فاتورة التدخل الأمريكي بأفغانستان.. تريليون دولار في الهواء
يرجع فشل الولايات المتحدة الكبير في أفغانستان إلى عدم اهتمام صانعي السياسة الأمريكيين بفهم المجتمعات المختلفة.
وفي مقال رأي لـ"جيفري ساكس"، الأستاذ بجامعة كولومبيا، في صحيفة بروجيكت سنديكيت، قال إن كل تدخل عسكري أمريكي في العالم النامي خلال السنوات الأخيرة منذ الحرب الكورية كانت له نتائج كارثية.
في الستينيات والنصف الأول من السبعينيات، حاربت الولايات المتحدة في الهند الصينية - فيتنام ولاوس وكمبوديا – لتنسحب في النهاية بهزيمة بعد عقد من المذابح البشعة.
أشار ساكس، مدير مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا ورئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، إلى أن واشنطن نصبت في نفس السنوات تقريبًا حكامًا ديكتاتوريين في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وأجزاء من أفريقيا، كان لها عواقب وخيمة استمرت عقودًا.
وأوضح أن القاسم المشترك في كل هذه الحالات من إخفاق السياسة الأمريكية هو اعتقاد مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية بأن الحل لكل تحد سياسي هو التدخل العسكري أو زعزعة الاستقرار التي تدعمها وكالة المخابرات المركزية.
هذا الاعتقاد يتحدث عن تجاهل نخبة السياسة الخارجية الأمريكية المطلق لرغبة الدول الأخرى في الهروب من الفقر المدقع. حدثت معظم التدخلات العسكرية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية في دول تكافح من أجل التغلب على الحرمان الاقتصادي الشديد.
ولكن بدلاً من تخفيف المعاناة وكسب التأييد الشعبي، تقوم الولايات المتحدة عادةً بتفجير الكمية الصغيرة من البنية التحتية التي تمتلكها البلاد، ما يدفع المهنيين المتعلمين للفرار للنجاة بحياتهم.
حجم الإنفاق الأمريكي في أفغانستان
وأشار إلى أن نظرة خاطفة على إنفاق أمريكا في أفغانستان يكشف عن غباء سياستها هناك. فوفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، استثمرت الولايات المتحدة ما يقرب من 946 مليار دولار بين عامي 2001 و2021. تم تخصيص 816 مليار دولار بالكامل، أو 86٪، للنفقات العسكرية للقوات الأمريكية.
أما نصيب الشعب الأفغاني فكان الفتات، إذ حصل الـ 130 مليار دولار المتبقية، منها 83 مليار دولار ذهبت لقوات الأمن الأفغانية. وتم إنفاق 10 مليارات دولار أخرى أو نحو ذلك على عمليات منع المخدرات، بينما تم إنفاق 15 مليار دولار على الوكالات الأمريكية العاملة في أفغانستان.
وقد ترك ذلك مبلغًا هزيلًا قدره 21 مليار دولار لتمويل "الدعم الاقتصادي". ورغم ذلك، فإن غالبية هذا المبلغ لم ينفق على من التطوير، إن وجد، على الأرض، إذ ذهبت جميعها إلى برامج "تدعم مكافحة الإرهاب. وتعزيز الاقتصادات الوطنية؛ والمساعدة في تطوير أنظمة قانونية فاعلة ومستقلة".
باختصار، فإن أقل من 2٪ من إنفاق الولايات المتحدة على أفغانستان، وربما أقل بكثير من 2٪، ذهب إلى الشعب الأفغاني في شكل بنية تحتية أساسية أو خدمات للحد من الفقر.
أشار الكاتب إلى أنه كان بإمكان الولايات المتحدة الاستثمار في المياه النظيفة والصرف الصحي، وبناء المدارس والعيادات والاتصال الرقمي والمعدات الزراعية والإرشاد وبرامج التغذية والعديد من البرامج الأخرى لانتشال البلاد من الحرمان الاقتصادي. وبدلاً من ذلك فقد خلفت وراءها بلدًا يبلغ متوسط العمر المتوقع فيه 63 عامًا، ومعدل وفيات الأمهات 638 لكل 10 ألف ولادة، ومعدل تقزم الأطفال 38٪.
وأكد على أنه ما كان ينبغي للولايات المتحدة أن تتدخل عسكريا في أفغانستان - لا في 1979 ولا في 2001، ولا خلال العشرين عاما التي تلت ذلك. ولكن بمجرد وصولها إلى هناك، كان بإمكان الولايات المتحدة، بل كان ينبغي عليها، تعزيز أفغانستان أكثر استقرارًا وازدهارًا من خلال الاستثمار في صحة الأمهات، والمدارس، والمياه الصالحة للشرب، والتغذية، وما شابه ذلك. مثل هذه الاستثمارات الإنسانية - التي يتم تمويلها في البلدان الأخرى عبر مؤسسات مثل بنك التنمية الآسيوي - كان من الممكن أن تساعد في إنهاء إراقة الدماء في أفغانستان، وفي مناطق فقيرة أخرى، مما يمنع وقوع حروب مستقبلية.
واختتم الكاتب بالقول إن الحقيقة المحزنة هي أن الطبقة السياسية الأمريكية ووسائل الإعلام تستهين بأبناء الدول الفقيرة ، حتى وهي تتدخل بلا هوادة وتهور في تلك البلدان.
في أعقاب سقوط كابول، تلقي وسائل الإعلام الجماهيرية في الولايات المتحدة، كما هو متوقع، بالمسؤولية عن فشل الولايات المتحدة في أفغانستان على الفساد غير القابل للإصلاح هناك. الواقع أن الافتقار إلى الوعي الذاتي في أمريكا مذهل. وليس مستغربا بعد إنفاق تريليونات الدولارات على الحروب في العراق وسورية وليبيا وغيرها، أن تعجز الولايات المتحدة عن إظهار أي نتيجة لجهودها سوى دماء في الرمال.