آبي أحمد.. خبرات قديمة تعبّد طريق الولاية الجديدة
بدأ آبي أحمد، اليوم الإثنين، ولاية جديدة من رئاسة الحكومة الإثيوبية لمدة 5 سنوات بعد أن أدى اليمين الدستورية أمام البرلمان، وسط تحديات كبيرة تشهدها البلاد.
وآبي أحمد ، الذي أعيد انتخابه رئيسًا لوزراء إثيوبيا، تولى المنصب لأول مرة مطلع أبريل/نيسان 2018، خلفا لرئيس الوزراء السابق هايلماريام دسالين، الذي تقدم باستقالته في منتصف فبراير/شباط 2018، عقب احتجاجات شهدتها البلاد.
وسيتمتع آبي أحمد بسلطات وواجبات منحها له الدستور الإثيوبي وفق المادة 74، حيث بحكم منصبه يشغل رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، كما يحق له ترشيح أعضاء مجلس الوزراء لمجلس نواب الشعب للمصادقة عليهم.
ووفقا لذلك يتولى آبي أحمد مراقبة ومتابعة تنفيذ القوانين والسياسات والتوجيهات والقرارات التي يتخذها مجلس النواب، فضلا عن دوره الطبيعي في قيادة وتنسيق وتمثيل أعمال مجلس الوزراء، بجانب إشرافه على السياسة الخارجية للبلاد.
كما يتمتع بأحقية تعيين المفوضين ورئيس المحكمة العليا ونائبه والمراجع العام، ورفعها لمجلس نواب الشعب " البرلمان " للمصادقة، ووفقا لذلك يقدم تقارير دورية إلى البرلمان حول الوضع في البلاد وأنشطة الحكومة والخطط المستقبلية.
ويمارس رئيس الوزراء كل هذه المهام وفقًا لدستور البلاد والقوانين الأخرى.
بزوغ نجم آبي أحمد
بدأ نجم آبي أحمد (45 عاما) ، يسطع في سماء إثيوبيا كقائد بعد انتخابه رئيسًا لحزب “الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو، مطلع فبراير 2018 ليتم بعدها اختياره رئيسا للائتلاف الحاكم وقتها في مارس من نفس العام.
ما سبق مهد الطريق أمامه لتولى رئاسة الوزراء في مطلع أبريل/ نيسان 2018، خلفا لديسالين حيث شكل آبي أحمد، المنحدر من إقليم أوروميا (وسط)، حضورا قويا وفاعلا خلال الفترة الماضية خاصة أن البلاد شهدت تحولات كبيرة بعد توليه المنصب.
فما إن أصبح رئيسا للوزراء في الدولة التي تعد ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث السكان بجانب ثقلها السياسي في شرق القارة السمراء، جرت متغيرات كثيرة وتحديات سياسية وأمنية في بعض مناطق البلاد كان أكثرها تأثيرا الحرب التي اندلعت شمال البلاد نوفمبر الماضي.
كما تأتي أهمية إثيوبيا باعتبارها مقر الاتحاد الأفريقي الذي يضم في عضويته أكثر من 50 دولة، وهو ما يتطلب أن تكون أديس أبابا الأكثر فاعلية.
وربما كان التحدي الأكبر أمام آبي أحمد ، وقتها ، أن جاء توليه عقب سلسلة من الأحداث المتسارعة التي شهدتها إثيوبيا، والتي بدأت باحتجاجات شهدتها بعض الأقاليم في البلاد تنديدًا بتهميشها وإقصائها.
ودفعت الاحتجاجات قيادة البلاد نحو إصلاحات ترمي لتخفيف الاحتقان بينها إطلاق سراح موقوفين، غير أنها لم تكن كافية على ما يبدو، قبل أن يعلن ديسالين استقالته من منصبه منتصف فبراير 2018، في قرار قبله الائتلاف الحاكم باليوم نفسه، ليعلن مجلس الوزراء، في اليوم التالي، حالة الطوارئ بالبلاد.
كل تلك الظروف تقتضي إلقاء الضوء على آبي أحمد، الذي تم إعادة انتخابه اليوم لرئاسة وزراء إثيوبيا.
من هو آبي أحمد
من هو آبي أحمد؟، وإلى أي مدى سيتصدى للتحديات الماثلة في بلاده اليوم خاصة أنه أصبح يمتلك حصانة دستورية أكثر من ذي قبل بعد أن فاز حزبه "الازدهار " بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات السادسة التي جرت يونيو/حزيران الماضي.
ولد " آبي أحمد "، في منطقة أغارو، بمدينة جيما بإقليم “الأورومو”، حيث صوت بذات المنطقة وحقق فوزا كاسحا في دائرته وهو ما أهله في أن يصبح مرشح حزب الازدهار من داخل البرلمان الإثيوبي اليوم كشرط في توليه منصب رئيس الوزراء وفق الدستور.
وبدأ حياته ملتحقا بالنضال المسلح 1990 مع رفاقه في الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، إحدى جبهات الائتلاف ضد حكم نظام "منغستو هايلي ماريام" العسكري (1974 – 1991)، حتى سقط حكم الأخير بعد دخول الائتلاف إلى أديس أبابا.
وتنطلق إمكانيات آبي أحمد ، من عدة مؤهلات وإمكانيات تتصدرها ثلاثة محاور رئيسة في حياته هي التي شكلت تجربته في العمل السياسي، بدأها بالعسكرية ولم يتجاوز عمره 15 عاما وختمها بالتأهيل الأكاديمي.
وبعد أن قضى بداية تجربته بالميدان حتى سقوط نظام منغستو، التحق رسميًا بقوات الدفاع الوطني الإثيوبية (الجيش) عام 1991، في وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل رتبة عقيد عام 2007.
وشارك في عام 1995، ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في رواندا عقب الإبادة الجماعية التي شهدتها.
كما قاد الرجل إبان الحرب الإثيوبية الإرتيرية 1998- 2000 ، فريقًا استخباراتيًا لاكتشاف مواقع الجيش الإرتيري في الجبهات الأمامية للقتال.
وكان نبوغه في العمل الاستخباري وجمع المعلومات وتحليلها، كما يقول متابعوه، سببًا في التحاقه بجهاز المخابرات بالجيش.
فيما تمثلت إمكاناته الاستخباراتية والأمنية والسياسية، في الجهود التي بذلها لتطوير شبكة المعلومات ببلاده، فهو كان في مقدمة مؤسسي وكالة أمن شبكة المعلومات (إنسا) في العام 2007 ، وكان المدير العام للوكالة حتى العام 2010.
وبلا شك أن هذه التجربة العسكرية خاصة في مجال الاستخبارات والمعلومات مثلت أحد نقاط قوة الرجل داخل المؤسسة العسكرية، التي تعد إحدى أركان الدولة خاصة فيما تشهد البلاد في الشمال منذ نوفمبر الماضي.
جهد أكاديمي
لم يركن " آبي أحمد " وهو أب لثلاث بنات، إلى تجربته العسكرية بوحدة الاستخبارات والمعلومات العسكرية التي مثل فيها إحدى الإضافات في مجاله، وإنما ألحقها بمؤهلات دراسية وأكاديمية، ليحصل على درجة البكالوريوس في هندسة الكمبيوتر من كلية “ميكرولينك لتكنولوجيا المعلومات” بأديس أبابا 2001.
كما حصل آبي أحمد بعدها ، على دبلوم الدراسات العليا المتقدمة في تطبيقات التشفير 2005، من جامعة " بريتوريا "، بجنوب أفريقيا، ثم الماجستير في إدارة التغيير والتحول من جامعة غرينتش، بلندن 2011.
ليواصل التحصيل والتأهيل الأكاديمي محققا درجة الماجستير في إدارة الأعمال 2013، ومن ثم نيله درجة الدكتوراه بالتخصص نفسه في 2017، من معهد دراسات السلام والأمن بجامعة أديس أبابا.
ولم يقتصر جهد آبي أحمد ، في تلك المجالات العسكرية والتأهيل الأكاديمي ، في بداية حياته ، حيث كان يعمل الى جانب تلك الجهود في المجال السياسي.
ففي عام 2010، غادر وكالة أمن شبكة المعلومات الإثيوبية (إنسا) ليتفرغ للسياسة بصورة رسمية ومباشرة، كما أن المهام الأخرى التي تولاها كان يمارس السياسة بجوارها.
وشغل الرجل منصب رئيس مجلس إدارة جامعة "جيما "بإقليم أوروميا، فضلًا عن رئاسة بنك أوروميا للتمويل الأصغر، وشبكة " أوروميا" للإذاعة.
كما عمل أيضًا عضوًا في مجلس إدارة العديد من الوكالات الحكومية العاملة في مجال الإعلام والاتصالات، مثل: " إيثيو تليكوم" وهي شبكة الاتصالات القومية بإثيوبيا، والتليفزيون الإثيوبي، قبل أن يتركها جميعًا.
وبجانب ذلك كان عضوًا في "الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، وتدرج إلى أن أصبح عضوًا في اللجنة المركزية للحزب، وعضوًا في اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم في الفترة ما بين 2010 – 2012.
وبموجبها انتخب عضوًا بالبرلمان الإثيوبي عن دائرته " أغارو" بمنطقة جيما في إقليم أوروميا في 2010، وخلال فترة خدمته البرلمانية، شهدت منطقة جيما بضع مواجهات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف، وأسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات.
وبرز دور الرجل بلعب دورًا محوريًا بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية ورجال الدين، في إخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث وتحقيق مصالحة تاريخية في المنطقة.
في عام 2015 أعيد انتخابه في مجلس نواب الشعب الإثيوبي (البرلمان)، كما انتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية لـ الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو.
خبرات وتحديات
وفي الفترة من 2016 إلى 2017 تولى " آبي أحمد " وزارة العلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية، قبل أن يترك المنصب ويتولى منصب مسؤول مكتب التنمية والتخطيط العمراني بإقليم أوروميا ثم نائب رئيس إقليم أوروميا نهاية 2016، وترك الرجل كل هذه المناصب لتولي رئاسة الحزب.
وبعدها بفترة تولى رئاسة الائتلاف الحاكم (وقتها)، مطلع مارس 2018 ، وهو ما أهله تولى منصب رئيس الوزراء الإثيوبي ، بموافقة البرلمان في 2 أبريل/نيسان 2018، خلفا لرئيس الوزراء السابق هايلماريام دسالين، الذي تقدم باستقالته في فبراير/شباط 2018، عقب احتجاجات شهدتها البلاد.
وأعيد انتخاب آبي أحمد اليوم ، رئيسا لوزراء إثيوبيا برصيد حافل من التجربة في الفترة الماضية، فعندما بدأ توليه المنصب أجرى إصلاحات اقتصادية وسياسية دشنها بإطلاق صراح المئات من السجناء السياسيين ومهد الطريق لعودة العديد من قادة المعارضة من المنفى.
ولعل أبرز الإنجازات السياسية لآبي أحمد منذ توليه منصبه في 2018، عودة العلاقات مع إرتريا، منهيا قطيعة امتدت لنحو عقدين وذلك في يوليو 2018، عقب إعلانه الشهير في يونيو من نفس العام بأن أديس أبابا ستلتزم ببنود اتفاقية السلام لعام 2000 التي كانت تهدف إلى إنهاء الحرب الحدودية مع جارتها التي بدأت في عام 1998.
كما نجح آبي أحمد في خلق تحالف مع بعض دول المنطقة وشكل تحالفا ثلاثيا بالقرن الأفريقي تضمن إلى جانب إثيوبيا دولتي إرتريا والصومال.
فيما تمثلت إصلاحاته الاقتصادية في خصخصة بعض الشركات والمؤسسات الحكومية التي ظلت حكرا على الحكومة مما أضعف دورها، ومن بينها شركة الاتصالات "إثيوتليكوم" وشركة السكر.
لكن آبي أحمد، يبدأ مرحلة جديدة اليوم ، في ظل تحديات كبيرة أبرزها أزمة شمال البلاد التي لم تبارح مكانها منذ نوفمبر الماضي، بالرغم من النجاح الذي تحقق بالاستحقاق الدستوري وإجراء الانتخابات السادسة في يونيو الماضي، والتي شهدت مشاركة من أحزاب المعارضة نالت بموجبها بعض المقاعد بالبرلمان لأول مرة منذ أكثر من عقدين.
وشهدت الانتخابات الإثيوبية التي جرت في الـ21 من يونيو/حزيران الماضي تنافس نحو 46 حزبا سياسيا بينها 17 حزبا قوميا 29 حزبا إقليميا و18 حزبا تتنافس في العاصمة أديس أبابا، فيما بلغ عدد المرشحين 9505 بينهم 148 مستقلا في عدد الدوائر التي بلغت 637 دائرة انتخابية.