«النووي الأفريقي».. أحلام القارة السمراء تتحول إلى واقع
على مسار التحول الطاقوي العادل حول العالم، يزداد الحلم الأفريقي بامتلاك محطات لإنتاج الطاقة النووية على أراضي دول القارة السمراء، بزوغاً، مما يسرّع الانتقال إلى المستقبل النظيف والمستدام.
جنوب أفريقيا تدير محطة الطاقة النووية الوحيدة في القارة السمراء، كما تتطلع إلى زيادة الإنتاج بمقدار ألفين و500 ميغاواط لحلّ أزمة انقطاع الكهرباء المتفاقمة هناك.
وتطور مصر بالشراكة مع روسيا، محطة الضبعة النووية التي شهدت في يناير/كانون الثاني 2024 بدء صب الخرسانة بقاعدة الوحدة الرابع بحضور الرئيسين عبدالفتاح السيسي وفلاديمير بوتين.
تنويع مصادر الطاقة.. وتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء
هناك اهتمام متزايد بإنشاء محطات للطاقة النووية في أفريقيا، حيث أعربت عدة دول عن رغبتها في الحصول على تكنولوجيا الطاقة هذه.
وتشمل هذه الدول زامبيا وكينيا والمغرب والجزائر وبوروندي والسودان وغانا وبوركينا فاسو وإثيوبيا وتونس وأوغندا وناميبيا ونيجيريا ورواندا، وهي تتميز بمشروعها الطموح لدمج الطاقة النووية في مزيج الطاقة لديها.
ويعكس هذا الاتجاه، الذي يدعمه إلى حد كبير لاعبون رئيسيون مثل روسيا، رغبة جماعية في تنويع مصادر الطاقة وتلبية الاحتياجات المتزايدة من الكهرباء، مع تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ويبشر هذا التوسع المحتمل لمحطات الطاقة النووية في أفريقيا بتعزيز التنمية الاقتصادية وفتح فرص جديدة في مجال أمن الطاقة للمنطقة.
وتعكس هذه المبادرة الوعي المتزايد بأهمية الطاقة البديلة والمستدامة في سياق عالمي متغير، مما يضع هذه الدول الأفريقية في طليعة تحول الطاقة.
- ربط المحطة الـ4 من «محطات براكة النووية» بشبكة كهرباء دولة الإمارات
- آسيا تقود العالم نحو الطاقة النظيفة.. مركز رائد لنمو القدرات النووية
أول محطة بغرب أفريقيا.. على أراضي غانا
تقترب أول محطة طاقة نووية في إحدى دول غرب أفريقيا من أن تصبح حقيقة واقعة أخيراً، منذ بزوغ الحلم في ستينيات القرن الماضي.
وتعدّ غانا إحدى دول أفريقيا التي يعاني فيها أكثر من 600 مليون نسمة من الحرمان من الكهرباء. لذلك؛ جاءت فكرة إنشاء أول محطة نووية لسدّ الفجوات بين العرض والطلب باستعمال قدرات المفاعلات النووية.
لقد بدأ الحلم النووي للدولة الواقعة في غرب القارة السمراء في ستينيات القرن الماضي، لكن انقلابًا على الحكم أحبطه، ثم عاد للحياة في عام 2006 بمساعدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أعقاب أزمة كهرباء مدمرة.
وكانت 16 شركة قد استجابت لطلب الحكومة للمشاركة، وقلّص فريق فني، يضم أجهزة حكومية على رأسها وزارة الطاقة، العدد إلى الـ5 شركات المذكورة.
وقال مسؤول بوزارة الطاقة، إن الحكومة وفّرت موقعًا لبناء المشروع قادرًا على استيعاب ما يصل إلى 5 مفاعلات نووية، بحسب تقرير لوكالة "رويترز".
وتفضل الحكومة اتفاقاً للبناء والامتلاك والتشغيل والنقل، مع إفساح المجال للشركات المحلية لحيازة الأسهم.
وتستهدف غانا -التي تعاني من أزمة انقطاع التيار- زيادة مساهمة الطاقة النووية في مزيج الكهرباء إلى نحو ألف ميغاواط بحلول عام 2034.
وتصل القدرات المركبة للكهرباء في غانا حاليًا إلى 5 آلاف و454 ميغاواط، منها 4 آلاف و483 ميغاواط قيد التشغيل.
وتتوقع غانا أن تصبح الطاقة النووية المصدر الرئيس للكهرباء من أجل زيادة الصادرات إلى بنين وساحل العاج وتوغو ودول أخرى من خلال تجمع كهرباء غرب أفريقيا (WAPP).
وقال المسؤول، إن بلاده ستختار في شهر ديسمبر/كانون الأول 2024 الشركة أو الشركات المطورة لأول محطة طاقة نووية هناك.
وتتنافس شركات عالمية للفوز بالعقد، وهي شركة "إي دي إف" الفرنسية (EDF) ونوسكيل باور (NuScale Power) و"ريغنوم تكنولوجي غروب" الأميركيتان (Regnum Technology Group)، بحسب منصة "طاقة" الأمريكية المتخصصة في أسواق الطاقة.
كما تضم قائمة المنافسين المؤسسة الوطنية النووية الصينية وشركة كيبكو الكورية الجنوبية (Kepco) وشركتها التابعة "كوريا هيدور هيدرو نيوكلير باور كوربوريشن" وشركة روساتوم الروسية (ROSATOM).
ويقول نائب مدير قسم الطاقة النووية والبديلة في وزارة الطاقة روبرت سوغبادجي، إنّ عقد تطوير المحطة النووية الأولى في غانا سيمتد على مدار العقد المقبل.
وسيوافق مجلس الوزراء على الاختيار النهائي للمطور، الذي ربما يكون منفردًا، أو اثنين، بناءً على النموذج المالي والتفاصيل الفنية.
الطاقة النووية.. ملاذ جنوب أفريقيا لتجاوز أزمة الكهرباء
بدورهم، يسعى علماء نوويون في جنوب أفريقيا لبناء جيل جديد من المفاعلات الصغيرة لسد فجوات قطاع الكهرباء في البلاد التي تعاني انقطاعات متكررة للتيار، ولإنشاء قطاع تصديري في المستقبل.
وقد صممت إحدى الشركات مفاعلاً معيارياً صغيراً مبرداً بالغاز تقول "إنه يمكن بناؤه في غضون ثلاثة أعوام في موقع أقل مساحة من ملعب كرة قدم، ويمكنه أن يولد طاقة كهربائية تكفي لإنارة مدينة".
ستعتمد جنوب أفريقيا على الفحم لمرحلة معينة، لكن مع النقص الحالي في توليد الكهرباء، تراهن على برنامجها النووي الخاص.
يعتقد خبراء على غرار كيلفن كيم، عالم الفيزياء النووية والرئيس التنفيذي لشركة ستراتيك غلوبال ومقرها في بريتوريا، أن جنوب أفريقيا قادرة على أخذ زمام المبادرة في تطوير مفاعلات الجيل الرابع.
الرحلة النووية المدنية لجنوب أفريقيا انطلقت في عام 1976 عندما بدأ بناء محطة كويبرغ للطاقة النووية على الساحل الجنوبي للمحيط الأطلسي شمال كيب تاون.
وبدأ تشغيله قبل 40 عاما وقدرته الإنتاجية أقل من ألفي ميغاواط، علما بأن إنتاج هذه المحطة لا يشكل سوى جزء ضئيل مما تولده شركة إيسكوم الحكومية لتوليد الكهرباء، المعرضة لكثير من الانتقادات والبالغة قدرتها الإنتاجية 27 ألف ميغاواط، تعتمد في توليدها بشكل كبير على الفحم كثيف الانبعاثات.
لكن الطلب المحلي على الكهرباء غالباً ما يتخطى 32 ألف ميغاواط، ما يعرض سكان البلاد لانقطاعات متكررة للتيار أو "تقنين" يصل إلى 12 ساعة في اليوم، مع ما يرتبه ذلك من عبء ثقيل على الاقتصاد في بلد يفترض أن يكون بين الأقوى في القارة.
في ديسمبر/كانون الأول، أعلنت الحكومة أنها تعتزم وضع المجموعة الأولى من محطاتها النووية في الخدمة بحلول عام 2033، بما يعزز القدرة الإنتاجية بـ2500 ميغاواط، مع سعيها لتجديد محطة كويبرغ وإطالة عمرها الإنتاجي 20 عاما.
لكن حتى مع تزايد اعتماد المنازل والمباني على الألواح الشمسية، لا تزال البلاد تواجه شحاً في الطاقة على المدى المتوسط. هنا يأتي دور مشاريع المفاعلات المعيارية الصغيرة التي يتحدث عنها كيم وغيره من العلماء النوويين.
المحطات الكبرى على غرار كويبرغ ذات المفاعلين العاملين بالماء المضغوط والمصممين في فرنسا، يجب أن تكون مبنية على سواحل المحيط لإتاحة ضخ 80 طناً من المياه الباردة في الثانية لتبريد مفاعلاتها.
لكن أغلبية أراضي جنوب أفريقيا بعيدة من المياه، كما أن جوهانسبرج، أكبر مراكزها التجارية، وأكبر مناجمها وصناعتها بعيدة من البحر.
كذلك الأمر بالنسبة إلى العاصمة بريتوريا التي تبعد من سواحل كيب تاون المطلة على الأطلسي مسافة تعادل تلك التي بين روما ولندن.
حلم الضبعة النووي المصري.. واقع بحلول 2028
فيما يمثل تنفيذ مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية تتويجاً لسنوات عديدة من الجهود المصرية لإدخال الطاقة النووية إلى مصر؛ حيث تعود خطط إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية إلى أواخر السبعينيات، عندما بدأت إجراءات اختيار الموقع، إلى أن وقعت مصر وروسيا عقود المحطة في ديسمبر/كانون الأول 2017 بتكلفة 28.5 مليار دولار، وشملت الاتفاق على الدعم التشغيلي للمحطة لـ10 سنوات، وإمدادات الوقود لـ60 عاما من قبل شركة "روساتوم" الروسية الحكومية.
ويتم تمويل المشروع عن طريق قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار، حصلت عليه مصر لإنشاء المحطة النووية، ويبلغ أجله 22 عاما بفائدة 3% سنويا على أن يبدأ سداد أول قسط عام 2029.
ويهدف مشروع الضبعة للطاقة النووية إلى بناء أربع وحدات من مفاعلات الماء المضغوط PWR من الطراز الروسي VVER-1200 (AES-2006)، وتعتبر مفاعلات الماء المضغوط التي تم اختيارها هي أكثر أنواع المفاعلات شيوعًا في جميع أنحاء العالم.
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وقعت مصر وروسيا اتفاقية حكومية (دخلت حيز التنفيذ في 13 يناير/كانون الثاني 2016)، نصت على بناء أربع وحدات طاقة بقدرة 1200 ميغاواط لكل منها (مفاعلات "في في يه ار" من الجيل الثالث).
وتعتزم الحكومة المصرية بدء التشغيل التجريبي للمفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية خلال النصف الثاني 2027.
ومن المقرر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم المفاعلات الأخرى تباعاً. وسيوفر مشروع محطة الضبعة النووية بين 7.2 و7.7 مليار متر مكعب غاز سنويا عقب تشغيل كامل وحدات المحطة النووية.
تقع المحطة النووية في مدينة الضبعة التابعة لمحافظة مطروح (شمال غرب) على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة. وتقام على مساحة 45 كيلومترا مربعا بطول 15 كيلومترا على الساحل الشمالي وبعمق 5 كيلومترات، في منطقة تمتاز بنشاط زلزالي إقليمي منخفض وإمدادات كافية من مياه التبريد (البحر المتوسط).
وتعد محطة الضبعة النووية أحد عناصر تحقيق استراتيجية التنمية المستدامة في مصر (رؤية 2030)، وتسعى من خلالها القاهرة إلى إدخال الطاقة النووية بنسبة 3% في مصادر الطاقة لعام 2035، إلى جانب 42% من مصادر الطاقة المتجددة (رياح/شمسية/مائية) مقارنة بـ20% عام 2022؛ وذلك وفقاً لاستراتيجية الطاقة في مصر 2035، المعتمدة عام 2016.