاج القطريين تم بدوافع سياسية، والسماح لهم الآن تم أيضاً بدوافع سياسية»، وهي جملة دبلوماسية عظيمة تلخص التخبط السياسي القطري، فالاتهامات حاضرة سواء حج مواطنوها أم لا، في الحالتين المزاعم بأن السعودية تسيّس الحج لا تتوقف، وليت الوزير القطري يشرح لنا، ربما من فنلندا المرة المقبلة، كيف تكون استضافة حجاج بلاده من قِبَل قمة الهرم في المملكة دوافعها سياسية إذا كان يزعم أن منعهم أيضاً دوافعه سياسية؟ ليس من إجابة عن هذا السؤال إلا أن الدبلوماسية القطرية أخذت على حين غرة من دخول قوى سياسية قطرية جديدة على خط أزمة بلادها.
بعد استقبال الرياض للشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، شقيق حاكم ومؤسس قطر الحديثة، وموافقتها بدخول الحجاج القطريين عبر منفذ سلوى الحدودي لأداء مناسك الحج، وكذلك السماح لجميع المواطنين قطريي الجنسية الذين يرغبون في الدخول لأداء مناسك الحج من دون التصاريح الإلكترونية، أسقط في يد الحكومة القطرية التي وجدت نفسها في مأزق أمام مواطنيها والعواصم التي ذهبت تستجدي الشكوى عندهم، فلم يعد لديها مبرر من منع مواطنيها من الحج كما سعت سابقاً، كما أنها أصبحت قلقة ومرتبكة وأحد كبار الأسرة الحاكمة يتنقل من جدة، حيث التقى نائب الملك الأمير محمد بن سلمان في جدة ونقل إليه طلب وساطته، إلى طنجة مقر إقامة خادم الحرمين الشريفين الذي أكد بدوره «حرص المملكة واهتمامها الدائم والمستمر براحة حجاج بيت الله الحرام وتسخيرها كل الإمكانيات ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة واطمئنان»، حيث يواصل الشيخ عبد الله مساعيه لتحقيق ما عجزت عنه الدبلوماسية القطرية خلال 74 يوماً من الأزمة، ومع تجاوب السعودية مع هذه المساعي وتلبيتها لوساطته، وصلت الرسالة صاعقة للدوحة بأن هذه الخطوة لها ما بعدها، على كل المستويات السياسية والشعبية والاجتماعية، خصوصاً والدوحة تؤخذ على حين غرة بهذه المفاجأة الكبرى بدخول طرف سياسي قوي على خط الأزمة، وهو لا شك يفتح باب المفاجآت مستقبلاً على مصراعيه داخل البيت القطري، بعدما تلقى ضربة قاصمة بوساطة يقوم بها أحد أبرز رموز أسرتها الحاكمة، وفتحه مساراً سياسياً يبحث عن تحقيق مصالح شعب بلاده التي تضررت كثيراً بفعل تهور القيادة الحالية. لم يتكلف الشيخ عبد الله العناء بالسفر لموسكو أو واشنطن أو لندن، كما أنه لم يذهب لأوسلو البعيدة جداً ليسيس شعيرة دينية خالصة، بل اختصر الطريق كثيراً وذهب إلى أقرب نقطة لبلاده… السعودية، ووجد الحل سريعاً، فعلاً لا بد من «الرياض» وإن طال السفر.
في كتابه النظام العالمي الجديد يقول هنري كيسنجر: «التاريخ يعاقب العبث الاستراتيجي عاجلاً أو آجلاً، وفي كل حقبة تتولى البشرية إنتاج أفراد أبالسة وأفكار قمع تخريبية شريرة. وما مهمة الحنكة السياسية سوى منع صعودهما إلى مواقع السلطة، والعمل على إدامة نظام دولي مؤهل لردعهما». كلام ثعلب السياسة الأميركية ينطبق تماماً على السياسة التي تنتهجها الدوحة، وبعد نحو شهرين ونصف الشهر من أزمة قطع العلاقات معها، تؤكد ردود الفعل القطرية يوماً تلو آخر صحة المواقف التي اتخذت ضدها، ومن كان لديه شك في صحة هذه القرارات، بددت الرعونة السياسية القطرية كل تلك الشكوك.
الأكيد أن نجاح الوساطة التي قام بها الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني هز أركان الدولة القطرية، وأثار قلق النظام فيها، وزاد حجم الضغوط عليها، فلا تعلم الدوحة أين سيكون اتجاه الرياح في مقبل الأيام ضدها.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة