"وعي مصر" تفنّد لـ"العين الإخبارية" أكاذيب تزوير حضارة مصر القديمة
تصاعدت مؤخرا النبرة الهجومية ضد الحضارة المصرية القديمة بقيادة "الأفروسينتريك"، التي تفننت في محاولة إثبات اغتصاب المصريين لأرض "كيميت".
لم تسلم أي حضارة قديمة من محاولات السرقة والتزوير، بما في ذلك الحضارة المصرية القديمة، التي تشهد هجمة شرسة من أصحاب البشرة السوداء، الذين ينتمون إلى ما يعرف باسم (المركزية الأفريقية)؛ في محاولة لإثبات أحقيتهم في أجدادهم الفراعنة وبالتبعية آثارهم وأمجادهم.
ومع علو نبرة الهجوم، حاول مجموعة من الشباب المصري التصدي لأكاذيب "الأفروسينتريك"، ودشنوا حملة بعنوان "حضارتنا ليست للسرقة" من خلال منصة "وعي مصر" ترد بالأدلة العلمية على محاولة سرقة التاريخ المصري القديم.
"العين الإخبارية" أجرت حوارا مع أحد أعضاء منصة "وعي مصر"، زياد زين، تحدث خلاله عن ماهية "الأفروسينتريك" وادعاءاتها استنادا لأبرز الأبحاث الجينية العالمية التي تحدثت عن أصول المصريين، وأقوال علماء الأثار البارزين في هذا الشأن.
وفيما يلي نص الحوار:
لمن لا يعرف، ما هي المركزية الأفريقية "الأفروسينتريك"؟
الأفروسينتريك Afrocentric، هي أيديولجية ومنظمة عالمية تتمركز في الولايات المتحدة دشنت على أيدي الأفرو-أمريكان، وأصبح لديها انتشار واسع بين الجاليات الأفريقية في الولايات المتحدة وأوروبا، فضلا عن الأقليات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
ظهور هذه الحركة بدأ في عشرينات وثلاثينيات القرن الماضي، لكن انتشارها تضاعف في السبعينات والثمانينات تحديدا، ومن أشهر المتحدثين باسمها Molefi Asante والسنغالي Anta Diop .
وبشكل عام، هي حركة عالمية تتمحور حول التعصب العرقي لأصحاب البشرة السوداء، حيث ظهرت في البداية بدعوى الإعلاء من شأن الثقافة الأفريقية وحمايتها من التزوير لاعتقاده بأن هناك من عبث بسرد التاريخ العالمي ما نتج عنه تهميشهم.
وبالفعل، بدأوا في البحث عن أي صلة تربطهم بالحضارات القديمة ونسب كل إنجاز بشري في أفريقيا لمن ينحدرون من أصول أفريقية ويتمتعون بالبشرة السمراء فقط لا غير.
حاليا من أهم أهدافهم القضاء على الجنس الأبيض في أفريقيا، خصوصا الأمازيغ والناطقين بالعربية والأفريكناس (الأوروبيون في جنوب أفريقيا).
لذا علت الأصوات التي تروج لمقولة أن الحضارات المصرية القديمة والمغربية والقرطاجية هي حضارات سوداء، والادعاء أن السكان الأصليين لشمال أفريقيا هم أصحاب البشرة السمراء فقط، على حد تعبير الأفروسينتريك.
كيف يروجون لهذه الفكرة المغلوطة؟
من خلال نشر مقالات تعتمد على تحريف المصادر العلمية وتزوير نتائجها لخدمة أهدافهم، فضلا عن توظيف السوشيال ميديا للترويج لأفكارهم عبر منشورات مغلوطة.
أيضا هناك آلاف المواقع عبر الإنترنت تتبنى أيديولوجية "المركزية الأفريقية"، ومن أشهرها موقعا Pinterest وReddit حيث تنشر عبرها صورا غير حقيقية عن رموز الحضارة المصرية.
على سبيل المثال، يتم تلوين ملوك أو آثار مصر الشهيرة باللون الأسود باعتبار أن من دشن هذه الحضارة هم الأفارقة السود فقط وهذا غير حقيقي.
إلى جانب التلاعب بـ"الهالوجروب"، وهي التقنية المسؤولة عن معرفة الأعراق الخاصة بالبشر عبر استخدام DNA، حيث تم استغلالها لدعم أجندتهم من خلال التزوير الإحصائي لدراسة عرق معين في منطقة ما.
مثلا يتم إجراء بحث على منطقة معينة ذات خصوصية عرقية ثم تعميم نتائجها على كل أنحاء مصر، ولم تسلم نتائج دراسات تحاليل الحمض النووي "الهالوجروب" لسكان الشمال الأفريقي I E-Y DNA من تحريفهم.
ماذا عن ادعاءات الأفروسينترك لتزوير الحضارة المصرية؟
رؤية المركزية الأفريقية للحضارة الفرعونية تتلخص في اعتقادهم أن ملوك كيميت (مصر القديمة) والشعب المصري آنذاك ينحدرون من أصول أفريقية تحديدًا "كوش".
فمثلا يزعمون أن ملوك وملكات الفراعنة ذو ملامح أفريقية وبشرة سوداء، مثل الملكة تي زوجة امنحتب الثالث في الأسرة الـ١٨، وإختاتون ونفرتيتي وتوت عنخ آمون والملك سنوسرت وغيرهم.
هم يرون أيضا أن المصريين الحاليين لا علاقة لهم بالمصريين القدماء، لأن المصري القديم هاجر للجنوب تدريجيًا بعد دخول العرب إلى مصر ومن قبلهم الرومان، وفقا لرؤيتهم.
وترى الأفروسينتريك أن من ينتمي لمصر حاليا هم خليط من جنسيات كثيرة لا تمت بصلة للعرق المصري القديم، بل ويصفون السكان الحاليين بأنهم "عرب غزو مصر واستوطنوها".
كما يزعم أعضاء "الأفروسينترك" أن علماء "علم المصريات" يلونون المقابر حاليا باللون الأبيض بهدف تزوير التاريخ، فضلا عن ادعائهم أن علماء المصريات يكسرون أنوف التماثيل الفرعونية لإخفاء ملامح الأنف الأفريقي، وهذا كله محض هراء.
بل وصل الأمر للساحة القضاء، إذ رفع أعضاء الحملة قضايا ضد مصر لمنعها من التنقيب عن الآثار بدعوى أنها ملكهم.
هل هناك أدوات أخرى توظفها الأفروسنتريك لنشر أكاذيبها؟
بالتأكيد، الفن والإعلام من أهم الأدوات الخطيرة التي يستغلها أعضاء ومناصرو المركزية الأفريقية لنشر أكاذيبهم وتحريف التاريخ، مثلا سنجد أغنيات مثل Dark Horse للعالمية كاتي بيري وRemember the time لمايكل جاكسون تجسد أفكارهم.
أيضا هناك تصريح لمخرج فيلم Gods of Egypt يعتذر فيه عن عدم وجود طاقم أسود البشرة خلال أحداث العمل، إيمانا برؤية الأفروسينتريك لمصر القديمة.
واعتنق فكرهم العديد من المشاهير العالميين الذين يستخدمون شهرتهم في نشر أفكار الأفروسينتريك ودعمها بشتى الطرق، مثل الفنان كيڤن هارت الذي قدم دعما ماليا للحركة وأبدى دعمه بعمل كارتون للأطفال تعرفهم بأصولهم المصرية عبر إحدى الشركات التي يملكها.
ومن المشاهير الذين يعتنقون أفكار "المركزية الأفريقية" ويرون أن الحضارة المصرية القديمة تنتمي لهم ولكل من يملك بشرة سوداء، المغنية ريهانا Rihanna والمغني Lil Nas X وعارضة الازياء ناعومي كامبل Naomi Campbell، ورئيس الكونغو فليكس تشيسكيدي، الذي سبق وقال خلال زيارته لمصر: "سأقوم بزيارة مصر وألقي التحية لأجدادي وأشاهد أهراماتهم".
ما خطورة ما يحاول الأفروسينتريك نشره؟
منذ بدأ أعضاء الأفروسينتريك في نشر رؤيتهم في أوروبا وأمريكا تشكلت حالة عداء تجاه كل ما هو مصري لأنهم أصبحوا يرونه "غاز لوطنهم الأم"، لذا بدأت تظهر عنصرية ضد المصريين فضلا عن حالات اعتداء عليهم.
ولدينا الطالبة المصرية التي تعرضت لاعتداء على يد مجموعة من الأفارقة في أوروبا خلال عام 2017 وانتهى بموتها، وهناك عدد لا حصري من التهديدات التي يتلقاها المصريون من أتباع هذه الحركة تتوعدهم بالقتل أو الطرد من مصر باعتبارهم يستوطنون "وطنهم الأم"، وفق رؤيتهم.
ومؤخرا تسعى "المركزية الأفريقية" للترويج لأفكارها من مصر، مثلا حاولت تدشين مؤتمر في أسوان خلال فبراير/ شباط 2022 بهدف نشر خرافاتهم والتنديد بحقوقهم في الدولة المصرية.
لكن تم وقف المؤتمر بفضل جهود "وعي مصر" والشباب المصري الذي تحرك للدفاع عن قوميته ونجح في جمع آلاف التوقيعات وتدشين هاشتاج "#وقف_مؤتمر_أسوان"، ما دفعهم للتراجع عن إقامة المؤتمر في مصر.
وآخر محاولاتهم ما أعلنوا عنه بشأن إقامة حفل للمغني كيڤين هارت في القاهرة خلال فبراير/ شباط 2023، وتم تدشين هاشتاج "#إلغاء حفل كيڤين هارت" الذي تفاعل معه آلاف المصريين، وتم توضيح خطورة هذه الخطوة وعنصريتهم تجاه شعب مصر وأهمية إلغاء الحفل.
ما دور "وعي مصر" في الرد على أكاذيب الأفروسينتريك؟
مبدئيا، نحن نسعى لنشر الوعي التاريخي تجاه أصولنا والحضارة المصرية بين مختلف فئات الشعب المصري، ومواجهة خرافات فكر الأفروسينتريك بكل الطرق وبالاستعانة بالأدلة العلمية والأثرية.
ومع قرب موعد افتتاح المتحف المصري الكبير، طرحت المنصة فكرة تخصيص ڤاترينات عرض بتقنية الهولوجرام داخل المتحف المصري الكبير لعرض القطع الغائبة أو المسروقة.
وبالفعل، تقدم النائب البرلماني أحمد بلال، بمبادرة "مكانها هنا" لعرض الآثار المصرية المسروقة بالخارج بتقنية الهولوجرام في المتحف المصري الكبير، بهدف جمع توقيعات الزائرين عليها للمطالبة بإعادة رموز الحضارة إلى مصر، وعلى رأسها تمثال رأس الملكة المصرية نفرتيتي في برلين وحجر رشيد في بريطانيا.
أيضا بادر شباب مصري مبدع باستغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لنشر صور صحيحة عن الحضارة المصرية وملوك وملكات مصر القديمة؛ لمواجهة حملات التزوير التي تشن لتزوير التاريخ المصري، من بينها صورة الملكة المصرية نفرتيتي بملامحها المصرية.
كيف ترد على ادعاءات الأفروسينتريك بشأن عدم انتماء المصريين الحاليين للحضارة القديمة؟
فيما يتعلق بالأكاذيب التي يروج لها أعضاء المركزية الأفريقية، وعلى رأسهم السنغالي انتاديوب، فسبق ونفت منظمة اليونسكو كل ما تحدث عن هجرة المصري القديم إلى الجنوب وأن المصريين الحاليين ليسوا من نسل المصريين القدماء.
وهذه بعض أقوال الأثريين المعروفين في هذا الإطار:
- أقر العالم ستيفن هاو، أستاذ تاريخ وثقافات الاستعمار في جامعة Bristol، بأن المصريين الحاليين هما أحفاد المصريين القدماء، وأن الانفتاح العربي على مصر تأثر بالعرق المصري وليس العكس.
- العالم ستيفين كون، عالم الأنثروپولوچيا الطبيعية، أورد في كتابه "أعراق أوروبا": "لا بد أن تظل مصر القديمة أبرز مثال معروف فى التاريخ وحتى الآن لمنطقة معزولة طبيعيا أتيح فيها لأنواع الجنسية المحلية الأصيلة أن تمضي في طريقها لعدة آلاف من السنين دون أن تتاثر إطلاقًا باتصالات أجنبية".
- العالم والباحث الآثرى المعروف برودريك قال هو الآخر في كتابه "شجرة التاريخ البشري": "من الواضح طوال الستة آلاف سنة الأخيرة أو يزيد أنه لم يكن هناك أي تغيير ملحوظ في مظهر عموم المصريين".
- أكد عالم الأنثروبولوجى وخبير علم التشريح أرثر كيث، في كتابه "نظرية جديدة عن التطور البشري"، الاستمرار الجينى للمصريين قائلا: "الفلاحون الذين نراهم يؤلفون جسم الأمة اليوم هم النسل المباشر لفلاحي سنة ٣٣٠٠ قبل الميلاد".
- أيضا كيث يقول: "المصريون ليسوا فقط أمة، أقدم أمة سياسية في التاريخ، ولكنهم أيضا جنس بكل معنى الكلمة، ولكن ليس هناك شيء اسمه النقاوة الجنسية عمومًا ومهما كان الشعب منعزلا أو معزولا سنجده مختلطا بدرجة أو بأخرى، وإن كان النمط الجنسي المصري قد امتاز بالثبات لا شك".
- العالم المصري سليمان حزين انتهى في كتاب "تاريخ الحضارة المصرية: العصر الفرعوني" لنفس النتائج حيث قال: "إن القبائل العربية التي نزحت في العهد العربي إلى وادي النيل الأدنى لم تؤدي إلى حدوث أي تغيير في تكوين المصريين العام".
- وفي كتاب "القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة"، يقول الدكتور عبدالله خورشيد البري: "يرجع عدم تغير تكوين المصريين العام بقلة عدد العرب الوافدين بالنسبة لمجموع الشعب المصري، وهذه الظاهرة نلاحظها في جميع مراحل تاريخ مصر، فقد توافد على المصريين كثير من الأجناس المختلفة امتزجوا بالمصريين امتزاجا دمويا دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير خصائص المصريين الجنسية، لأن هؤلاء الوافدين كانوا يفلحون فقط في تجديد دماء المصريين دون تغييرها، إذ لا يلبث الشعب حتى يهضمهم ويتمثلهم، وكان ذلك أحد عوامل احتفاظ المصريين بحيويتهم عبر العصور".
ماذا عن الأدلة العلمية والأبحاث الجينية؟
أثبتت الأبحاث الجينية أن الغالبية العظمى من المصريين الحاليين بنسبة 77.3% يحملون نفس الصفات الجينية للمصريين القدماء.
أما الصفات الجينية المنتمية لشعوب الشرق الأدنى فنسبتها 10.3% ومقسمة لمجموعتين: الأولى مجموعة (العرب - اليهود - الأتراك - الأكراد - إيران - العراق - الأردن - فلسطين - سوريا - لبنان، إلخ..) ونسبتها مجتمعة بين الشعب المصري رغم كل الهجرات والغزوات لا تتعدى 5.2%، والثانية مجموعة (جنوب أوروبا، اليونان - تركيا، الخ..) ونسبتها 5.1%.
بالنسبة للصفات الجينية الأوروبية "غرب أوروبا – إيطاليا (الرومان) – الفرنسيين – الإنجليز – إلخ" فنسبتها حوالي 5.5% والنسبة الباقية 6.9% موزعة على صفات جينية متباينة من أصول مختلفة غير محددة المنشأ، أي موجودة في كل العالم لكن غير معروف منشأها.
بل إن هناك بعض الدراسات التي خلصت نتائجها إلى أن نسبة احتفاظ المصريين الحاليين بالصفات الجينية للمصريين القدماء تصل إلى 90%.
أيضا توزيع فصائل الدم في مصر خلال العصر الحالي يوضح أن الجماعات السكانية متجانسة تماما، ولا توجد أي فروق ذات دلالة إحصائية بين المسلمين والمسيحيين، كما تقدم فحوص المقارنة للرأس ومقاييس الجسد (البشرة – الشعر – العين - الأسنان، الخ..) نتائج متطابقة.
وخلصت دراسات التحليل الجيني إلى أن المصريين الأوائل عاشوا على أرض مصر منذ عصر البليستوسين أي قبل نحو ١٥ ألف سنة، ولدرجة كبيرة جدًا لم يتأثروا جينيا بالغزوات أو الهجرات بل ظل المصريون كما كانوا من آلاف السنين.
كما أن الصفات الجينية التي قد تبدو غريبة عن المصريين في اعتقاد البعض، مثل البشرة البيضاء أو فاتحة اللون والشعر الناعم واعتدال حجم الأنف، ليست صفات جديدة على المصريين بل هي موجودة بالفعل من آلاف السنين وليست نتيجة تزاوج مع شعوب أخرى، وأبسط دليل على ذلك عشرات التماثيل والمومياوات التي تتمتع بهذه الصفات الجمالية.
aXA6IDE4LjExOS4xMjAuNTkg جزيرة ام اند امز