"العين الإخبارية" تفتش في عمق الأزمة.. كيف طرق الركود أبواب أوروبا؟
دخل اقتصاد منطقة اليورو مرحلة خطرة، وفسر خبراء ما يحدث بالكتلة الأوروبية نتيجة لأزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتعاني منطقة الاتحاد الأوروبي من أزمة طاقة حادة حالياً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت موسكو إلى قطع إمدادات الغاز عن أغلب الدول الأوروبية المساندة لأوكرانيا ولحلف الناتو، كما تعاني المنطقة أيضاً من متاعب اقتصادية موازية بسبب الارتفاع الحاد في أسعار النفط والتي نتجت عن الحرب ذاتها أيضاً.
كذلك أظهر مؤشر مديري المشتريات في منطقة اليورو الصادر عن ستاندرد أند بورز "تعمق التباطؤ الاقتصادي في منطقة اليورو في سبتمبر، مع تقلص النشاط التجاري للشهر الثالث على التوالي.
ذلك على الرغم من كونه متواضعا، إلا أن معدل الانخفاض تسارع إلى وتيرة هي الأشد حدة منذ عام 2013، باستثناء حالات الإغلاق الناجمة عن الجائحة".
انخفض مؤشر مديري المشتريات من 48.9 في أغسطس إلى 48.2 في سبتمبر، علما أنه يمثل دون عتبة 50 انكماشا اقتصاديا.
وقال كريس وليامسون، كبير اقتصاديي الأعمال لدى ستاندرد أند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس: "الركود في منطقة اليورو موجود، إذ تشير الشركات إلى تدهور ظروف أعمالها وزيادة ضغوط الأسعار المرتبطة بارتفاع تكاليف الطاقة".
أضاف أن "ألمانيا تواجه أصعب الظروف، مع تدهور الاقتصاد بمعدل لم نشهده، باستثناء فترة الجائحة، منذ الأزمة المالية العالمية".
الارتفاع الصاروخي لأسعار الطاقة
أدى الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة والارتفاعات الحادة في تكلفة المعيشة إلى إضعاف الطلب والحد من إنتاج التصنيع، فقد ارتفع التضخم في منطقة اليورو إلى 9.1% في أغسطس، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، في حين يتوقع المحللون أن يصل المعدل إلى رقم من خانتين بحلول نهاية العام.
رد فعل المركزي الأوروبي
رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس قياسية هذا الشهر، وتعهد ببذل كل ما في وسعه للحد من الارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية.
وقال وليامسون إن المؤشرات تشير إلى انكماش منطقة اليورو بنسبة 0.1%، في الربع الثالث من العام 2022، وتراجع حاد في الربع الرابع، مشيرا إلى أن "التحدي الذي يواجهه صانعو السياسات في كبح جماح التضخم مع تجنب الهبوط الحاد للاقتصاد يزداد بالتالي صعوبة".
من جهته قال الخبير المالي هاني جنينه لـ"العين الإخبارية" إن أزمة الطاقة التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، قد تحول مخاوف التضخم في منطقة اليورو إلى ازمة ركود حاد، لافتا إلى أن الأزمة ليست مشكلة تراجع قوة العملة الموحدة "اليورو" فحسب، بل تتعلق بإجراءات لا بد أن تقدم عليها الحكومات وهي البحث عن بدائل سريعة لإمدادات الطاقة وحل تداعياتها لافتا إلى المقترح الفرنسي للبحث عن بدائل لتدبير الغذاء
تحركات الإليزيه
وفي أول تحرك لاحتواء الأزمة قال قصر الإليزيه الجمعة 23 أيلول/ سبتمبر إن فرنسا عقدت هذا الأسبوع اجتماعا مع شركاء من بينهم دول أفريقية وهيئات تابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل التصدي بسرعة لأزمة الغذاء العالمية التي تتفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال الإليزيه "استعمل الاتحاد الأوروبي الإعفاءات الحالية على كل منتجات الأغذية الزراعية، مع توفير إرشادات إضافية لتوضيح أن نظام عقوباته ينطبق على روسيا، مضيفاً أنه يعتزم أيضاً إطلاق آلية طوارئ لشراء الأسمدة لأفريقيا.
نصائح صندوق النقد الدولي لأوروبا
وفي تقرير مطول له مطلع سبتمبر/أيلول الجاري دعا صندوق النقد الدولي إلى "إصلاحات مالية" في الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن هذه الإصلاحات "لا يمكن أن تنتظر".
واعتبر الصندوق أن "الإطار الاقتصادي الحالي في أوروبا قد فشل"، وذلك بالتزامن مع تصاعد وتيرة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها منطقة اليورو والتي تجلت أخيراً بهبوط حاد في سعر صرف اليورو مسجلا أدنى مستوى له في 20 عاماً.
وقال الصندوق إن "إصلاح الإطار المالي للكتلة الأوروبية لا يمكن أن ينتظر، وهناك حاجة إلى صندوق جديد للتراجع الاقتصادي".
كما يؤكد صندوق النقد أن "الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى صندوق جديد للمساعدة في إدارة الانكماش في الدول الأعضاء ودفع الاستثمارات الخضراء الدولية".
وقال صندوق النقد، إنه دعا إلى إصلاح عاجل لطريقة تعامل الكتلة الأوروبية مع المالية العامة وسط تصاعد المخاطر الاقتصادية في المنطقة.
كما حذر الصندوق من أن الإطار الاقتصادي الحالي للاتحاد قد "فشل" في مهمته الأساسية المتمثلة في احتواء مخاطر الميزانية.
إنشاء قدرة مالية
وقال في مقترح إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إنشاء "قدرة مالية" جديدة يتم تمويلها من خلال إصدار الدين المشترك وتدفقات الدخل الجديدة، كما اقترح صندوق النقد الدولي أن يأتي هذا على رأس تحديث للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي لتقديم موارد مالية عامة أكثر سلامة إلى جانب مرونة أفضل لمعالجة الأزمات الاقتصادية.
وأضاف صندوق النقد الدولي أن "الصدمات المتعددة غير المسبوقة فوق مستويات الديون المرتفعة بالفعل تعقد إدارة السياسة المالية، وأسعار الفائدة آخذة في الارتفاع، واستمرار تطبيع السياسة النقدية على قدم وساق".
ويرى الصندوق أنه مع توجه دول الاتحاد الأوروبي إلى ركود محتمل مدفوع بأزمة الطاقة، وارتفاع أسعار الفائدة على خلفية أعباء الديون المرتفعة، فإن الحاجة إلى إصلاح السياسة المالية بسرعة يجب أن تستحوذ على أولوية قصوى على أجندة الاتحاد الأوروبي.
وأشار صندوق النقد، إلى أن الاتحاد الأوروبي بحاجة الآن إلى تنفيذ "قدرة مالية جيدة التصميم للاتحاد الأوروبي" للمساعدة في استقرار الاقتصادات، خصوصا عندما يكون لدى البنوك المركزية القليل من القوة للسياسة النقدية، ولتقديم استثمارات رئيسية لمواجهة تغير المناخ وتعزيز أمن الطاقة".
وأوضح أنه يجب أن يأتي هذا جنباً إلى جنب مع إصلاح شامل لاتفاق الاستقرار والنمو في الاتحاد الأوروبي، والذي يتطلب من الدول الأعضاء مراقبة سقف عجز بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي وحد أقصى للديون بنسبة 60% من الناتج.
أسواق المال تتفاعل سريعا
على وقع بوادر ركود محتمل أغلقت الأسهم الأوروبية على انخفاض حاد في تداولات جلسة الجمعة 23 أيلول/ سبتمبر، حيث استوعب المستثمرون مجموعة من قرارات البنك المركزي وخطة اقتصادية جديدة من المملكة المتحدة.
وانخفض مؤشر Stoxx 600 بنسبة 2.3% ، مع تداول جميع القطاعات والبورصات الرئيسية في المنطقة الحمراء، كما أغلق مؤشر CAC الفرنسي على تراجع بنحو 2.3%، وأنهى مؤشر FTSE البريطاني على خسائر بنحو 1.9%، وكانت أسهم النفط والغاز والموارد الأساسية هي الأكثر تراجعاً، حيث انخفض كلاهما بأكثر من 5%.
وتأتي تحركات السوق بعد أن أعلنت حكومة المملكة المتحدة عن مجموعة من التخفيضات الضريبية في الوقت الذي تستعد فيه البلاد للركود، كما انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 3% مقابل الدولار إلى 1.0919 دولار في الساعات التي أعقبت الأخبار.
ورفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أمس الخميس في الزيادة السابعة على التوالي، وقال إنه يعتقد أن اقتصاد المملكة المتحدة كان بالفعل في حالة ركود.
ورفع البنك الوطني السويسري سعر الفائدة القياسي إلى 0.5%، وهو تحول ينهي حقبة من المعدلات السلبية في أوروبا.
aXA6IDE4LjIyMS4xOTIuMjQ4IA== جزيرة ام اند امز