أفريقيا جنوب الصحراء وكورونا.. "مناعة" تتحدى الهشاشة
في حال ثبوت طرح المناعة، تكون الملاريا قدمت خدمة جليلة للقارة السمراء، واستهلكت عقارا حصّنها ضد كورونا
فجأة، امتد اللون الأحمر القاني إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، معلنا وصول وباء كورونا القاتل، وبدأ تسجيل حصيلة إصابات في منطقة تواجه تحديات جسيمة في مقدمتها هشاشة الأنظمة الصحية.
غير أن مقارنة الوضع بالمنطقة بما يحدث في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى في القسم الشمالي للقارة السمراء، يشي بأن انتشار الفيروس فيها لن يكون بذات المأساوية ببقية أرجاء العالم، وسط اعتقادات بأن الكثير من سكان المنطقة لديهم مناعة راسخة ضد تفشي الفيروس بفضل تعاطيهم في أوقات سابقة دواء الملاريا (الكلوروكين).
فهل تتفوق "مناعة" أفريقيا جنوب الصحراء-إن صحّ هذا الطرح- على الفيروس القاتل رغم هشاشة أنظمتها الصحية؟
تدابير حثيثة
مع أن بلدان المنطقة أعلنت تدابير لمواجهة الوباء المريع، إلا أن غياب التزام المواطنين بالإجراءات المفروضة، يفاقم من مخاوف حرق مراحل انتشار الفيروس، خصوصا في ظل تسجيل وفيات يخشى مراقبون أن تكون الأسوأ والأكثر حدة في العالم.
رواندا أعلنت السبت الحجر الصحي الشامل، وأغلقت حدودها ضمن تدابير وقائية تعتبر الأكثر صرامة بمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء التي سجلت حتى الآن 6 وفيات: 3 في بوركينا فاسو، وواحدة في الغابون ومثلها في كل من جزر موريس والكونغو الديمقراطية.
ورغم أن الرقم قد يبدو ضعيفا مقارنة بما تسجله أوروبا، إلا أن وتيرة تفاقم الإصابات والوفيات في أفريقيا جنوب الصحراء مرشحة لأن تكون مريعة بشكل أكبر، بالنظر للكثير من العوامل ذات صلة بطبيعة البنى التحتية بأنواعها في القارة السمراء.
العديد من بلدان المنطقة بادرت بحظر التجمعات وإغلاق المدارس، والحانات والمطاعم وفرضت القيود على السفر الجوي بشكل خاص، لكن تسارع تفشي الوباء يبدو مخيفا.
وحتى الجمعة، تم الإبلاغ عن أكثر من 500 إصابة بالوباء في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، جراء تعرض أصحابها للعدوى، وفق السلطات، بينها 200 حالة في جنوب أفريقيا، البلد الذي يستأثر بصدارة الترتيب من حيث الإصابات بالفيروس في القارة.
أما رواندا التي أعلنت السبت 17 إصابة بالفيروس، فرفعت وتيرة تدابيرها الوقائية عبر منع جميع التنقلات غير الضرورية، باستثناء تلك المخصصة للحصول على الإمدادات أو تلقي العلاج الطبي أو الذهاب إلى البنك.
وبالتزامن مع ذلك، أعلنت كيغالي أيضا إغلاق جميع حدود البلاد، باستثناء حركة البضائع والمواطنين الروانديين العائدين من الخارج.
وفي الكونغو برازافيل، تبدو الإجراءات متسارعة أيضا لمكافحة الوباء، حيث أعلنت سلطات البلاد "الإغلاق الفوري وحتى إشعار آخر لجميع الحدود "، وذلك عقب تسجيل رابع إصابة بالمرض.
فيما اضطرت كل من كوت ديفوار (ساحل العاج/ 14 حالة إصابة)، وبوركينا فاسو (40 حالة)، البلد الذي سجل أولى الوفيات جراء الوباء في أفريقيا جنوب الصحراء، إلى إغلاق حدودهما انطلاقا من نهاية الأسبوع الماضي.
وفي بوركينا فاسو الذي يعدّ 20 مليون ساكن، فرضت السلطات حظر تجوال ليلي.
إجراءات لا تقل صرامة عن تلك التي اتخذتها نيجيريا، البلد الأفريقي الذي يعدّ 200 مليون ساكن، حيث شددت السلطات تدابير الوقاية من الوباء، عبر فرض إغلاق جزئي للأماكن العامة و3 من مطاراتها (بورت هاركور/ جنوب، وكانو/ شمال، وإينوغو/ جنوب) اعتبارا من منتصف ليل السبت.
لكن أكبر مطارين في البلاد، في لاغوس العاصمة الاقتصادية وأبوجا العاصمة الفدرالية يبقيان مفتوحين مع منع دخول مواطني 15 بلدا.
واعتمدت لاغوس، المدينة النيجيرية الضخمة مترامية الأطراف، والتي تضم 20 مليون شخص، فرضت السلطات، منذ مساء الجمعة، إغلاقا "فوريا" لجميع الحانات والمطاعم والنوادي الليلية.
الملاريا.. منقذ؟
تخمينات كثيرة يرقى الكثير منها إلى خلاصات خبراء، ترجح أن كورونا لن يتمكن من سكان أفريقيا جنوب الصحراء بالشكل الذي فعله مع غيرهم، نظرا لما يتمتعون به من مناعة ناجمة عن استهلاك دواء الملاريا.
ووفق شهادات لأطباء أفارقة، فإن أعراض الملاريا وكورونا تتشابه إلى حد كبير، خصوصا فيما يتعلق بالحمى والالتهاب، وهذا ما يرجح أن يكون الكلوروكين دواء ناجعا ضد الفيروس القاتل المنتشر حاليا.
دواء استهلكه الأفارقة عبر فترات مختلفة من التاريخ، ولا يزال الكثير منهم في دول جنوب الصحراء يتعاطونه حتى الآن لمواجهة أعراض الملاريا، الفيروس المعدي والقاتل أيضا، ما يجعل مناعتهم قوية ضد كورونا كما يُعتقد.
وفي حال ثبوت هذا الطرح، تكون الملاريا التي لطالما كانت –ولا زالت- معضلة أفريقيا الأولى، قدمت خدمة جليلة للقارة السمراء، واستهلكت عقارا حصّنها ضد كورونا المريع.