الكسارات تنهش سفوح جبال لبنان
مرسوم صادر عام 2002 ينظم عمل الكسارات في لبنان، وتعمل أكثر من 1300 منها في مساحة تبلغ 50 كيلومترا مربعا في أنحاء البلاد
بعد سنوات من الجهود الشاقة وتهديدات وصلت حد التلويح بالقتل، نجح عبدالله حداد أخيراً في مسعاه بصدور حكم قضائي يقضي بإغلاق الكسارات غير الشرعية في قريته "عين دارة" في لبنان، لكن انتصاره لم يدم سوى أيام قليلة.
في أحد أيام شهر يوليو/تموز، كان حداد (61 عاماً) يقف أمام جبل أنهكته الكسارات، حين تلقى الخبر السعيد، فقد أصدرت المحكمة قرارها أخيراً بإغلاق 16 كسارة من أصل 17 تنهش سفوح جبال عين دارة الواقعة بين جبل لبنان وسهل البقاع، وليس بعيداً من محمية أرز الشوف الشهيرة.
لم يطل الأمر كثيراً
وما هي سوى 5 أيام حتى عادت الشاحنات للعمل لنقل الحجارة ووصل عددها إلى 100 شاحنة يومياً، وفق "حداد" الذي ما كان منه سوى أن تقدم في الـ27 من أغسطس/آب بشكوى أمام النيابة العامة الاستئنافية للتبليغ عن "التفاف الكسارات على قرارات الختم بالشمع الأحمر".
خلال 25 عاماً، هدّمت الكسارات أكثر من مليوني متر مكعب من جبال عين دارة، وفق حداد الذي لا يتردد في أن يصف الأمر بـ"الجريمة" بحق الجبل.
ويوضح حداد أن غالبية أصحاب الكسارات "يعملون من دون ترخيص، ولديهم في أحسن الأحوال تراخيص منتهية الصلاحية أو مبنية على مستندات مزورة".
بعد سنوات أمضاها في العمل في القطاع المصرفي في فرنسا، عاد حداد إلى لبنان لينضم سريعاً إلى سكان من قريته للتصدي "للنزيف" الحاصل في جبالها.
ويقول: "بدأ تحركنا عام 2016، وخلال السنوات الـ3 الماضية قمنا باعتصامات عدة ومارسنا الضغوطات وقدمنا 6 إخبارات أمام النيابة العامة والنيابة العامة المالية".
ويوضح حداد: "تلقيت اتصالات هاتفية من مجهولين هددوني بكسر ساقاي أو حذروني بعدم الذهاب إلى عين دارة وهددوني بالقتل".
السياسيون والكسارات
وحين صدر القرار القضائي الأخير في 26 يوليو/تموز، انتشر عشرات الجنود وعناصر الأمن منذ الفجر في عين دارة، حيث عادة ما يتحدث السكان عن مسلحين يحرسون الكسارات.
وأغلقت القوى الأمنية الكسارات بالشمع الأحمر، ولكن سرعان ما "عاد معظمهم إلى العمل متجاوزين الأختام"، يقول حداد بأسف.
وشهد قطاع الكسارات في لبنان ازدهاراً بعد الحرب الأهلية (1975-1990) مع دخول البلاد مرحلة إعادة الإعمار، ويصدر لبنان سنوياً مئات آلاف الأطنان من الأسمنت.
ويُنظم مرسوم صادر عام 2002 عمل الكسارات في لبنان، وتعمل أكثر من 1300 منها في مساحة تبلغ 50 كيلومتراً مربعاً في كافة أنحاء البلاد، وفق دراسة صادرة عام 2017 عن الجيش اللبناني.
ويقر مسؤول في وزارة البيئة اللبنانية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، بأن "عدداً قليلاً منها فقط يعمل بما يتناسب مع المرسوم"، مشيراً إلى أن "تكلفة التدهور البيئي الناتج عن هذه الكسارات تصل إلى 610 ملايين دولار سنوياً".
ويخشى ناشطون اليوم من أن يزداد عدد الكسارات أكثر لاهتمام رجال أعمال في الاستثمار في إعادة الإعمار في سوريا المجاورة أو حتى العراق.
وفي محاولة منهم لمواجهة الأمر، شكل عدد منهم تحالفاً أطلقوا عليه "الائتلاف الشعبي للمقالع والكسارات في لبنان"، وينشط فيه رئيس جمعية مزارعي الزيتون في الكورة (شمال) جورج عيناتي.
ويقول عيناتي (55 عاماً) إن "مقالع التراب الأبيض أزالت وشوهت واجهات الجبال البحرية" في قريته كفرحزير ومحيطها، كما "قضت على زراعات الزيتون واللوز والتين"، ويضيف "إنها جريمة إبادة جماعية، جريمة إرهاب بيئي".
aXA6IDE4LjIyNS4xOTUuNCA= جزيرة ام اند امز