كعكعة أفغانستان على "سفرة" طالبان.. ثروة جيوسياسية تسيل "اللعاب"
وضعت أطول حرب أمريكية أوزارها، بعودة طالبان إلى الحكم بأفغانستان، في تحول دراماتيكي أسال لعاب قوى عظمى، واستدعى ترتيب أوراق دول الجوار.
فموقع أفغانستان الاستراتيجي، يجعل القوى الدولية والإقليمية، تتنافس على الاستفادة من كعكة واشنطن، التي تُركت على "سفرة" يتربع قادة طالبان على أطرافها، فيما يطمح الحكام الجدد لاعتراف عالمي، لم يحظوا به في حكمهم قبل عشرين عاما.
الصراع على التركة الأمريكية إذن، تتعدد أطرافه، واللاعب الجديد منفتح على العروض الدولية، فيما تتجرع واشنطن مُرّ "فرار الحكومة الأفغانية التي استثمرت فيها على مدى عقدين من الزمن"، كما تشير تصريحات الرئيس جو بايدن، ومسؤولي إدارته.
تنوع عرقي في جغرافيا لا تهدأ
أفغانستان التي لم تشهد أي نوع من الاستقرار منذ نشأتها إلا لفترات قصيرة، تتكون من 34 ولاية كل واحدة منها تتصرف كدولة مستقلة في معظم الأحيان.، ويتوزع السكان على 14 عرقية أكثرها البشتون الذين ينحدر منهم أغلب مقاتلي طالبان.
يلي البشتون في ترتيب الكثرة، قومية الطاجيك، فيما يشكل الأوزبك والهزارة (الشيعية)، أقليات لا يُستهان بها، لكنها لا تتجاوز 10% لكل منهما، بجانب أقليات أخرى صغيرة بينها التركمان وعرب بنحو 2.5%.
بالنسبة للدين يشكل المسلمون السُنة 84.7%، ويتقاسم الشيعة والأقليات الصغيرة التي من بينها السيخ والهندوس وغيرهم النسبة الباقية.
وعلى مرّ التاريخ دفعت أفغانستان موقعها الاستراتيجي ثمنا ضريبته الغزو العالمي لمرات؛ فهي في موقع ذا أهمية جيو-استراتيجية حسَّاس للغاية؛ إذ تقع في وسط المناطق الآسيوية الرئيسية مثل آسيا الوسطى وجنوب القارة وغربها والشرق الأقصى.
كما أن أفغانستان تتمتع في ذات الوقت بموقع جغرافي، يجعلها ممر عبور مهما، لصادرات النفط والغاز الطبيعي من وسط آسيا إلى بحر العرب.
وتجلس أفغانستان أيضا على ثروات طبيعية عديدة؛ من نفط وغاز، وأخرى منجمية كالذهب والنحاس والحديد والكوبالت والليثيوم، إضافة إلى اليورانيوم، وهي موارد قدرت مجتمعة بتريليون دولار.
ومن الجغرافيا والموارد والسكان، يأتي الواقع الحالي ومستقبل الصراع الدولي في البلاد، بعد سيطرة طالبان السريعة على الولايات الأفغانية، ودخولها كابول في عدة ساعات، بعد أن غادرها الرئيس الأفغاني أشرف غني وتخلت عنها قوات الجيش والشرطة، وفقدت الغطاء الأمريكي والغربي.
طالبان.. الوجه الجديد
أطلت طالبان من قصر الرئاسة بكابول بوجهٍ جديد، وحرصت على تغيير الصورة النمطية الشائعة عنها كحركة دينية متشددة، بإظهار نفسها كجماعة سياسية منفتحة إقليميا لإدارة الدولة.
وأمام ذلك قرأ المحللون تباينا فيما تستطيع دول الجوار الإقليمي جنيه من الوضع الجديد، فبدت باكستان المستفيد الأكبر من الانسحاب الأمريكي، حيث يعتبر البعض أن "طالبان صنيعة إسلام آباد".
المستفيد الأكبر
بذلك ستكون باكستان قادرة على زيادة نفوذها بشكل كبير، وإحكام عمقها الاستراتيجي في مواجهة الجار اللدود الهند؛ إذ ستحاول إسلام آباد إحكام السيطرة على التوتر الداخلي لأقلية البلوش وعسكر "جنجفي" وطالبان الباكستانية.
قوة الهند الناعمة
أما الهند فستواصل الاعتماد على القوى الناعمة والاقتصاد، باستثمار ما يزيد على 10 مليارات دولار، إضافة إلى مساعداتها السابقة، فيما ستعمد للاستفادة سياسيا من عدم تجانس قيادات حركة طالبان.
وعموما تنظر الذهنية الأفغانية إلى الهند، باعتبارها قوة عظمى صديقة؛ لا تهدّد مصالح بلادهم، وقادرة في الوقت نفسه على تقديم المساعدة لهم.
موقف إيران ثلاثي الأبعاد
الجار الثالث إيران سيظل في عمق أزمة أفغانستان، بتدخلات ثلاثية الأبعاد؛ من المخدرات إلى الطائفية، والعلاقات المتشابكة مع طالبان وأمراء الحرب بأفغانستان.
فإيران التي يتعاطى سكانها أعلى نسبة من المخدرات في العالم، تظل مجبرة على الاحتكاك بأفغانستان، أكبر منتج أفيون في العالم.
فيما ستمكنها الروابط الثقافية والدينية مع الأقليات هناك بأن تمارس نفوذها على المجموعات العرقية الرئيسية في أفغانستان بمن فيهم الطاجيك والهزارة.
وعلى مرّ السنوات الماضية ربطت إيران علاقات جيدة ببعض أمراء الحرب المحليين في أفغانستان، مثل أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، حليف طهران الراحل، وصلاح الدين رباني، نجل برهان الدين رباني، زعيم حزب الجمعية الإسلامية.
وفي السابق قدمت إيران الدعم العسكري لطالبان، وفتحت حدودها للفارين من قيادات "القاعدة"، ويعتقد أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في التنظيم يقبع هناك.
ومنذ ديسمبر/كانون الأول الماضي تعددت زيارات وفود طالبان إلى طهران بشكل مكثف وسبق أن امتدح المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي الحركة علانية.
وحاليا تقوم طهران بتعزيز انتشارها العسكري على الحدود الأفغانية وتدرس خيارين رئيسيين؛ إما دعم سيطرة طالبان سراً أو علناً، مع التوصل إلى اتفاقيات تكتيكية واستراتيجية مع الحركة من أجل احتواء أنشطتها، أو شن حرب بالوكالة متبعة أسلوب حزب الله في لبنان عبر لواء "فاطميون" في أفغانستان.
الصين أمام مكابح واشنطن
لن تترك الولايات المتحدة الصين مطلقة اليد في أفغانستان الجديدة، فواشنطن تكافح هيمنة خصمها الاستراتيجي على المنطقة، عبر علاقات القوة الناعمة مع أفغانستان والاستثمار في التعليم والبنية التحتية.
لكن الصين تملك خططا عظيمة في آسيا، قلبها أفغانستان، وتتمتع جغرافياً وجيو-سياسياً، ببيئة مواتية لزيادة نفوذها في أفغانستان.
وارتبطت بكين أخيراً بصفقة جديدة مع إيران، فلديها مشروع ميناء غوادار الباكستاني على بحر العرب، وأفغانستان جزء مهم في تنفيذ هذا النشاط التجاري.
فالصين تسعى إلى دمج أفغانستان ضمن "الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني" في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
ولطالما رغبت الصين في دفع استثمارات ضخمة في أفغانستان بالنظر إلى أنها تملك أكبر احتياطيات غير مستغلة على مستوى العالم من النحاس والفحم والحديد والغاز الطبيعي والكوبالت والزئبق والذهب والليثيوم والثوريوم، بقيمة إجمالية تتجاوز تريليون دولار.
روسيا واستراتيجية الترقب
هذا الحذر يتملك روسيا أيضا، لكن مع ترقب لدولة عظمى لا تملك الرغبة في التدخل العسكري المباشر في الشؤون الأفغانية، وعينها على الوقوف في وجه أية محاولات صينية للتوغّل داخل آسيا الوسطى، حيث الجمهوريات السوفيتية السابقة.
ومنذ اقتراب طالبان من السيطرة على أفغانستان، عززت موسكو نشاط القاعدة العسكرية الروسية في طاجيكستان، ووطدت قواتها في قيرغيزستان.
الموقف التركي
يختلف الموقف التركي عن الطروحات السابقة لجوار أفغانستان، فأنقرة على ارتباط مع حلف شمال الأطلسي، الذي خرج لتوه من أفغانستان، وعرض الرئيس رجب طيب أردوغان عرضا لحماية مطار كابول،تحسينا لعلاقات متوترة مع أمريكا والناتو.
أمريكا.. استراتيجية تخفيف الأعباء
لم يكن سهلا على واشنطن إنهاء وجودها في أفغانستان الذي امتد لـ 4 رؤساء أمريكيّين في عقدين، لكن خروجها المفاجئ، برأي مراقبين، كان اتباعا لاستراتيجية "تخفيف أعبائها" في منطقة الشرق الأوسط من أجل التركيز على أولويات أكثر إلحاحاً أبرزها الصعود الصيني في شرق آسيا وجنوبها، والتحدي الروسي المتمدد من الشرق الأوسط عبر المتوسط إلى أفريقيا.
لكن واشنطن لم تخرج من أفغانستان، حتى وطدت اتفاقا للسلام مع طالبان، وقعه الطرفان العام الماضي، ويقضي بتأمين الولايات المتحدة من أي خطر جديد مصدره هذا البلد الآسيوي.
القاعدة وداعش.. الخطر الماثل
لا تجتمع دول العالم على شيء أكثر من تجنيب أفغانستان أن تكون مرتعا للشبكات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة، وهو ما تجوب وفود طالبان عواصم عدة لتأكيد وعود بأن بلادهم لن تتحول من جديد مرتعاً للإرهابيين، وهذا هو الخط الأحمر للدول الأوروبية، والناتو، وواشنطن، وروسيا.
وتمدد تنظيم "داعش" إلى أفغانستان عندما كان في أوج نفوذه بسوريا والعراق بين عامي 2014 و2016، وأقام فرعاً له تحت مسمى "ولاية خراسان". لكنه انحسر، كما يبدو، بعد هزيمة "التنظيم الأم" في معاقله الأساسية.
ويرى مراقبون أن "داعش خراسان" هو نتاج محلي صرف، تمثل في انشقاقات داخلية في صفوف طالبان حيث انضم القائمون فيه إلى "داعش"، خصوصاً في شرق أفغانستان، مثل كونار وننجرهار.