بعد النمسا.. هل تتلقى الإخوان الضربة الجديدة في ألمانيا؟
وضع التعاطي النمساوي القوي مع ملف الإخوان الإرهابية مستقبل الأخيرة في أوروبا على المحك.
وبات السؤال: أين تتلقى الإخوان الضربة المقبلة؟ وهل تواجه أوروبا الخطر الإخواني؟ ما يعكس وعيا متزايدا في القارة العجوز بهذا الخطر الكبير.
وفي ظل المحاولات الألمانية الحثيثة خلال السنوات الماضية لمواجهة الجماعة، فإن برلين مرشحة بقوة لاتخاذ إجراءات قوية ضدها، خاصة في ظل ضغوط سياسية كبيرة عابرة للأحزاب السياسية، وفق تقارير صحفية.
لكن ألمانيا لن تبدأ طريق مواجهة الجماعة الإرهابية من الصفر، بل إنها ستكمل ما بدأته خلال الفترة الماضية، لتضع المؤسسات الإخوانية العاملة على أراضيها تحت الضغط.
ضغوط لا تنتهي
وكدلالة على تغير المواقف السياسية في صالح مواجهة خطر التنظيمات المتطرفة، كتبت سفيم داجدالين، النائبة البارزة عن حزب اليسار، الذي طالما وصف بأنه داعم للإخوان وغيرها من التنظيمات، في مقال بـ"دير شبيجل" الألمانية قبل أيام: "بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة، باتت مواجهة الإسلاموية والإرهاب تحتل أولوية في الأجندة السياسية".
بل إن زعيم الكتلة البرلمانية لحزب اليسار الألماني، ديتمار باريتش، طالب أحزاب اليسار، قبل أسابيع، بإنهاء صمتها عن "التنظيمات الإسلامية المتطرفة"، رافضا أي تسامح مع تنظيمات الإخوان وحماس وحزب الله، وأنشطتها الإرهابية.
وعندما يطالب زعيم حزب الخضر، روبرت هابيك، فجأة، باتخاذ إجراءات قوية ضد الإخوان، فإن هذا يحمل في طياته الكثير، لأن حزبه كان يحتل المرتبة الأولى في دعم التنظيمات الإسلامية في إطار دعم التعددية الثقافية والحريات الدينية، وفق موقع "تشي أينبليك" الألماني (خاص).
وقال هابيك في تصريحات صحفية قبل أسابيع: "جريمة قتل مروعة في باريس لمعلم يدافع عن حرية التعبير، هجوم قاتل بسكين على اثنين من المصطافين في وسط مدينة دريسدن الألمانية: لقد أظهرت الأسابيع القليلة الماضية مرة أخرى مدى حقيقة التهديد من الإسلاميين المتطرفين".
وأضاف: "علينا أن نتحرك باستمرار ضد هذا العنف.. إنه تهديد لتعايشنا ومجتمعنا المفتوح، يجب اتخاذ إجراءات قوية ضدهم".
الأكثر من ذلك، أن مجموعة من السياسيين والخبراء في ألمانيا، بينهم سياسيون بارزون بالاتحاد المسيحي الحاكم (يمين وسط)، أرسلوا في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خطابا مفتوحا للحكومة، للمطالبة باتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة خطر الإسلام السياسي.
وجاء في الخطاب الذي نشرته صحيفة دي فيلت الألمانية (خاصة): "تتجذر الإسلاموية بشكل متزايد في المجتمعات الإسلامية في أوروبا، وكذلك في ألمانيا".
وتابع: "هذا تطور يمثل بالفعل محنة لمجتمعنا، ولم يعد بوسعنا أن نظل صامتين".
تحركات برلمانية
في الأسبوع الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قدمت كتلة الحزب الديمقراطي الحر (يمين وسط/معارض) طلب إحاطة، طالبت فيه الحكومة بتقديم إفادات واضحة حول نفوذ الإخوان ومؤسساتها وعدد عناصرها في ألمانيا، واستراتيجيات الأمن لمواجهة خطرها.
وذكرت وثيقة برلمانية مؤرخة بـ٨ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٠، أن السلطات الأمنية تحذر بشكل مستمر من الخطر الذي تشكله المنظمات الإسلامية المتطرفة، وخاصة الإخوان.
ونقلت الوثيقة عن بوركهارد فرير، رئيس مكتب حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" في ولاية شمال الراين - وستفاليا "غرب"، قوله إن التنظيمات الإسلامية المتطرفة وخاصة الإخوان أكثر خطورة على المدى الطويل من تنظيمات مثل داعش والقاعدة.
وفي وثيقة أخرى مؤرخة بـ ١ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٠، اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها، ذكرت الكتلة البرلمانية لحزب البديل لأجل ألمانيا (شعبوي/معارض) أن "الإخوان تتوسع وتؤثر بشكل واضح على بعض مؤسسات الدولة في ألمانيا".
وتابعت: "نطالب بفرض رقابة قوية على الإخوان واتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة التهديد الذي تمثله".
خطوات على الطريق
في غضون ذلك، استطاعت الحكومة الألمانية خلال الأشهر الماضية كشف خيوط علاقة منظمة الإغاثة الإسلامية بالإخوان الإرهابية، وتبعيتها الكاملة لها، بل وتمويل هذه المنظمة لأنشطة ومؤتمرات الجماعة في ألمانيا.
ولذلك، جففت وزارة الخارجية الألمانية أحد أهم مصادر دخل منظمة الإغاثة الإسلامية، وهي المساعدات الحكومية الألمانية.
وقالت الوزارة في إفادة لموقع "يونجل وورلد" الإخباري الألماني إن "منظمة الإغاثة الإسلامية لم تعد تتلقى تمويلا من الحكومة الألمانية، سواء لمشروع دعم الرعاية الطبية في سوريا، أو غيره".
وأوضحت أن "تمويل هذه المنظمة توقف في مارس/آذار الماضي"، مؤكدة: "لم تعد المنظمة تتلقى أي تمويل منا".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث أحال البرلمان الألماني في فبراير/شباط الماضي مشروع قرار ينص على فرض رقابة قوية ضد الإخوان الإرهابية في ألمانيا، للجنة الأمن الداخلي لدراسته.
لكن اللجنة فشلت في تمريره بسبب رفض العديد من الأحزاب التعامل مع حزب البديل لأجل ألمانيا في داخل البرلمان بسبب انتمائه لـ"اليمين المتطرف"، وسط توقعات بأن تقدم الأحزاب الأخرى مشروعا مماثلا في وقت قريب.
وهذا ما حدث مع حزب الله، حيث قدم حزب البديل لأجل ألمانيا مشروع قانون لحظر الحزب اللبناني بالكامل إلى البرلمان، وأحيل للجنة الشؤون الداخلية في مايو/أيار الماضي، لكن البرلمان رفضه في وقت لاحق بسبب رفض الأحزاب الألمانية التعاون مع حزب البديل لأجل ألمانيا.
وبالتزامن مع هذا الرفض، تقدم الاتحاد المسيحي الحاكم والحزب الاشتراكي الديمقراطي بمشروع بديل لحظر المليشيا اللبنانية، ومرره البرلمان في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبخلاف ذلك، تخضع هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" جمعيات الإخوان وقياداتها لرقابتها منذ سنوات طويلة، وتصنفها "منظمة تحمل أهدافا معادية للدستور".
هل تحذو ألمانيا حذو النمسا؟
رغم اختلاف حالتي البلدين، وحقيقة أن ألمانيا اتخذت بالفعل اجراءات، وإن كانت بطيئة، ضد الإخوان خلال الفترة الماضية، فإن بعض المراقبين يتوقعون أن يحدث التعاطي النمساوي القوي مع الإخوان أثرا شبيها بتأثير الدومينو في عدة دول أوروبية، خاصة بعد اختتام التحقيقات النمساوية وتوجيه اتهامات نهائية للإخوان أو اتخاذ إجراءات قوية ضدها مثل الحظر، أو اكتشاف التحقيقات روابط بين إخوان النمسا وإخوان دول أخرى مثل ألمانيا.
وفي هذا الإطار، يقول غونتر ماير، أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز دراسات العالم العربي بجامعة ماينز الألمانية لـ"العين الإخبارية": "بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية، أصبح وعي قوات الأمن الألمانية مرتفعًا بالفعل".
وتابع: "ترصد أجهزة الأمن الجماعات المختلفة المقربة من أيديولوجية جماعة الإخوان وتخضعها لرقابة مكثفة".
أما فولفرام رايس، أستاذ الدراسات الدينية في جامعة فيينا والخبير في شؤون الإخوان، فقال لـ"العين الإخبارية": "في حال توصلت التحقيقات النمساوية إلى روابط بين إخوان النمسا وألمانيا، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى مداهمات ضد الجماعة في ألمانيا أيضًا".
وأوضح أن الأمر متعلق بالتوصل إلى أساس قانوني لهذه المداهمات المحتملة، لكنه عاد وقال "الإخوان متواجدة في ألمانيا منذ الخمسينيات وهناك اتصالات بين فروعها".
وفي حال اكتشاف النمسا روابط بين الإخوان في الأراضي النمساوية والألمانية، وهو أمر متوقع، يرجح مراقبون أن تشن السلطات الألمانية مداهمات قوية ضد مؤسسات الجماعة، وتفتح تحقيقا موسعا في وجودها وتمويلها وأنشطتها، مثلما يحدث الآن في النمسا.
وقبل أسبوع، نفذت الشرطة النمساوية مداهمات في 4 ولايات اتحادية، بينها فيينا، استهدفت أشخاصا وجمعيات مرتبطة بالإخوان الإرهابية وحركة حماس الفلسطينية.
وخلال المداهمات فتشت الشرطة أكثر من 60 شقة ومنزلا ومقرا تجاريا وناديا، وألقت الشرطة القبض على 30 شخصا مثلوا أمام السلطات لـ"الاستجواب الفوري"، وفق بيان رسمي.
ونقل إعلام محلي عن مصادر أمنية قولها إن "التحقيقات تجري مع المشتبه بهم حول الانتماء لمنظمات إرهابية، وتمويل الإرهاب، والقيام بأنشطة معادية لدولة النمسا، وتشكيل تنظيم إجرامي وغسل الأموال".
aXA6IDE4LjExNi4xNC40OCA= جزيرة ام اند امز