الإرهاب يتجدد بساحل أفريقيا.. هذا ما يقوله التوقيت والسياق
رمال متحركة في مالي وبوركينا فاسو عجلت بعودة الهجمات الإرهابية لمنطقة تعج بالثغرات ما ينذر بتفجير «ألغام» راكمتها الأزمات.
فبعد فترة من السكون، تتجدد الهجمات بعدما تمكن جيشا البلدين من إحداث سيطرة ملحوظة على الأوضاع الأمنية، ما ينذر بخطر كبير على منطقة الساحل الأفريقي.
وبعطلة نهاية الأسبوع الماضي، كثفت مجموعة مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة هجماتها بالبلدين، وكبدت جيشيها خسائر وصفتها مصادر أمنية بالفادحة.
وذكرت مصادر أمنية عديدة أن هجمات نفذها مسلحون من «جبهة تحرير ماسينا»، وهي مجموعة مسلحة منخرطة في جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي تمثلُ تنظيم القاعدة.
وتتمركز الجماعة بشكل أساسي في وسط مالي وشمال بوركينا فاسو.
كما شن مسلحو الجبهة الإرهابية، فجر الأحد، هجوماً على ثكنة تابعة للجيش المالي في منطقة الملكة (شمال غرب)، القريبة جداً من الحدود مع موريتانيا، وزعم مقربون من الجبهة الإرهابية أنهم كبدوا الجيش المالي خسائر بشرية، كما استولوا على الكثير من الأسلحة والذخائر.
محاولة سيطرة
تأتي هذه الهجمات بعد فترة طويلة من السكون الملحوظ، حاولت فيها جيوش دول الساحل الأفريقي (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) إثبات سيطرتها على أراضيهم وفرض الأمن والاستقرار.
حدث ذلك بعد الانقلابات العسكرية المتتالية في الدول الثلاث بالسنوات الأخيرة، والتي أسفرت عن طرد القوات الأمريكية والفرنسية من أراضيهم، ما عرضهم لمواجهة مباشرة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والمجموعة الغربية بقيادة فرنسا.
ولتحمي البلدان الثلاثة نفسها، شكلت تحالفا أمنيا واقتصاديا ضمن كونفيدرالية مشتركة، وعززت ذلك بتحالف آخر مع روسيا لسد الفراغ الغربي.
وأثارت عودة الهجمات الإرهابية من جديد التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى ذلك، ومآلات هذه الهجمات على البلدين ومنطقة غرب أفريقيا.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ "العين الإخبارية"، فإن ما تقدم يعود إلى محاولة استغلال ضعف جيوش المنطقة في سد الفراغ الأمني الذي تركته القوات الفرنسية والأمريكية بعد خروجهما من البلاد.
«إخضاع مالي»
من جانبه، يعتبر الكاتب الصحفي المالي درامي عبدالله أن الاشتباكات الدموية التي شهدتها المناطق الحدودية بين مالي والجزائر، «ترتب لتغييرات تضطر على أثرها باماكو تقبيل الأيدي الملطخة».
وقال عبدالله إن «الهدف من هذه الهجمات هو أن تقبل مالي على غير قناعة بالقواعد الجديدة للمسرحية الدولية التي أصبحت دول المثلث الساحلي خشبتها المفضلة».
وأضاف أن ما سماها «الإمبريالية الدولية لم تتمكن إلى حد الساعة من استساغة خروج الساحل من قبضة فرنسا وحليفاتها».
ولفت الكاتب الصحفي المالي إلى أن الحكومات العسكرية في الساحل لم تتفاجأ بالعمليات ولا بتوقيتها، مشيرا إلى أنها منذ اللحظة الأولى من وصول القصر عرفت مقاييس درجات الغضب الدولي عليها.
واعتبر أن «محاولة الانقضاض على مدينة تنزاواتن في شمالي مالي فضحت مدعي الديمقراطية»، وقال إن «سكوتهم أمام الحماقة الأوكرانية في هذه المنطقة (في إشارة لمساعدة أوكرانيا للجماعات الانفصالية الأزوادية بالبلاد) بوصلة حددت شعوب المنطقة».
وبحسب الخبير، فإن «التجاهل التدريجي مؤخرا لما يحدث يعطي انطباعا بأن الأمور تجري عكس الإرادة الغربية»، مؤكدا أن السبب الوحيد الكامن وراء كل هذه المؤامرات هو «خنق الإرادة الشعبية الساحلية وإرجاء الثورة إلى نقطة البداية».
خلط أوراق وفراغ أمني
في المقابل، رأى بكاي أغ أحمد، العضو المؤسس في «الحركة الوطنية للأزواد»، أن هناك «تسليحا غير مباشر للجماعات الإرهابية بالمنطقة».
وقال أغ أحمد: «لم نشهد ضحايا و لا أسرى، بل رأينا سيارات و ذخائِر، لتهيئة الدور لهذه الجماعات لتولي مسؤولية حماية الأمن القومي لهذه الدول من خطر هجوم الحركات الأزوادية».
ولفت إلى أن «تنظيم القاعدة يسجل حضورا فقط وليس هدفه تحرير مالي ولا أزواد»، معتبرا أن «ما يحدث هو خلق بلبلة و خلط الأوراق وتشويه لنضال الشعب الأزَوَادِي».
من جهته، رأى عبد الله إمباتي، الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في غرب أفريقيا، أن تنظيمي القاعدة وداعش في منطقة الساحل مختلفان من حيث الهيكل والأيدلوجية المتبعة في حربه ضد هذه الحكومات.
وقال إمباتي إن «تنظيم القاعدة في دول الساحل هو في الأصل عبارة عن مجموعات صغيرة بايعت قيادة تنظيم القاعدة»، مبينا أنها موجودة في منطقة الساحل في شكل تحالف يسمى «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين».
وفي الداخل عبارة عن مجموعات منها «حركة تحرير ماسينا» ومجموعة موجودة في تمبكتو (شمال)، وفق الخبير الذي ربط إعادة هذه الهجمات بخروج الأمريكيين والفرنسيين.
وأشار إلى أن «القوات الفرنسية والأمريكية تمكنت- استخباراتيا- من إضعاف شوكة القاعدة في منطقة الساحل»، مضيفا أن هجماتهم في وجود هذه القوات تكاد لا تكون معلومة.
ومن وجهة نظره، فإن «هذه الحركات الصغيرة المنضوية تحت تنظيم القاعدة أصبحت تجد حرية في تنفيذ هجماتها بعد خروج القوات الأمريكية والفرنسية».
حصاد
بحسب الكاتب الصحفي الموريتاني، فإن «جيوش الدول الثلاثة ضعيفة، وأنها كانت تعتمد على أمريكا وفرنسا بشكل كبير جدا».
ولفت إلى أنه «اتضح أن هذه الدول لا تستطيع بمفردها محاربة الإرهاب، في ظل غياب الخبرة المتراكمة للقوات الفرنسية والأمريكية في محاربة هذه الجماعات والتي قامت في الماضي بتصفية العديد من قادتها وقطع خطوط الإمداد إليها».
وحمل الخبير قادة الدول الثلاث المسؤولية الكاملة لهذا التدهور الأمني.
أما محمد تورشين، الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، فاعتبر أن عودة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي تبعث رسائل للحكومات بأن هذه التنظيمات عادت بشدة لاستئناف أنشطتها.
ورجح تورشين أن تكون هذه الجماعات استغلت -بشكل أو بآخر- ضعف إمكانيات الجيوش في تلك المنطقة، والفراغ الأمني الذي حدث إبان خروج القوى العسكرية الفرنسية والأمريكية التي كانت تقوم بأعمال مهمة في الساحل.
كما رجح أيضا أن يكون الفراغ الأمني الذي تركته القوات الغربية كان من الأسباب التي أسفرت عن مواصلة هذه الهجمات، لافتا إلى أن التوقيت يرجع إلى محاولة سد الفراغ مع دول أخرى مثل تركيا وروسيا إيران وغيرها.
واعتبر أن هذه الجماعات الإرهابية استغلت -قبل أن تترسخ هذه العلاقات مع الدول الجديدة- هذا الظرف المهم من أجل استئناف أنشطتها ومحاولة بعث رسائل سياسية وعسكرية، في ظل انشغال الحكومة المالية بخلافاتها مع مجموعات الأزواد الانفصالية.
aXA6IDE4LjExOS4xOTIuMiA= جزيرة ام اند امز