الوجهة الأولى في أفريقيا.. كيف يوازن المغرب بين السياحة الكثيفة وأصالته؟

من أسواق مراكش المفعمة بالألوان والروائح، إلى سواحل أغادير المشرقة، وصولا إلى أزقة الشاون الزرقاء وقمم الأطلس المكللة بالثلوج… يتألق المغرب كأولى الوجهات السياحية في أفريقيا.
لكن وراء هذا النجاح الكبير، يلوح سؤال مصيري: كيف يمكن للمغرب أن تحافظ على أصالتها وسحرها وسط اندفاع موجات السياحة الجماعية؟ الجواب قد يكمن في مزيج فريد من الانفتاح والحفاظ على الجوهر، ومن الحراك الصاخب إلى الهدوء الجبلي، بحسب موقع السياحة والسفر الفرنسي " "Ulysse.
المغرب… توازن بين الجاذبية العالمية وحماية الروح المحلية
تظل مراكش بطاقة بريدية حية، فبين جدران بلون الطين المشتعل بالشمس، أسواق تغمرها روائح الأركان والبرتقال المر، ومقاهٍ ذات إطلالة على مسرح جامع الفنا.
أما أغادير، فتلبس حلّة المنتجعات الشاطئية العصرية، بين الفنادق الفاخرة والشواطئ الممتدة على أطراف الأطلسي.
وفاس، بأسلوبها الخاص، تغوص بك في أجواء العصور الوسطى، من خلال مدينتها العتيقة المصنفة لدى اليونسكو وحرفييها المهرة.
لكن لهذا الجذب وجه آخر، وهو ارتفاع الأسعار، ضغط الزحام، وتراجع المساحات الهادئة. هذه المدن باتت تواجه خطر فقدان الصلة الحقيقية بين الزائر وأهل المكان، ما يدفع الباحثين عن تجربة أصيلة للابتعاد نحو طرق أقل ازدحاماً.
من الصخب إلى السكون: المغرب الجبلي
خارج المحاور السياحية الكبرى، يكشف المغرب عن وجه آخر أكثر هدوءاً. وفي جبال الريف، تحتضن شفشاون بأزقتها الزرقاء مسارات جبلية تمر عبر بساتين الزيتون وجداول المياه النقية.
وفي الأطلس الكبير، تمتد واحات وادي أوريكة الخضراء أسفل قمم تتزين بالثلوج شتاءً.
هنا، الإقامة بسيطة، الترحيب صادق، والأسعار أهدأ بكثير. وجبة كسكس منزلية، شاي بالنعناع، وأحاديث مع السكان، كلها تشكل جزءاً من التجربة. الرحلات الجبلية تمر بقرى معلقة وحقول مدرجة، وسط هدوء لا يكسره إلا صوت أجراس الماشية.
وهذه المناطق، رغم بعدها عن مراكز القرار، قد تكون مفتاح إعادة صياغة نموذج السياحة المغربي، بالاعتماد على الجودة والهوية بدل الكثرة العددية.
الوصول إلى المغرب والسفر بطرق مختلفة
من باريس وليون ومرسيليا، توفر الرحلات الجوية المباشرة إلى مراكش أو الدار البيضاء أو أغادير خياراً سريعاً بأسعار تبدأ من 80 يورو ذهاباً وإياباً خارج الموسم.
القطارات، بما فيها TGV البُراق، تربط المدن الكبرى بكفاءة وسعر مناسب (حوالي 15 يورو بين مراكش والدار البيضاء بالدرجة الثانية).
لكن التجربة الأجمل تبدأ حين تغادر الطرق المألوفة: استئجار سيارة لاكتشاف الوديان والقرى الجبلية، وركوب "التاكسي الكبير" للوصول إلى بلدات نائية، والاستعانة بمرشد محلي لخوض رحلات سير على الأقدام. هكذا يصبح التباين بين صخب المدن وهدوء الجبال تكاملاً بدلاً من تناقض.
أرقام قياسية وتحديات مستقبلية
مع 17.4 مليون زائر في 2024، و8.9 مليون في النصف الأول من 2025، يتقدم المغرب بثبات في قائمة الوجهات العالمية. لكن السياحة الجماعية تحمل مخاطر حقيقية: تآكل المواقع التراثية، ضغط على الموارد، وتوحيد التجارب على حساب التنوع.
الحل قد يكون في التوزيع المتوازن للتدفق السياحي، وتطوير السياحة البيئية والثقافية، ودعم المبادرات المحلية مثل: مسارات ثقافية في المناطق الريفية، وإقامات صديقة للبيئة، ومهرجانات في المدن الصغيرة، وتعزيز السياحة التضامنية.
سحر لا يُقاس بالصور فقط
المغرب لا يحتاج إلى تغيير ملامحه ليبقى جذاباً، بل إلى نفس جديد يحافظ على روحه للأجيال القادمة. فالقيمة الحقيقية للرحلة ليست في عدد الصور الملتقطة، بل في اللحظات التي تُعاش، والقصص التي تروى، والمناظر التي تبقى محفورة في الذاكرة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز