"الفرقة السرية" وسد الطبقة بسوريا.. جانب قاتم من ضربات أمريكا
كشفت صحيفة أمريكية أن سدا سوريا سيطر عليه تنظيم "داعش" كان مدرجا على قائمة المناطق المدنية المحمية، ومع ذلك قصفته واشنطن.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أنه "في ذروة الحرب على تنظيم داعش في سوريا، هزت انفجارات أكبر سد في البلاد؛ وهو مبنى شاهق يتكون من 18 طابقا يقع على نهر الفرات".
وأضافت "نيويورك تايمز" أن "سد الطبقة" يعتبر ركيزة استراتيجية وكان داعش يسيطر عليه، لكن في 26 مارس/آذار عام 2017، ضربت انفجارات السد.
ويقول شهود إن قنبلة واحدة تسببت في تدمير خمسة طوابق من السد، وفق الصحيفة.
وامتد الحريق وتوقف عمل المعدات الأساسية، وفجأة لم يعد هناك سبيل لتدفق مياه نهر الفرات، وبدأ مستوى مياه الخزان في الارتفاع، واستخدمت السلطات المحلية مكبرات صوت لتحذير الناس الموجودين بالمناطق المحيطة ومطالبتهم بضرورة الفرار.
ووفقا للصحيفة الأمريكية، ألقى "داعش" والحكومة السورية وروسيا، باللوم على الولايات المتحدة، حيث كان السد مدرجا ضمن قائمة "الأهداف المدنية التي يُمنع ضربها".
وقال قائد قوات التحالف الدولي الجنرال ستيفن تاونسند إن مزاعم تورط الولايات المتحدة تستند على "تقارير مجنونة".
وأكد بشكل قاطع بعد يومين من الانفجارات التي ضربته، أن "سد الطبقة ليس هدفا للتحالف".
لكن صحيفة "نيويورك تايمز" أوردت أن أعضاء وحدة عمليات خاصة أمريكية سرية للغاية تسمى "فرقة العمل التاسعة" ضربوا السد باستخدام أكبر القنابل التقليدية في الترسانة الأمريكية، بما في ذلك القنبلة "BLU-109" المصممة لتدمير الهياكل الخرسانية السميكة، بحسب اثنين من كبار المسؤولين السابقين.
ووفقا للصحيفة الأمريكية، شنت هذه المجموعة العسكرية القصف بالرغم من التقرير العسكري الذي ينبه إلى عدم قصف السد، لأن الضرر قد يتسبب في فيضان يمكن أن يقتل عشرات آلاف المدنيين.
وبالنظر إلى إدراج السد ضمن قائمة المواقع المحمية، كان من الطبيعي أن تكون القيادة العليا من اتخذ قرار القصف. لكن قال المسؤولان السابقان إن الفرقة التاسعة استخدمت إجراءات مخصصة لحالات الطوارئ، مما يتيح بشن هجوم بدون تصريح.
وفي وقت لاحق، قتل ثلاثة عمال كانوا قد هرعوا إلى الجسر لمنع كارثة خلال غارات مختلفة للتحالف، بحسب عمال بالسد.
وقال المسؤولان السابقان، اللذان تحدثا مع الصحيفة شريطة عدم كشف هويتهما لأنه غير مخول لهما مناقشة الغارات الجوية، إن بعض الضباط المشرفين على الحرب الجوية اعتبروا تصرفات الفرقة "متهورة".
وذكرت "نيويورك تايمز" أن الفرقة التاسعة اتبعت نمطا تمثل في التحايل بشكل روتيني على عملية التصريح بالضربات الجوية، وضربت أهدافا لتنظيم داعش بطريقة عرضت حياة المدنيين للخطر بشكل متكرر.
وقال سكوت موراي، العقيد المتقاعد من سلاح الجو الأمريكي، إن القادة كانوا سينظرون لضرب سد بمثل هذه القنابل الضخمة على أنه أمر خطير بشكل غير مقبول، حتى مع التخطيط الدقيق.
وأضاف موراي: "استخدام قنبلة بوزن 2000 رطل ضد هدف محمي مثل سد هو أمر صعب للغاية ولم يكن يجب أبدا تنفيذه بهذه السرعة."
وردًا على أسئلة "نيويورك تايمز"، أقرت القيادة المركزية الأمريكية التي أشرفت على الحرب الجوية في سوريا، باسقاط ثلاثة قنابل تزن كل منها 2000 رطل، لكنها نفت استهداف السد أو تجاوز الإجراءات.
وقال العقيد بيل أوربان، المتحدث الرسمي باسم القيادة المركزية الأمريكية: "التحليل أكد أن تلك الضربات على الأبراج الملحقة بالجسر لم تكن لتلحق أضرارًا هيكلية بسد الطبقة نفسه"، مشيرًا إلى أن السد لم ينهر وأن "هذا التحليل ثبتت دقته".
وأضاف أوربان أن المهمة والضربات الجوية ساعدت في عودة السيطرة على سد الطبقة إلى أهالي شمال شرق سوريا، ومنعت "داعش" من استخدامه كسلاح.
لكن مسؤولين سابقين، كانا مشاركين بشكل مباشر في الحرب الجوية آنذاك، وشهودا سوريين حاورتهم "نيويورك تايمز"، قالوا إن الوضع كان أكثر قتامة مما تحدث عنه الجيش الأمريكي علانية؛ حيث دُمرت معدات أساسية وتوقف السد عن العمل بالكامل، وراتفع منسوب مياه الخزان 50 قدما وتسربت تقريبا من الجسر، وهو ما كان ينذر بوقوع كارثة.
وقال مدير سابق إنه إذا انهار السد "لكان الدمار لا يمكن تصوره، وتجاوز عدد الضحايا عدد السوريين الذين قتلوا طوال فترة الحرب".
وفي مارس/آذار عام 2017، عندما شنت الولايات المتحدة والتحالف الدولي هجوما لاستعادة المنطقة المحيطة بالسد، كانت السيطرة على السد أولوية.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن قصف سد، أو أي موقع مدني مهم آخر مدرج على قائمة الأماكن التي يمنع ضربها، يتطلب تمحيصا دقيقا وموافقة كبار القادة.
لكن تنظيم داعش سعى لاستغلال تلك المواقع المدنية المحمية من الضربات كمخازن للأسلحة ومراكز للقادة ومواقع للقتال، وكان من بينها "سد الطبقة".
وكان الحل الذي تختاره الفرقة التاسعة في الغالب لمشاكلها هو تنحية القواعد التي تستهدف حماية المدنيين جانبا، بحسب ما قاله جنود حاليون وسابقون.
وكانت الفرقة تبرر أغلبية الغارات الجوية التي تشنها باستخدام إجراءات الدفاع عن النفس الطارئة التي تستهدف إنقاذ حياة الجنود في المواقف التي تهدد حياتهم، حتى عندما لا تكون القوات معرضة للخطر، مما أتاح لها سرعة ضرب الأهداف؛ بما فيها الأهداف التي يمنع ضربها.
ووفقا لجنود سابقين ووثائق عسكرية حصلت عليها "نيويورك تايمز" وتقارير مواقع الغارات الجوية التي شنها التحالف الدولي في سوريا، أسفرت الغارات المتسرعة على مواقع مثل: المدارس، والمساجد، والأسواق عن مقتل حشود من النساء والأطفال.
وقال مسؤولون إنه لم يتم اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد الفرقة، وواصلت الوحدة السرية ضرب أهداف باستخدام نفس مبررات الدفاع عن النفس التي استخدمتها في حالة السد.
وأثناء إجراء إصلاح السد، أرسلت الفرقة طائرة مسيرة فوق منطقة مجاورة.
ومع تحليق المسيرة، كان ثلاثة من العمال الذين هرعوا لإنقاذ السد قد أنهوا عملهم واستلقوا شاحنة متجهين إلى منازلهم.
وعلى بعد أكثر من ميل من السد، استهدفت غارة للتحالف الشاحنة، بحسب عمال، ما أدى لمقتل مهندس ميكانيكي، وفني، ومتطوع في الهلال الأحمر السوري.