أزمة المياه الجوفية في أفريقيا.. الإدارة أم الوفرة؟
فيما اختتمت فعاليات أول قمة للمناخ في أفريقيا تستضيفها العاصمة الكينية نيروبي في الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر/أيلول الجاري، خرجت دراسة حديثة تشير إلى تعرض موارد المياه الجوفية الهائلة في أفريقيا لضغوط من تغير المناخ.
وقد بحث مؤتمر المناخ الأفريقي أزمة المياه في القارة السمراء وتأثيرات تغير المناخ على ثروة القارة الطبيعية من المياه ومنها المياه الجوفية إلى جانب قضايا مناخية أخرى.
الدراسة التي نشرها مركز (The Conversation) البحثي المستقل أشارت إلى أن المياه الجوفية أفريقيا مهمة جداً؛ حيث تدعم ما يقرب من 100% من الأنشطة المنزلية والزراعية في المناطق الريفية، ولأنها تحت الأرض فهي محمية من التبخر. لذلك؛ تعتبر المياه الجوفية مورداً حاسماً في مناخ دافئ.
توفر المياه الجوفية بشكل عام ما يقرب من 50% من جميع الاستخدامات المنزلية العالمية و43% من جميع المياه المستخدمة للزراعة.
ومن الأهمية بمكان أن تعالج البلدان الأفريقية مشاكل إدارة المياه الجوفية مع تزايد الضغط على الموارد المائية للقارة، من خلال تزايد عدد السكان والتنمية وتغير أنماط الطقس.
- مستشار مؤسسة دولية لـ"العين الإخبارية": السعودية وضعت قضايا المياه على رأس الأجندة العالمية
- أمن المياه.. في مقدمة أولويات رئاسة COP28 للعمل المناخي
محاور إدارة المياه الجوفية
ترتكز إدارة المياه الجوفية بشكل عام وفي القارة الأفريقية بشكل خاص على عدة محاور:
تخصيص المياه
في بعض البلدان الأفريقية تكون المياه الجوفية مملوكة لمالك الأرض، وفي بلدان أخرى مملوكة للحكومة، ولكن بشكل عام ، يتم إدارتها بشكل سيئ في جميع أنحاء القارة، وفي كثير من الحالات لا يتم تسجيل الآبار المستخدمة لاستخراج المياه الجوفية.
ومن هنا تبدأ أزمة إدارة المياة الجوفية في أفريقيا بمعرفة ملكية المياه الجوفية كأمر مهم لإدارة هذا المورد المحدود، وبدون فهم واضح للملكية، يمكن أن يحدث الصراع.
وفيما يتعلق بالتخصيص والملكية للمياه الجوفية في أفريقيا تبدو الإدارة اللامركزية حلاً مقبولا للحفاظ على هذا المورد الطبيعي كما هو الحال في نظام القنوات في الشرق الأوسط.
هذا النظام هو عبارة عن شبكة من القنوات الجوفية التي تنقل المياه من طبقات المياه الجوفية في المرتفعات إلى السطح بمستويات منخفضة باستخدام الجاذبية، وعادة ما يديرها المجتمع المحلي ويموّل بشكل جماعي.
إعادة التغذية
المياه الجوفية في طبقات المياه الجوفية محدودة، ولكن يمكن إعادة تغذيتها بالمياه السطحية أو مياه الصرف الصحي المعالجة، كما تساعد العملية في بعض الأحيان في إزالة المواد الكيميائية الضارة لأن مادة طبقة المياه الجوفية يمكن أن تعمل كمرشح كبير جداً.
ويسلط تقرير سابق للبنك الدولي الضوء على إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية المدارة كتقنية يمكن استخدامها لإعادة تغذية طبقات المياه الجوفية؛ حيث يتم حقن المياه إما من خلال بئر أو تتسرب إلى الأرض من خلال برك التسلل أو المنخفضات التي من صنع الإنسان أو الطبيعية في الأرض والتي تسمح للمياه بالامتصاص في الأرض.
وقد مارست بلدان في الجنوب الأفريقي هذا على مدى السنوات الـ 40 الماضية.
كما يمكن أيضاً إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية بشكل طبيعي عندما تتسرب مياه الأمطار إلى عمق الأرض.
الرصد
يعد رصد طبقات المياه الجوفية أمراً حيوياً لمعرفة كمية المياه المتبقية فيها، لكن العديد من البلدان الأفريقية لديها شبكات رصد وهياكل أساسية ضعيفة، كما أن عدد نقاط الرصد في بعض البلدان آخذ في التضاؤل بسبب القيود المالية.
يمكن استخدام بيانات الأقمار الصناعية للرصد. أحد الأمثلة على ذلك هو القمر الصناعي التوأم GRACE (تجربة الجاذبية والانتعاش والمناخ) الذي قدم نظرة ثاقبة لتخزين المياه تحت السطحية على مدى السنوات الـ 20 الماضية.
وهذا يعني أنه يمكن رصد التغيرات في أحجام طبقات المياه الجوفية، ولكن على نطاق واسع جداً، من الضروري معرفة ما يحدث على الأرض، هناك حاجة إلى شبكات مراقبة محلية، مع مسجلات البيانات في آبار متعددة.
الحوافز
تلعب السياسات والحوافز دوراً رئيسياً في استخدام المياه الجوفية، وهي تؤثر على تكلفة الطاقة والاستخراج والمحاسبة العامة لموارد المياه الجوفية والأثر البيئي.
وفي السياق الأفريقي، تغيب السياسات الجيدة في بعض الأماكن، ومع ذلك هناك بعض الممارسات المجتمعية التي تساعد على حماية المورد، مثل نظام القنوات، وينبغي تشجيع هذه الأنواع من النظم وتكرارها.
النظم الإيكولوجية
تلعب النظم الإيكولوجية المعتمدة على المياه الجوفية، مثل الأراضي الرطبة، دوراً حاسماً في العديد من سبل العيش في أفريقيا وتحتاج إلى إدارة أكثر فعالية.
تستخدم هذه النظم الإيكولوجية المياه الجوفية لدعم الحياة النباتية والحيوانية وخدمات النظام الإيكولوجي، مثل المياه العذبة والهواء النقي، على مدار العام.
موارد بانتظار الإدارة
يقدر حجم المياه الجوفية الموجودة في طبقات المياه الجوفية الأفريقية بنحو 0.66 مليون كيلومتر مكعب.
وهذا أكثر من 100 ضعف موارد المياه العذبة المتجددة السنوية المخزنة في السدود والأنهار، و20 ضعف المياه العذبة المخزنة في بحيرات أفريقيا.
وتحتوي طبقات المياه الجوفية في أفريقيا على أكثر من 20 ضعف المياه المخزنة في بحيرات القارة، لكنها ليست الحل لندرة المياه.
غالباً ما تخلق اكتشافات طبقات المياه الجوفية -التكوينات الأرضية الجوفية التي تحتفظ بالمياه- إثارة حول قدرتها على تخفيف ندرة المياه في منطقة ما.
على سبيل المثال، منذ حوالي 10 سنوات، تم اكتشاف طبقة مياه جوفية كبيرة في منطقة توركانا في كينيا، هذه واحدة من أكثر المناطق سخونة وجفافا في كينيا وكثيراً ما تعاني من الجفاف.
وتقول الحكومة الكينية أن طبقة المياه الجوفية يمكن أن تزود البلاد بأكملها بالمياه لمدة 70 عاماً.
وفي الآونة الأخيرة، أعلنت الولايات المتحدة عن اكتشاف خمسة طبقات مياه جوفية في النيجر، وهي واحدة من أكثر البلدان ندرة في المياه في أفريقيا، وتحتوي على أكثر من 600 مليار متر مكعب من المياه.
ويبلغ الطلب الحالي على المياه في مصر 114 مليار متر مكعب من المياه سنوياً.
وقد اتخذت بعض البلدان الأفريقية بالفعل خطوات لا يمكن إنكارها للاستفادة من طبقات المياه الجوفية.
فعلى سبيل المثال، اضطلعت ليبيا بمشروع النهر الصناعي العظيم لأنابيب المياه على بعد مئات الكيلومترات من الحجر الرملي النوبي إلى الساحل عن طريق تدفق الجاذبية.
المياه الجوفية وتغير المناخ
بسبب تغير المناخ والطلبات المتزايدة لعدد متزايد من السكان، فإن العديد من موارد المياه السطحية في أفريقيا -مثل السدود والأنهار- تتعرض لضغوط، يتم الإفراط في استخدامها واستنفادها ببطء.
ويلزم استكشاف مصادر بديلة للمياه، مثل طبقات المياه الجوفية، استناداً إلى جيولوجيا أفريقيا.
طبقات المياه الجوفية منتشرة بشكل كبير في جميع أنحاء القارة، ومن المهم أن توضع تحديات تغير المناخ في الاعتبار حتى يمكن إدارة التوقعات، كما أنه مفيد للمخططين والحكومات؛ حيث يحتاجون إلى التفكير في طرق أخرى للتغلب على مشكلة ندرة المياه.
ولا يمكن في هذا السياق التغافل خلافاً عن التمويل وهو قضية مستقلة وكبيرة لكن هناك تحديات فنية ذات الصلة تتعلق بالإدارة السليمة والرشيدة للمياه الجوفية في القارة ومنها العمق المطلوب للتنقيب عن المياه الجوفية، والتي يمكن أن تتكبد تكاليف باهظة.
وكذلك جودة المياه في طبقة المياه الجوفية وهي ليست جيدة دائماً، ففي بعض الأحيان يكون ملوثاً بالنشاط البشري، وفي أحيان أخرى يأخذ الماء خصائص المواد المحيطة في الأرض.
كما أصبح الإفراط في الضخ شائعاً في مناطق معينة، وخاصة المدن.
وعلى سبيل المثال، أبلغت كيب تاون ونيروبي عن مئات نقاط الآبار التي يتم حفرها ليستخدمها السكان، وتم الإبلاغ عن حالات جفاف الآبار وانخفاض مستويات المياه بسرعة في بعض الأماكن.
ويمكن أن يؤثر النشاط الصناعي والزراعة والتسربات الكيميائية أيضاً على جودة المياه الجوفية.
وعلى الرغم من هذه الشواغل، فإن طبقات المياه الجوفية لديها القدرة على توفير بعض المياه في جميع أنحاء أفريقيا تقريباً.
المياه الجوفية هي جزء من الحل لندرة المياه، ولكن ليس الحل بأكمله، ويجب استخدامه بطريقة تبقيه متاحاً لفترة طويلة في المستقبل.
وفي هذا السياق، يقول فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يشكل نقص المياه تحدياً خطيراً للحياة وسبل العيش؛ حيث يتنافس القطاع الزراعي والمراكز الحضرية على هذا المورد الطبيعي الثمين وأنظمة توزيعه".
وأضاف بلحاج "هناك حاجة إلى نهج جديد لمواجهة هذا التحدي، بما في ذلك تفويض المزيد من التحكّم للسلطات المحلية في كيفية إدارة توزيع المياه".