فنون الأفغان تتداعى مع سيطرة طالبان.. دفن وهروب
دفن فنان أفغاني، مدفوعا بذكريات الماضي، 15 لوحة فنية كلها أعمال حديثة تصور المرأة، في مجمع بعد ثلاثة أيام على دخول حركة طالبان العاصمة كابول.
وبالنسبة لصانعة أفلام شهيرة، فهي تحمل نفس الخوف، وقبل هروبها من البلاد، أخفت قرصا صلبا يحتوي على أكثر من 20 فيلما في مكان سري، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
كما أخفى بائع كتب مسن كل كتاب تعتبره طالبان "حراما"، وتتضمن أناجيل مترجمة إلى اللغتين الدرية والبشتوية.
وقال لـ"واشنطن بوست"، شريطة عدم كشف هويته خوفا على سلامته: "إذا وجد مقاتلو طالبان هذا، فسيعاقبونني".
وخلال العشرين عاما الماضية من الوجود الغربي، ازدهرت الفنون، والأفلام، والموسيقى، والكتب، لتساعد في تحويل كابول إلى عاصمة عالمية.
وتأثر جيل جديد من الفنانين بكثير من التقاليد والتاريخ الأفغاني بقدر ما تأثر بالمواضيع الحديثة مثل الحرب، والموسيقى الغربية، وحقوق النساء، والقمع في ظل طالبان.
وحتى الآن، لم تقرر طالبان أشكال الفن والثقافة التي ستسمح بها في أفغانستان الجديدة.
لكن يخشى كثير من الفنانين الأفغان أنهم قريبًا ما ستحكمهم نسخة متشددة تقوض المكاسب التي تمتعوا بها من حرية التعبير والأفكار على مدار العقدين الماضيين.
وقالت صانعة الأفلام صحراء كريمي: "نوع الفن الذي نؤمن أن له قيمة يعني أنه يجب أن يكون الفنانون يتمتعون بحرية التعبير عن أفكارهم، وليس في ظل ديكتاتورية أو رقابة. لن يتمكن هؤلاء الفنانون بسهولة من العمل بحرية كما اعتادوا. وقد كانوا أحرارا جدا".
وحتى مع قيام بعض الفنانين بمخاطرات كبيرة لحماية أعمالهم، هرب كثيرون من البلاد، بينما يمارس آخرون الرقابة الذاتية لتجنب غضب طالبان.
ودمر بعض الفنانين لوحاتهم أو منحوتاتهم، وأغلقت المحال التي تبيع الأدوات الموسيقية، وكذلك المعارض الفنية. وتوقفت الفرق الموسيقية الخاصة بحفلات الزفاف والمغنين عن العمل، إذ ألغت كثير من صالات الحفلات عرض الموسيقى الحية تجنبا من إغضاب طالبان. أما صناعة الأفلام الأفغانية، بالوقت الراهن، فهي ميتة.
وقال صفي الله حبيبي، مدير معهد الفنون الجميلة في كابول: "لم تصدر طالبان أي تصريحات بخصوص الفنون. لكن الفنانين أنفسهم يقيدون أنفسهم".
وتابع: يعتقدون أن طالبان ستكرر ما حدث في التسعينيات. في ذاك الوقت، لم يكن للفن مكان من حكمهم".
ومن جانبه، قال بلال كريمي، نائب المتحدث باسم طالبان، إن الحكومة المؤقتة جديدة وما زالت "تعد إطار عمل" لجميع القضايا المتعلقة بالفن والثقافة.
لكنه أضاف أن "السماح أو منع" شكل من أشكال الفن ستحكمه الشريعة الإسلامية.
وأشار كريمي إلى أن "أهل العلم سيصيغون القرارات، واضعين في الاعتبار التقاليد الدينية والوطنية والتاريخية للفن والتراث الثقافي. وما إذا كانت هذه المسائل تتماشى مع الشريعة الإسلامية أم ضدها".
ويتوقع بعض الأفغان عودة طالبان بشكل كامل إلى تعصبهم الثقافي لفترة منتصف التسعينيات، عندما جاؤوا لأول مرة إلى الحكم. وحظرت الحركة التلفزيون، والراديو، والأفلام، وغيرها من أشكال الترفيه، ووصفتها بأنها غير أخلاقية ومفسدة اجتماعيا. وصادرت شرطة الأخلاق أو حطمت أجهزة التلفزيون، ومسجلات الفيديو، والكاميرات، وأطباق الأقمار الاصطناعية، وكان المخالفون يتعرضون للضرب.
وفي 2001، خلال الشهور التي سبقت الإطاحة بهم بعد هجمات 11 سبمبر، حظرت طالبان الإنترنت.
أما اليوم فينشر عناصر الحركة حملات متطورة عبر الشبكات الاجتماعية على "تويتر" وغيرها من منصات الإنترنت الأخرى. ويجري مسؤولو طالبان حوارات تلفزيونية وعبر الراديو، ويجيبون عن الأسئلة عبر تطبيق "واتساب". وشوهد مقاتلوهم في الشوارع يحملون الهواتف الذكية، ويلتقطون صور "السيلفي" والفيديو.
ومن المؤكد أن افتقار طالبان إلى الوضوح بشأن رؤيتهم الثقافية خلق مشهدا من التعارضات في كابول. ففي بعض الأحياء، ما زالت المعارض الفنية مفتوحة، لكن قلة من العملاء يأتون بسبب الخوف والاقتصاد المنهار.
لكن يتشكك الفنانون المعروفون في كابول التسامح الظاهري لبعض من عناصر طالبان ويصفونه بالسراب. ويقولون إن المتشددين يسعون لتحسين صورتهم للحصول على اعتراف دبلوماسي، وإلغاء تجميد الأموال والمساعدات الدولية بقيمة المليارات من أجل تعزيز الاقتصاد المنهار ومواجهة الأزمة الإنسانية المنتشرة.