شعور المفاجأة أو الصدمة لا يعبر عن كيفية تعاطي الدوحة مع أزمة المقاطعة أو العزلة التي تعيشها في أسبوعها الثاني
شعور المفاجأة أو الصدمة لا يعبر عن كيفية تعاطي الدوحة مع أزمة المقاطعة أو العزلة التي تعيشها في أسبوعها الثاني، ليس لأن الدول الخليجية الثلاث ومصر تقاطعها؛ فهذه خطوة متوقعة وإن تأخرت، وليس لأن قطر تصعّد بدلاً من التهدئة والمبادرة، فهذا ديدن سياستها التي تشبه الأنظمة اليسارية والثورية في مكابرتها وعنادها، مستغلة الحكمة الخليجية حتى بعد انتهاء صلاحية أطول حكمة في العالم، المفاجأة والصدمة في عدم اكتراث القيادة القطرية بما هو قادم لبلادها من إجراءات وعقوبات صارمة تنوي الولايات المتحدة اتخاذها لإيقاف تمويل الإرهاب، الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الواضح أنه يأخذ القضية أولويةً في سياسته الخارجية، يعلم أن تعامله مع قطر فيما يتعلق بوقف تمويلها للإرهاب يشكل اختباراً لاستمراره في استراتيجيته هذه حول العالم، وواصل توجيه الرسائل لعل الدوحة تلتقط الإشارات وتبدأ في إعادة مسارها، وآخر رسالة أرسلها ترامب كانت تدور حول أن ما تفعله إدارته «ليس معركة سهلة، لكنها معركة سنفوز بها، سنعمل على تجويع الوحش»، كل هذه المواقف الأميركية الصلبة هي مقدمة لخطوات وقرارات إجرائية مقبلة، ترامب وإدارته يعون أن تجويع الوحش، أي إيقاف تمويل الجماعات الإرهابية، لن يحدث إلا بإيقاف النهر المتدفق القادم من العاصمة الدوحة، في حين لا تزال ردة الفعل القطرية تراوح مكانها بين عدم الاكتراث وتهوين الأزمة وكأنها أزمة عابرة، ما بين رسالة لشعبها بالداخل وأخرى معاكسة للمجتمع الدولي، تارة ترمي كل ثقلها لتثبت أن ما يحدث حصار، وتارة تؤكد أنها وشعبها لم ولن تتأثر بالمقاطعة، في كل الأحول تبدو الدوحة غير عابئة بأن استراتيجية «تجويع الوحش» ستكون الكارثة الكبرى القادمة عليها وعلى مواطنيها.
مرحلة الإنكار التي تعيشها الدوحة حالياً، والتي جاءت بعد مرحلة الغضب، لن تنفعها وهي تتمسك بها طويلاً بينما الوقت يمضي، فالدول المتضررة اتخذت خطوة أولى بمقاطعتها، وربما تأتي خطوات أخرى سواء من هذه الدول أو من دول أخرى
من الواضح أن قطر ليست جادة فعلاً في البحث عن حلول لمحاصرة أزمة المقاطعة وتفاعلاتها، ومن الواضح أيضاً أنها تعتمد على شراء الوقت غير قابلة بوضع المشرط على الجرح، على الرغم أنها في النهاية شاءت أم أبت ستضطر إلى ذلك، لكن بعدما يصبح الجرح أعمق والعملية الجراحية أخطر، المرحلة المقبلة ستشهد فيها قطر إجراءات قد تضعها في موقع صعب، وما هو متاح اليوم من حلول لن يكون متاحاً غداً، والضغط الأميركي سيتواصل طالما الدوحة لم تقم بأقل القليل لإثبات حسن نواياها ورغبتها في تغيير فعلي، مرحلة الإنكار التي تعيشها الدوحة حالياً، والتي جاءت بعد مرحلة الغضب، لن تنفعها وهي تتمسك بها طويلاً بينما الوقت يمضي، فالدول المتضررة اتخذت خطوة أولى بمقاطعتها، وربما تأتي خطوات أخرى سواء من هذه الدول أو من دول أخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أعلنت رسمياً أنها تعمل على ذلك، الخاسر الأكبر والوحيد من استمرار الأزمة هي الدوحة، والسؤال متى تقتنع بذلك؟! لا يبدو أن ذلك سيكون قريباً وربما يتم بعد فوات الأوان.
بينما تبحث الدوحة عن بيانات تضامن من جمعية خيرية في أقصى مقدونيا، أو حزب سياسي سوداني لم يسمع به أحد، وتتذاكى باحثة عن حلول تطيل أمد الأزمة في طهران أو أنقرة أو موسكو أو برلين، ليس هناك سوى عنوان وحيد يرفع عن قطر أخطر أزمة تعيشها في تاريخها، هذا العنوان تعرفه جيداً وكثيراً ما جرّبته وعرفت جدواه ومدى مصداقيته، وكان الأكثر تفهماً لها حتى وهي ألد الخصوم، عنوان حل الأزمة عن طريق الرياض وحدها، أما العناوين الأخرى فلا تعدو مجرد شراء وقت ستكتشف الدوحة أنها ذهبت بعيداً، وخسرت كثيراً وهي تعاند، ثم تراهن ثم تقامر على استقرار شعبها.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة